مع ازدياد اعداد المتعلمين في الدول العربية وازدياد اعداد خريجي كليات الصحافة والاعلام وكليات الآداب والعلوم الانسانية تزداد اعداد المتجهين منهم نحو الكتابة يشجعهم في ذلك سهولة اعداد الكتاب والحصول على موافقة على نشره وسهولة الوصول احياناً الى هذه او تلك من الوسائل الاعلامية في بلده او غيرها من البلدان. ويلاحظ في الوقت ذاته ازدياد اعداد مراكز البحوث والدراسات في العديد من العواصم العربية، الا ان العديد من هذه المراكز لا علاقة له بالبحث او الدراسات سوى الاسم فقط. فالبعض لا يصدر دراسة تذكر في العام الواحد والبعض الآخر على النقيض يصدر في العام الواحد اكثر من عشر دراسات الا ان التدقيق فيها وبأسماء كتّابها سرعان ما يكشف انها لا تعدو كونها مجرد مقالات صحافية مأخوذة من الارشيف ليس الا. وما يؤكد ذلك ان الكاتب الذي وضع هذه الدراسة او تلك لا يمتّ الى موضوع البحث بأية صلة كأن يصدر كتاباً عن الشؤون العسكرية الاستراتيجية دون ان يكون ملماً حتى بأوليات الانضباط العسكري. واذا ما استمرت الاتجاهات الحالية في الكتابة العربية فان الكتابة آخذة بالتحول من التأليف الى التوليف، فالكتابة تتحول عند الكثيرين ممن يمتهنون الكتابة كوسيلة ارتزاق الى نوع افعال السطو والتلاص على ما سبق ابداعه من قبل بعض المؤلفين. تؤكد الوقائع في مختلف العواصم العربية ازدياد انتشار ظاهرة المولفين، لا المؤلفين، تماماً كما تزداد انتشاراً ظاهرة المتسولين والنشّالين، فالزمن العربي الرديء حيث الفساد والافساد والتراجع والاستسلام والاستسهال تجاه كل قيمة عليا هو المسيطر في الثقافة والاعلام كما في السياسة والاقتصاد وغيرهما، واستمراره لا يعني سوى اننا نعيش مقدمات عصر انحطاط جديد في زمن العولمة اين منه عصر الانحطاط في ما قبل العولمة. من المولفين في الصحف اولئك الذين يكتبون في كل شي: نراهم يكتبون في السياسة بكل فروعها فكراً وتطبيقاً، سياسات دولية واقليمية ومحلية بدءاً من المتجمد الشمالي وحتى نظيره الجنوبي، وبعضهم لا يكتفي بالسياسة فيكتب في الثقافة والادب والنقد الادبي، بل وتارة في بعض الفلسفات والعلوم الدقيقة، والواحد من هؤلاء على استعداد للكتابة يومياً اكثر من مقال اذا ما كان متاحاً له النشر يومياً في صحيفة. واخطر انواع التوليف هو ذلك الحاصل في مجال الكتب، وهنا يمكن التمييز بين انواع من المولفين: الاول - هو ذلك الذي يسطو على كتاب كامل فيبدأ بنشره على شكل مقالات متسلسلة في هذه الصحيفة او تلك باسمه هو لا باسم مؤلف الكتاب، وقد سبق لي وان اكتشفت قبل نحو عقدين من الزمن اثنين من هؤلاء الاول كان قد بدأ بنشر كتاب تاريخ الصهيونية من تأليف الاستاذ صبري جرجس في حلقات في صحيفة، والثاني كان يحمل لقب دكتور قد انجز سرقة ونشر كتاب الحدود الآمنة والحدود المعترف بها من تأليف الدكتور ابراهيم شحاته في حلقتين. ولم تفعل الصحيفة التي نشرت الكتابين سوى وقف نشر مقالات لهما ودون ان تشهر بهما ودون ان تقدم اي اعتذار لصاحبي الكتابين وللقراء على استغفالهما. الثاني - هو ذاك الذي يسطو على مقالات ودراسات منشورة هنا وهناك يجمع بينها حسب الموضوع في فصول ويصدرها في كتاب باسمه مذيلاً بقائمة مراجع كاذبة لا ذكر فيها لأي مرجع حقيقي، وقد اصدر احدهم نحو عشرة كتب بهذه الطريقة وباعها لاحدى المنشآت الخاصة بالنشر في دولة عربية. الثالث - هو ذاك الذين يلجأ الى سرقة عمل ادبي كامل قصة او مسرحية وربما ديوان شعر ونشره باسمه مع ادخال بعض التعديلات في اسماء الأشخاص او الامكنة الواردة في النص الاصلي، والأنكى في هذا النوع ان يفوز بعضهم رجلاً كان او امرأة باحدى الجوائز الادبية ويقبض قيمتها آلاف الدولارات. الرابع - من هو متخصص بالسطو على العناوين الكبيرة كأن يؤلف كتاباً مأخوذاً من اعمال الآخرين ويطلق عليه اسم موسوعة او يجمع خرائط منشورة في كتب عدة عن موضوع ما ويصدرها في كتاب باسمه باسم اطلس ال…. واذا ما استمرت الحال على هذا المنوال فان الكتابة العربية ستغدو بلا معنى او قيمة. * كاتب فلسطيني مقيم في دمشق.