Nadia el-Sayed el-Shazly. ُThe Gulf Tanker War - Iran and Iraq's Maritime Swordplay. حرب ناقلات النفط في الخليج - مبارزة السيف البحرية بين ايرانوالعراق. Macmillan, Lodon. 1999. 403 pages. في نقطة ما في الفصل الأخير من الكتاب، تُشير ناديا الشاذلي الى الأهمية التي أولاها كارل فون كلاوزفيتس، المفكر الالماني الاستراتيجي في الحرب التقليدية، لمفهوم الردع، وتكتب "ايران استخدمت هذا المفهوم بنجاح، اذ مجدداً، امعن أحفاد سكان الريف الذين اخترعوا لعبة الشطرنج التفكير في كلّ مناورة". واشارة الدكتورة الشاذلي الى لعبة الشطرنج تُشكّل إحدى أكثر نقاط الاهتمام في كتابها، وهي دراستها التفصيلية للتحركات وللتحركات المضادة في "اللعبة" القاتلة بين ايرانوالعراق في مياه الخليج بعدما أطلق العراق حرب ناقلات النفط في العام 1984، بعد اربع سنوات على اندلاع الحرب مع ايران. في الوقت نفسه، تضع الكاتبة "مبارزة السيف البحرية" هذه ضمن إطار أوسع في نظرية الحرب، من المفكرين الاستراتيجيين العسكريين التقليديين كسون تسو واضع النص الصيني القديم بعنوان "فن الحرب"، وكلاوزفيتس واضع كتاب "حول الحرب"، الى واضعي النظريات الحديثة كالسيد بازيل ليدل هارت، والمفكرين الاستراتيجيين في الحرب البحرية وبينهم الأميرال سيرغي غورشكوف الذي يعتبر على نطاق واسع مؤسّس البحرية السوفياتية الحديثة. وتؤكد الدكتورة الشاذلي على الأهمية الثابتة للأعمال الكلاسيكية، والتي لا تزال تؤثر في الاستراتيجيا العسكرية الحديثة. وحيث أن غالبية الكتب الحديثة حول الاستراتيجيا وُضعت في اطار الحرب الباردة، والصراع بين دول حلفي الأطلسي ووارسو، فإن حرب ايرانوالعراق كانت اقليمية تدور رحاها بين دولتين أقلّ تقدماً، تستخدمان أسلحة تقليدية وتستوردان جزءاً كبيراً منها. وتدرس الكاتبة أيضاً حرب ايرانوالعراق في سياقها الجغراسياسي الإقليمي الأوسع. فثمّة دراسة شاملة حول نظامي الحكم في بغدادوطهران، وحول الأسباب التي دفعت العراق الى شنّ الحرب على ايران في أيلول سبتمبر 1980. وكان غرض العراق أساساً خوض حرب محدودة، لكن عجزه عن تحقيق أهدافه السياسية فرض تغييراً في الاستراتيجية. فصدّام حسين ارتكب خطأ استراتيجياً فادحاً من خلال التحوّل من حرب هجومية الى أخرى دفاعية، أضعفت معنويات الجيش العراقي ومنحت الإيرانيين فرصة تعبئة الشعب وإعادة تنظيم الجيش. كذلك أساء صدام تقدير القدرة العالية لإيران على احتمال الأضرار والخسائر. ويأس العراق من تلمّس نهاية الحرب كان ان دفعه الى تبني استراتيجية ترتكز على تفوّق سلاحه الجوي وشنّ حرب الناقلات التي شكّلت استراتيجية تصعيدية متعمّدة وتحوّلاً من حرب مستقرة الى حملة حيوية. وقد هدف العراق من خلال شن حرب ناقلات النفط الى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية، تكمن في اضعاف اقتصاد ايران عبر خفض طاقة تصدير النفط لديها، وتدويل الحرب، وتخفيف الضغط عن القوات البرية العراقية. وافترض العراق أن ايران ستُجبر على وقف القتال، أو أنّ ذلك سيمهد السبيل الى تغيير النظام القائم في طهران. صيف العام 1988، جرى اعلان وقف لإطلاق النار تزامن مع قبول ايران قرار مجلس الأمن الرقم 598. فهل أن وقف الحرب جاء نتيجة لحرب ناقلات النفط التي استمرّت اربع سنوات ونصف السنة؟ تعتقد الدكتورة الشاذلي أنه رغم أن حرب ايرانوالعراق كانت حرباً بريّة بشكل أساسي، إلا أنه يمكن القول ان لجوء صدام حسين الى حرب الناقلات ساهم في إعلان وقف اطلاق النار، وفي دفع النظام الإيراني الى طاولة المفاوضات. غير أنها تُبقي الباب مفتوحاً حول احتمال نشر دلائل اضافية في المستقبل تُميط اللثام عن عوامل أخرى قد تفسّر قبول ايران وقف اطلاق النار. وتُجري الكاتبة تحليلاً مفصّلاً للغاية حول الهجمات على السفن المُبحرة في مياه الخليج ضمن حرب الناقلات، وتضعها في اطار التطورات في الحقول السياسية والديبلوماسية والعسكرية، وهي تسعى لتبيان سبب زيادة أو تراجع عدد الهجمات في مرحلة معيّنة ما من الحرب، كذلك تتحرّى العلاقة بين حرب الناقلات والحرب البريّة وحرب الصواريخ التي ضربت المدن. الدكتورة الشاذلي تابعت دراستها في الجامعة الأميركية في القاهرة، ثم حازت شهادة الدكتوراه من جامعة اكستر في انكلترا. ويُثير كتابها الإعجاب لاجتهاده في البحث عن كلّ مصدر معلومات متوافر ذي صلة بالموضوع. وأحد أهم المصادر الرئيسية كان "جدول مؤسسة لويدز لسجلات سفن الشحن" في لندن، التي زوّدت الباحثة بكافة التفاصيل حول السفن التي هوجمت ودُمِّرت بين العامين 1980 و1988. ثمّة مصادر رئيسية أخرى تتمثل في المقابلات مع المحللين العسكريين والسياسيين والديبلوماسيين والدارسين المصريين والعراقيين والإيرانيين والغربيين، بالإضافة الى الوثائق وسجلات لقاءات الأممالمتحدة والخرائط. وفي تقييمها ل"بيان موازنة" حرب ناقلات النفط، تشير الدكتورة الشاذلي الى أن وسائل تصدير النفط الإيراني لم تُدمّر يوماً بشكل كامل، وأن الحرب لم تؤدِ الى توقّف عمليات شحن ناقلات النفط من الموانىء الإيرانية. ورغم أن 463 سفينة تضرّرت من جرّاء حرب الناقلات، وغالبيّتها ناقلات نفط، إلا أن عمليات شحن ناقلات النفط لم تتراجع حركتها. كما أن الشعب الإيراني لم يقم بإطاحة حكومته وبالكاد تأثرت المجموعة الدولية اقتصادياً من جراء حرب الناقلات. فأسعار النفط ارتفعت في البداية، وجرى بعد ذلك اغراق السوق فتراجعت الأسعار، كذلك فرفع الناقلات الكويتية في صيف 1987 العلم الأميركي وزيادة عدد السفن الحربية الأجنبية في مياه الخليج لم يشكّلا درع أمانٍ للسفن الكويتية ولأراضي الكويت، ولم يخفّفا حدّة النزاع على المدى القصير. مع ذلك فالعراق نجح، على المدى الطويل، في تحقيق هدفه الرئيسي بالمحافظة على الوضع القائم في حربه مع ايران، ذلك أنه نجح أخيراً في تدويل النزاع، في وقت عرف الاقتصاد الإيراني صعوبات جمّة نتيجة تراجع مستواه في انتاج النفط. ان دراسة الدكتورة الشاذلي غنيّة بالمعلومات، وتُشكّل مادة رئيسية لأي باحث يهتم بالحرب الإيرانية - العراقية وبسياسة الشرق الأوسط. ورغم وطأة وخطورة الموضوع المُعالج، إلا أن الكتاب يتميز بالوضوح التام في أسلوب سهل للقراءة. وهو يُظهر مرة أخرى، كم كانت حرب ايرانوالعراق مأسوية، بل اجرامية، وتبديداً للأرواح، وللوقت والثروات. كذلك لم يؤدِ ذلك الى وقف المسلسل الخطير في إساءة التقدير لدى صدام حسين، والذي سيؤدّي بشعبه، في خلال سنتين، الى دفع ثمن مرتفع للغاية، مع انتهاء الحرب التي أشعل شرارتها اجتياحه الكويت.