تشكل المراهقة المرحلة الانتقالية بين الطفولة والشباب، وتتسم بكونها فترة حرجة على صعيد التطور النفسي. وتعتبر من منظور مستوى وخصائص التطور النفسي مرحلة عادية من الطفولة، يقف فيها الإنسان في طور النمو على عتبة الحياة الواعية التي تتحدد فيها الاتجاهات نحو أشكال جديدة من العلاقات الاجتماعية. وفي كثير من المجتمعات القديمة، اتسمت مرحلة الانتقال من الطفولة الى البلوغ بطقوس خاصة، يشعر المرء من خلالها بأنه لم ينتقل ببساطة الى وضع اجتماعي أرقى، بل كأنه ولد من جديد حيث يمنح اسماً جديداً ايضاً. ولكن هذا الانتقال الاحتفالي الى وضع اجتماعي مختلف لا يترافق بالضرورة مع بلوغ النضج الجنسي التام. والمعروف ان طور المراهقة يحدث نمواً وتطوراً حادين في حياة المراهق يكاد يشبه الانقلاب العضوي في الجسم. فعدم توازن التطور الجسماني في عظام الجذع والنمو الطولي للأطراف وتغيرات الصوت، كل ذلك يؤدي الى حدة في المزاج وانعدام اللباقة وفقدان الاتزان أثناء الحركة. والمراهق حين يدرك تلك التغيرات عادة ما يشعر بالخجل ويحاول اخفاء عدم كياسته والتناسب غير الكافي في حركاته، متخذاً أحياناً وضعيات مصطنعة ومحاولاً عمداً وبإصرار صرف النظر عن مظهره الخارجي. حتى ان مجرد المزاح البسيط المتعلق بشكله العام أو هيئته يسبب له أزمة نفسية، حيث تؤرقه فكرة أنه مضحك وسخيف في نظر المحيطين به. يقول المراهق سامي عمار انه ينزعج جداً من حب الشباب في وجهه، حيث يسبب له عقدة أثناء الظهور أمام الناس. كما أنه لا يطيق سماع صوته ويحس بالحرج لذلك خصوصاً مع الفتيات، فصوته "يكاد يشبه النباح"، وهو يعتقد أن جسده "نحيف أكثر من اللازم". وهذا يعكس ما للمظهر الخارجي من أثر في روح المراهق الذي يصعب عليه تفهم تغيرات الجسد بأنها ظاهرة لا بد منها. من جهة أخرى، تعتبر الطفولة جنة للإنسان. فكل شيء مباح وكل خطأ يغتفر، سواء على صعيد الأسرة أو المجتمع. لكن ذلك الطفل الذي كبر وأصبح مراهقاً أو مراهقة يكتشف ان هناك كثيراً من الخطوط الحمر والمحرمات التي لم يعد بامكانه تجاوزها. وأول من يعاني من هذه المشكلة، الأهل. فمناكفات المراهق عادة تبدأ بوالديه أو الأقربين الذين يشاركونه السكن أو مكان اللقاء. يقول المراهق سامر فلاحة: "أكثر ما يزعجني أوامر أهلي التي أجدها تعسفية رغم ان الحق يكون معهم بعض الشيء، ورغم انني أفعل ما أريد. اما مشاكلي فلا استطيع أن أناقشها معهم لأنهم حتماً لا يفهمونني كما يفهمني اصدقائي، لذلك لا أخبرهم بما أمر من أزمات الا في ما ندر". أما زميله خلدون شكري، فقد نظر باستخفاف ولامبالاة وقال: "ليس لدي مشاكل مع أهلي ولا مع المجتمع وأنا أفعل ما أريد وأعيش على مزاجي". وكثيراً ما يحس المراهق انه محور العائلة، وأنه ورقة مكشوفة أمام الآخرين، فتراه يتعذب من التناقضات القائمة بين قناعاته وبين سلوكه ومواقفه الفعلية. ولكن من الممكن أن تؤدي هذه التناقضات الى محاولة اظهار شجاعته خصوصاً اذا ألح الكبار تذكيره بعدم تطابق سلوكه مع قناعاته. الاختصاصية النفسية عفت جبر تؤكد "ان المراهق المعاصر يعرف الكثير، ولديه اهتماماته المحببة ويطمح الى تحديد وتأكيد علاقته بكل شيء يقابله في الحياة، وقبل كل شيء الناس المحيطين به، بتصرفاتهم وسلوكهم واهتماماتهم. ومن الخطأ الفادح الاستخفاف والاستهانة بحق المراهق في طرح وجهات نظره ومشاعره وتصوراته، على أساس أنها غير مستقرة، وأن آراءه متناقضة أو ينقصها البرهان والدليل، اضافة الى اتصافه بتقلب المزاج الحاد. ففي هذه المرحلة الشاملة لنزوع المراهق الثابت نحو الاستقلالية والاعتماد على الذات تتشكل المؤشرات الفكرية الأخلاقية الملموسة كأساس لموقعه الحياتي الانساني". يرتبط سلوك المراهق وعلاقته بالمحيط بالدرجة الأولى بالجو الأخلاقي والمعنوي ضمن الأسرة وبوجهات نظر الأهل وسلوكهم، حيث يتأثر بنقاشات الأهل وحواراتهم حول ما يجري حولهم. اما عن المشكلات التي تعترضها كمراهقة، فقد قالت الآنسة غادة حميدان ان أهم المشكلات التي تعانيها تكون من قبل المجتمع وليس من قبل الأهل، "فالمجتمع يضع شروطاً أحياناً غير منطقية خصوصاً على الفتاة. مثلاً، عندما مشيت مع زميلي في المدرسة مرة واحدة في الشارع ولفترة قصيرة جداً، وجه الي أكثر من انتقاد وسؤال عن علاقتي بذلك الشاب، فيما أهله والمجتمع لم يسأله، لأن ذلك يعد مفخرة له كشاب وكرجل. اما الفتاة فهي محط شك وانتقاد كون سلوكها مخالفاً للأعراف والتقاليد. وإذا مشى شاب وفتاة لا بد وأن العلاقة بينهما مريبة ولا يعترفون بأن هناك زمالة أو صداقة عادية. المجتمع يقيد كثيراً من حركاتي ويتدخل باختيار ملابسي التي لا بد أن تلائم المجتمع، وتلك الملاحظات تصل من خلال أهلي الذين يحولونها الى أوامر لا بد من طاعتها. لكن أهلي والحمد لله متفهمون ويستوعبون مناقشاتي معهم، ولكن بالنهاية اقتنع بآرائهم لأنها الأكثر ملائمة للناس".