من صعوبات واجهته ورفاقه في التصدي للفدائيين على مقربة من جبل الشيخ، وحتى تفجير مخازن المياه في غور الاردن الى اختطاف مصطفى الديراني سنة 1994 لملأ "الفراغ المخابراتي الكبير" في لبنان، وعملية الليطاني، كان أوري ساغي فعّالاً في الحفاظ على سخونة المواجهة على الحدود الشمالية مع سورية ولبنان. وفي الكتاب محاولات وصف للترتيبات والخطط وكأن ساغي يضع امامنا"جردة حساب" للبطولة والحنكة التي يتميز بهما الجيش الاسرائيلي على خلاف الجبهات السياسية التي لا تعرف او تفهم المعاني الكامنة وراء تلك العمليات. وكان الكاتب قد خدم اثناء حرب لبنان بمرتبة رئيس لواء العمليات في القيادة العامة. ويعزو ساغي الفشل الجزئي في حرب لبنان الى عدم فهم دقيق لأهداف الحرب والى اسباب بيروقراطية وتقنية في جهاز اعطاء الاوامر. وكانت اهداف الحرب: 1 - ابادة البنية التحتية للفدائيين ومواقعهم في لبنان. 2 - اقامة نظام مسيحي - سيادي صديقاً ومتعاوناً مع اسرائيل. 3 - الامتناع عن مواجهة القوات السورية لكي لا تتحول العملية حرباً شاملة مع سورية. 4 - احتلال منطقة في جنوبلبنان على امل منع عمليات فدائية ضد مستوطنات الشمال. ولكن غرابة القيادة السياسية عن قيادة الجيش حالت دون وضوح الاهداف أو الاتفاق على تغييرها وانعكاس ذلك على الخطط والترتيبات. العملية السلمية يعتقد الكاتب انه في سنة 92 تجلى عمق التغيير في الوعي العربي على صعيد استعادة المحادثات مع اسرائيل. وينبع هذا التغيير من ضعف العوامل الايديولوجية في الشرق الاوسط في هذه الفترة، خصوصاً في اوساط حزب البعث السوري. وعلى هذه الخلفية يرى ساغي ان من الممكن التوصل مع سورية لاتفاق جزئي حول مسألة لبنان على ان يكون ذلك جزءاً من الحلّ الشامل واعادة الجولان، ومن دون هذا الحل الشامل لا يمكن التوصل الى اي اتفاق حول مسألة لبنان. وعلى رغم أن سورية تستبعد خيار الحرب الا انه في غياب آفاق للتسوية فإن الحرب تبقى خياراً. ولاحظ ساغي ان شراء سورية دبابات من نوع "تي-72" جديدة رفع من مستوى الجيش السوري بشكل ملحوظ. وعلى اثر التغييرات المختلفة التي ذكرها الكاتب على الساحة الاسرائيلية ومحادثات السلام يرى ان الأمل الذي تجلى سنة 1993 في الوصول الى سلام شامل مع سورية والفلسطينيين أبعد احتمال التحضير للحرب مع سورية، وعلى رغم ان دمشق غير مستعدة للتفاوض حول تنازلات في هضبة الجولان، الا ان السوريين في تقدير ساغي، غير متصلّبين في مسألة المضي في عملية التسوية، خصوصاً في مسألة تطبيع العلاقات مع اسرائيل وقضية التوصل الى تفاهمات وضمانات امنية. ويرى ساغي ان السوريين مستعدون مبدئياً للوصول الى اتفاق سلمي مع اسرائيل اذا ما توصل الطرفان الاسرائيلي والفلسطيني الى تسوية ولو جزئية. ولكن تبقى قضية الجولان هي القضية الاساسية التي لا تخلي عنها من الجانب السوري، كما يؤكد الكاتب المرة تلو الاخرى في تقويماته للمسار السوري، ويصف حالة التخبّط لدى رابين في الاسابيع القيلة قبل التوقيع على اتفاق اوسلو. كان ساغي قد عرض على رابين فكرة ان الأسد مستعد ان يوقّع على معاهدة سلام مع اسرائيل مقابل "تنازل" اسرائيلي تام عن الجولان بأكمله، وان الاسد مهتم جداً بهذه الخطوة لأنها ستعزز مكانة سورية في العالم العربي وتفتح نوافذ عديدة كانت موصدة امامها حتى الآن، على سبيل المثال، علاقاتها مع واشنطن ومسألة الحصول على مساعدات من الولاياتالمتحدة. سأل رابين ساغي اذا كان "تنازل" اسرائيل عن الجولان لا يعدّ مخاطرة، فلم يجبه الكاتب لأنه رأى ان ذلك ليس مجال اختصاصه. لكنه يضيف في الكتاب ان التغييرات الاخيرة في العالم العربي على صعيد تقبّل اسرائيل في المنطقة يجب ان تغيّر العوامل التي تأخذها اسرائيل في الاعتبار عند حديثها عن الجولان. فالمسألة الآن ليست مسألة أرض أو أمن، وإنما اصبحت المسألة هي الحفاظ على اسرائيل دولة صهيونية لليهود، وهي الفرصة الاولى التي يمكن من خلالها بلوغ اهداف اسرائيل من دون استخدام القوة العسكرية. الحفاظ على الدولة مقابل "تنازلات" على الجولان، ويبقى ان عقد اتفاق سلام ليس هدفاً بحد ذاته انما وسيلة للحفاظ على الطابع الصهيوني للدولة. ويضيف الكاتب أنه مقابل ضمانات أمنية وتوفير بعض المياه من المنطقة الشمالية، يمكن ومحبّذ لاسرائيل ان تعيد هضبة الجولان الى سورية. وبعد عرض تقويماته كلها على رابين، اجابه رئيس الوزراء بأنه موافق عليها مع ان القرار صعب للغاية. وسأله رابين حينها عن رأيه الشخصي بخصوص كيفية مواصلة المباحثات في اجابه ساغي بأن على الجانب الاسرائيلي ان يكثّف محادثاته مع الجانب السوري ويبطئها في المسار الفلسطيني بحكم عدم وجود رأي عام جماهيري في اسرائيل للتنازل عن القدس وعن اجزاء كبيرة من الضفة. وأجابه رابين بأنه موافق على تقويمه الشخصي. يعود ساغي ويكرر تقويماته ويضيف في ما يخص الموضوع السوري ان دمشق قابلة ان توافق في هذه المرحلة على نشر قوات دولية على الحدود السورية - الاسرائيلية وهضبة الجولان في حال تمت التسوية. ويصف الكاتب لقاءه مع رئيس الاركان السوري حكمت الشهابي في كانون الاول ديسمبر 1994 وكان اشترك في اللقاء ايهود باراك وايتمار رابينوفيتش سفير اسرائيل في واشنطن والسكرتير العسكري لرئيس الحكومة وداني ياتوم، الذي اصبح اليوم المنسق العام لطواقم المفاوضات في مكتب رئيس الوزراء ايهود باراك. ويعتبر الكاتب ان نتيجة الاجتماع كانت وجود جميع الدلائل التي تؤكد استعداد اسرائيل "التنازل" عن كل الاراضي السورية المحتلة. الطرف الفلسطيني... الضعيف يعتبر ساغي ان الطرف الفلسطيني هو الطرف الضعيف في معادلة السلام وان الوقت ليس في مصلحته. ويعتقد ان الصراع او النقاش مع الفلسطينيين هو اكثر من صدام بين حضارتين، وان الجدل الدائر يحتوي على مركب قومي وآخر أمني وجانب ديني وآخر اقتصادي. واعتبر ان عامل الزمن مهم جداً على هذا الصعيد وهو ليس ثابتاً وان هنالك فرصة للبحث عن عملية سياسية لا تتجاهل عامل الزمن بل تستغله لكي لا تضيع على اسرائيل فرصة كبيرة على الأمد البعيد. وهنالك، برأي ساغي، تهديدات حقيقية في الأجل البعيد منها الخطر الذري والاسلام المتطرّف… ولا يمكن تجاهل ذلك. ويصف الكاتب خيبة الامل الكبيرة على الساحة الفلسطينية من تصرفات السلطة ومن عدم جني ثمار اقتصادية للسكان في الضفة الغربية وقطاع غزة. عن المستقبل يعترف الكاتب انه لا يعرف الكثير عن العالم العربي او عن ثقافته. لكن ساغي، بناء على تجربته مع العرب ينصح الاسرائيليين بأن يجتهدوا في تعلّم الثقافة والتاريخ العربيين ويسرد بعض الحوادث التي حدثت معه والتي تعكس جهل المجتمع الاسرائيلي للثقافة العربية. إلا أن ساغي يعتبر ان العالم العربي تستحوذ عليه قوة تأثير الاسطورة التي رسموها عن اسرائيل. ويدّعي ساغي ان التغييرات الاخيرة ساعدت على خلق تغيير ما في العالم العربي ولكن يبقى ان المجتمع الاسرائيلي يقف امام مشكلة تعريف الهوية… هوية المجتمع ككل والدولة. ويعتبر الكاتب ان لبنان والانتفاضة تركتا أثراً بالغاً على المجتمع الاسرائيلي وان على الدولة الاسرائيلية اليوم حل القضايا العالقة، ومنها مشاكل الاراضي وتقوية الطبيعة اليهودية للدولة والحفاظ على طابعها الصهيوني. نظرة فاحصة ساغي يكرر نفسه في اكثر من مناسبة، وكتابه ليس استراتيجياً حقاً بل هو يطرح في كل تحد استراتيجي تساؤلات اكثر مما يقدم اجوبة واضحة. ليست عنده خارطة طريق نظرية او عملية لتعايش اسرائيل في المنطقة العربية، وهو لا يدّعي ذلك، بل يقصّ حكايات وينتقد قيادات ويترحم على الصهيونية الاولى منزعجاً كل الانزعاج من اسرائيل الثانية بأزمتها السياسية وعدم مواكبتها للتغييرات الجارية دولياً واقليمياً. ويعتبر ساغي ان ثالوث الجيش والارض والقومية الاسرائيلية سيحسن الحفاظ عليه اذا ما تمت الاتفاقات من دون حرب جديدة لأن الفرصة اليوم سانحة لذلك.