الكتاب: لبنان بين الوحدة والانفصال - هزائم الانتفاضات 1919 - 1927 المؤلف: هدى رزق الناشر: بيسان للنشر والتوزيع - بيروت بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وجلاء القوات التركية عن سورية، استبشر السوريون خيراً بدخول الحلفاء إلى أراضيهم ما جعل الابتهاج يعم البلاد. وقد غذى هذا الابتهاج ما كان يطلقه الحلفاء من وعود تبشر بمنح الاستقلال التام لكل الأقطار الخاضعة للدولة العثمانية. وفي بلاغ اذاعته الحكومتان البريطانية والفرنسية في 7 تشرين الثاني نوفمبر 1918 تتعهد فيه الحكومتان ب"تشجيع العمل لقيام حكومات ومصالح أهلية في سورية والعراق اللتين اتم الحلفاء تحريرهما. وفي البلاد التي يواصلون العمل لتحريرها وعلى مساعدة هذه الهيئات والاعتراف بها عند تأسيسها فعلاً. والحلفاء بعيدون عن ان يرغموا سكان هذه الجهات على قبول نظام معين". وقد كان لهذه الوعود صداها الطيب عند الناس عموماً ظناً منهم بأن الغربي اذا حدّث صدق واذا وعد وفى… لكن خابت ظنونهم عندما لمسوا العكس. هذا باختصار ما تناوله كتاب الدكتورة هدى رزق في أربعة فصول عالجت التطورات السياسية والعسكرية خلال فترة الانتداب وما رافقها من مقررات اتخذتها الدولتان المنتدبتان فرنساوبريطانيا وردود الفعل الشعبية على هذه المقررات والتي تجلت في انتفاضات وثورات عمت مختلف المناطق السورية وأسباب فشل هذه الانتفاضات والثورات متخذة من ولادة دولة لبنان الكبير محوراً وعنواناً لكتابها. مع دخول القوات المنتدبة بدأت تظهر الملامح الاولى للانقلاب على الوعود السابقة، فبموازات المفاوضات التي بدأها سير هنري ماكماهون مع الشريف حسين، كانت انكلترا تجري مفاوضات سرية مع فرنساوروسيا أدت الى عقد اتفاق ثلاثي يوم 4/3/1916، ينص على تقاسم الامبراطورية العثمانية بين الدول الثلاث. وعرف ذلك الاتفاق باتفاق سايكس - بيكو المناقض لما تعهد به الحلفاء للشريف حسين. وبعد ثورة اكتوبر 1917 في روسيا، نددت الحكومة البولشفية الجديدة بسياسة النظام القديم، وانكبت على كشف المعاهدات السرية المعقودة مع انكلترا وفرنسا، ومن ضمنها اتفاق سايكس - بيكو. وعندما ادرك الشريف حسين مضمون اللعبة، أرسل كتاباً الى ماكماهون "مطالباً بتفسيرات بهذا الصدد، فرد عليه الممثل الرسمي للحكومة البريطانية مطمْئناً ومؤكداً ان "الانكليز يواصلون احترام ما تعهدوا به، وان ما تردد حول ذلك ليس سوى شائعات وأكاذيب". لكن الاتفاق كان ينص على ان تستولي فرنسا على جزء كبير من جنوب الأناضول والجزء الشمالي من سورية ومنطقة الموصل فيما تشمل حصة بريطانيا ولايتي البصرة وبغداد ولواء كركوك وكذلك القسم الجنوبي من سورية من غزة والعقبة الى حدود العراق وسط الصحراء. ثم عادت على سورية ولبنان. ابان هذه التطورات دعا فيصل المؤتمر السوري الى الانعقاد، وقرر المؤتمر اعلان استقلال سورية الطبيعية، وعلى رأسها الملك فيصل. فسارعت انكلترا وفرنسا الى التنديد بهذا القرار، وأكبّ الجنرال غورو على معارضة هذا القرار ميدانياً فدخل دمشق يوم 20/7/1920 بعد معركة ميسلون وخلع الملك فيصل عن عرشه وحلّ الجيش العربي وجرد الأهالي من السلام. وفي الأول من ايلول قرر مولد دولة لبنان الكبير المستقلة عن سورية. وكان الرد الشعبي انتفاضات في المناطق الملحقة بجبل لبنان، ففي جبل عامل ظهرت مجموعات مسلحة لمناهضة الفرنسيين أهمها مجموعة صادق حمزة التي شملت عملياتها كل جبل عامل تليها مجموعة أدهم خنجر وهو من أسرة الدرويش المعروفة بتسامحها الديني، اذ كانت سنة 1860 قد حمت مسيحيي المنطقة، وكان مسرح عملياتها منطقة الشقيف. ثم مجموعة أحمد بزي التي انحصر مجال عملياتها في بنت جبيل. عندئذ جردت فرنسا قوة من اربعة آلاف جندي، تدعمها الطائرات والمدرعات، وشرعت بغزو مبرمج للقرى الشيعية. وانتهت الثورة العاملية بضم جبل عامل الى دولة لبنان الكبير وعلى هذا المنوال جرت الأحداث في البقاع وطرابلس وعكار. الفصل الثاني تناول الثورة السورية الكبرى وتأثيرها في الأقضية الأربعة. فعرضت المؤلفة للوضع السياسي والاجتماعي في دمشق وجبل الدروز ثم للعوامل التي أدت الى قيام الثورة ومجراها، وقد ساهمت اخطاء جنرالات الانتداب الى حد كبير في التسريع بنشوبها ولا سيما الجنرال سراي والكابيتان كاربييه. ابتدأت الثورة في الجبل ثم اتسعت فجأة شمالاً الى وادي العجم الممتد الى التلال المنحدرة التي تقوم فوقها مجموعة قرى حرمون جبل الشيخ ووادي التيم حيث قام عشرة آلاف درزي بتأمين الاتصال مع تجمعات جنوب شرقي لبنان حاصبيا - راشيا الخ…. وبين ليلة وضحاها، تحول التمرد الى ثورة واسعة، وانتقل مركز القيادة من الجبل الى الغوطة. وبدأت الانتفاضات في دمشق وحماة والمناطق اللبنانية حتى بعلبك. وبدأت المفاوضات والاتصالات السرية والعلنية للوصول الى حل، الا ان الشروط الصعبة لكلا الطرفين اوصلت الاتصالات والاجتماعات الى الطريق المسدود. وعندها لم تر فرنسا بداً من تجريد حملة عسكرية لانهاء الثورة. وهذا ما حصل بالفعل. وفي أسباب فشل الثورة تقول المؤلفة الدكتورة رزق ان القوى التي قادت الثورة لم تمتلك مشروعاً سياسياً مدعوماً من القوى السياسية في البلاد، فهذه القوى كانت تعمل جاهدة لكسب ود السلطة الجديدة وتثبيت مواقعها السياسية والاقتصادية، ما اضعف هذه الثورة، وأضعف مواقع المقاومين الذين لم يمتلكوا عتاداً وأسلحة تخولهم الصمود في مواجهة قوة دولية كبيرة كفرنسا. الفصل الثالث عالج مواقف الانتداب وردود فعل الطوائف. فللموارنة، يقول ادمون رباط، يرتدي التحالف مع فرنسا رداءً صوفياً "امهم الحنون" كما كانت تسميها طائفتهم، التي كانت في الماضي قد أمدتهم بقوتها وثقافتها، ألم تأت لتحقيق امنياتهم القديمة حين أعلنت لبنان الكبير؟ واذا ما علت بعض الأصوات المعارضة احياناً فانها سرعان ما تخبو تحت ضغط الاكليروس. انهم متعلقون بفرنسا تعلقاً شديداً. اما بالنسبة الى الشيعة، فالسياسة الفرنسية في وسط جبل عامل كانت تقوم على إلغاء ميليشيات الطائفة وعلى دعم عائلات الأعيان القديمة الاسعد وعلى ابراز عائلات جديدة مثل الزين وعسيران وسواهما. اما بالنسبة الى الشيعة في منطقة بعلبك فقد اوقفت سنة 1923 جماعاتهم المسلحة المشكلة في عهد فيصل. وكان آل حمادة قد ساندوا الانتداب الفرنسي. فكوفئوا على موقفهم بتعيين صبري حمادة نائباً منذ 1925. وهكذا عرف الفرنسيون كيف يستغلون التناقضات والخصومات بين الزعماء المحليين الذين كانوا يسعون وراء تأييد شعبي مع احتمال الانفصال عن الجماهير في حال الفشل، والوقوف الى جانب الغالب. اما بالنسبة الى السنة فقد سعى أعيان بيروت السنيون إلى المشاركة في دولة لبنان الكبير وكانوا يعلنون مواقف مبدئية حتى لا يثيروا نقمة قاعدتهم الشعبية المعادية للانتداب الفرنسي كما في صيدا وطرابلس. وعاد عليهم هذا الموقف المتردد بخسران مناصبهم الحكومية المخصصة للاكثر تصميماً على دعم دولة لبنان الكبير، الأمر الذي دفع اولئك الأعيان السنة الى الوقوف وراء مطلب الوحدة السورية لأجل معيّن. وفعل بعضهم ذلك ليقفوا لاحقاً الى جانب الدولة المنتدبة. فيما ظل آخرون على موقفهم حتى العام 1936، مع انعقاد مؤتمرات الساحل تاريخ توقيع المعاهدة الفرنسية - السورية، التي أكدت على حق سورية بأن يكون لها جيشها الخاص ودستورها. الفصل الرابع عالج الفترة التي تلت المعاهدة السورية الفرنسية والسياسة التي اتبعتها فرنسا لترسيخ الكيان اللبناني المنفصل عن سورية.