بعد ان أعلنت الصين امتلاكها للقنبلة النيوترونية، أعلن الخبراء انهم يعتبرون هذا النوع من القنابل "سلاحاً نظيفاً". لماذا؟ يقول الخبراء انه اذا وقعت القنبلة النيوترونية وسط وحدة من الدبابات، فانها تقتل العسكريين جميعاً من دون ان تلحق اي ضرر بالآليات. ويقول الخبراء ان الاشعة التي تصدرها القنبلة، لا تتعدى قطر دائرة طوله 1700م، ولا يشمل ضررها الارض ولا الرمال. وبسبب هذه الميزات الفريدة، يصفون القنبلة بأنها "سلاح نظيف" رغم انهم يقولون ايضاً ان فعاليتها في القتل تزيد عشر مرات عن القنبلة الهيدروجينية التي تدمر على نطاق واسع. هذا النوع من "السلاح النظيف" يشبه تماماً "السلام النظيف"، الذي تعد به اسرائيل الفلسطينيين، فهي بعد ان تقتطع مساحة طولانية ملاصقة للحدود السابقة على حرب حزيران يونيو 1967، وبعد ان تكرس ضم المستوطنات الواسعة المبنية قرب القدس شمالاً وجنوباً، وبعد ان تؤكد ضم القدس الى اسرائيل، وبعد ان تشترط على الفلسطينيين عدم امتلاك سلاح جوي، وعدم عقد اي معاهدة عسكرية مع جيرانها العرب، وعدم بناء أي مصنع للاسلحة حتى الخفيف منها، تعلن انها مستعدة للقبول بهذا الوجود الفلسطيني كدولة مستقلة، بعد ان تكون قد ضمنت ان هذه الدولة "نظيفة"، وان السلام الذي أوصل اليها هو بدوره "سلام نظيف". وكما ان قنبلة النيوترون تقتل الأفراد ولا تضرّ الدبابات، فان سلام اسرائيل الفلسطيني يقتل الروح ولا يمس "اسم الدولة" من قريب أو بعيد. وفي هذا السياق يطمئننا ايهود باراك في تصريحاته بأن الدولة الفلسطينية قائمة، وهو يقدم هذا الاعتراف كنوع من الهدية التي ترمز الى انه سيعترف بهذا الامر الواقع ويكرسه، اما ان هذا الامر الواقع مجزأ بحيث لا صلة بين قطاع غزة، وبين الضفة الغربية. واما ان هذا الواقع مفتت بحيث يستحيل العبور الحر من مدينة فلسطينية الى اخرى من دون المرور بالحاجز الاسرائيلي في المنطقة ب او في المنطقة ج. واما ان الوصول الى هذه الدولة من الخارج مستحيل حتى على الفلسطيني المقيم او الزائر الا بعد الموافقة الاسرائيلية، وبعد التفتيش الاسرائيلي، فكل هذا لا يعتدّ به باراك ويعتبره تفاصيل غير مهمة، ولا تمسّ من حقيقة "الدولة القائمة" من قريب او بعيد. ويفعل الرئيس الاميركي كلينتون الشيء نفسه، فيستقبل باراك سائلاً بقسوة: أبلغني ما هي خطوطك الحمر؟ والى اي حد ستتراجع؟ لأنه من دون تراجع الجميع لا يمكن الوصول الى اتفاق، هذا المنطق الذي يبدو ايجابياً للغاية، ومتحدياً لاسرائيل، هو الخديعة نفسها مغلّفة بإطارين من ذهب وفضة. فاسرائيل المحتلة تصبح حسب هذا المنطق صاحبة حق، ويجب ان تتنازل عن جزء من هذا الحق. والفلسطيني المطرود يصبح حسب هذا المنطق متجاوزاً لحدوده في المطالبة ويجب ان يتواضع قليلاً ويخفف من مطالبه، وتستقيم بعد ذلك العدالة وتأخذ مجراها عبر "مفاوضات نظيفة". وهكذا… من قنبلة النيوترون "النظيفة" الى "السلام النظيف" الى "المفاوضات النظيفة"، سيسود السلام على الارض، ولا بأس ان يموت البشر لتبقى الدبابات.