يتوقع مراقبون ان تطلب هولندا من جهاز الاستخبارات الخارجية الاسرائيلي موساد نقل مركز عملياته الأوروبية من أمستردام الى مكان آخر، وذلك بعد اتهامات الى الجهاز بشراء البلوتونيوم وغيره من المواد النووية من المافيا الروسية. وكانت وكالة "انتيل"، وهي من انشط دوائر استخبارات هولندا، بدأت منذ سنة التحقيق في نشاطات "موساد" في أراضيها. وتمارس الوكالة اعمالها في قبو محصن كان مخصصاً للعائلة المالكة الهولندية في حال تعرض المدينة لهجوم سوفياتي. ويقع القبو قرب محطة السكك الحديد الرئيسية في المدينة، وهي المحطة التي يُهرب عبرها الكثير من المواد النووية المسروقة من المختبرات العسكرية الروسية، مثل مختبر "تشيليابنسك 70" في جبال الأورال، ومختبر "أرزاماس 16" في مدينة نيجني نوفغورود غوركي سابقاً. وكان ضباط "موساد" اعترفوا الى محققي "انتيل" بشراء مواد نووية من المافيا الروسية. لكنهم قالوا ان تلك هي الطريقة الوحيدة لمنع وقوع هذه المواد بيد التنظيمات الارهابية، خصوصاً الاسلامية منها. واذ وجد مسؤولو "انتيل" أن التبرير ينطوي على قدر من الصدقية، فهم مقتنعون في الوقت نفسه أن "موساد" تهرب هذه المواد عبر مطار سكيبول في أمستردام الى اسرائيل، لكي تستخدم في دعم ترسانتها النووية التي يعتقد انها تشمل حالياً نحو مئتي رأس نووي. يثير هذا التعامل بين "موساد" والمافيا الروسية المخاوف من أن كابوس الدمار النووي الذي هدد العالم خلال نصف قرن من الحرب الباردة يعود الآن، ولكن في شكل اخطر. ذلك ان عناصر الجريمة المنظمة تتعاون مع الفوضى والفساد في أوساط الادارة الروسية لتشكل "سوقاً حرة عالمية" للخبرات والمواد اللازمة للتسلح النووي. وتقع مهمة التصدي لهذا التطور الى حد كبير على "المعهد الأوروبي لتتبع اليورانيوم" ومقره في كارلزروهه في ألمانيا، حيث يستعمل العلماء احدث المعدات ليحددوا اذا كانت المواد المسروقة من مصدر عسكري ام مدني. لكن العلماء يعترفون بأن عملهم يشبه "محاولة القبض على سارق دون معرفة بصماته". وفي محاولة لاستباق اسئلة لا بد ان تكون محرجة في حال العثور على بصمات "موساد"، ذهب الى امستردام أوائل حزيران يونيو رئيس الجهاز افراييم هاليفي ليوضح الى محققي "انتيل" طبيعة دور "موساد"، في هذه العمليات. لكن يبدو انه ليس واثقاً تماماً من نجاح مهمته، اذ ذكرت تقارير انه ابلغ رئيس وزراء اسرائيل المنتخب ايهود باراك بأن على "موساد" ان يهيئ لنقل مركز عملياته الأوروبية الى خارج هولندا. يذكر ان المقر الرئيسي لهذه العمليات خلال السنوات الست الأخيرة يقع في الطابق الثاني من المجمع الذي يملكه خط الطيران الاسرائيلي "العال" في مطار سكيبول. ويعمل في المقر 18 ضابطا من "موساد". ويعتبر هاليفي ان من الأفضل لجهاز "موساد" نقل مقره قبل ان تجبره السلطات الهولندية على ذلك، لكي لا يكرر تجربته السلبية مع بريطانيا. فقد كان الجهاز باشر ادارة نشاطه الأوروبي من لندن دون استئذان حكومة مرغريت ثاتشر. وأدى اكتشاف النشاط بعد مقتل الفنان الفلسطيني ناجي العلي الى توتر في العلاقات الاسرائيلية - البريطانية، وأمرت ثاتشر بطرد مسؤولي "موساد". الا ان المفارقة هي أن الجهاز في حال مغادرة امستردام قد يختار العودة الى لندن، حيث سيلقى الترحيب دون شك من رئيس الوزراء توني بلير، المعروف باعجابه العميق باسرائيل. ويعتقد بلير ان "موساد" عند العودة الى لندن سيساعد الاستخبارات البريطانية على تتبع نشاط الحركات الشرق أوسطية التي تتخذ لندن مقرا لها. من العناصر الحاسمة في اتخاذ قرار الانتقال تحويل الخطوط الجوية الاسرائيلية مركزها الأوروبي من سكيبول الى هيثرو. وستكون هذه خطوة مهمة بالنسبة للمطار الأخير، بسبب نشاط شركة "العال" الواسع في مجال نقل البضائع. وكانت "انتيل" توصلت الى ان العلاقة ما بين "موساد" والخط الجوي الاسرائيلي تشكل مفصلا رئيسيا في تجارة المواد النووية. وتؤكد مصادر قريبة من "انتيل" ان "موساد" ما كانت بدأت في تعاملها الخطير بالمواد النووية لو لم تضمن من خلال "العال" القدرة على نقل تلك المواد الى اسرائيل. وكان غراهام اليسون، وزير الدفاع الأميركي المساعد سابقاً، وهو الآن مدير "مركز هارفارد للعلوم والشؤون الدولية"، أكد ان "بمقدور مجموعة اجرامية او ارهابية ادخال سلاح نووي الى الولاياتالمتحدة عن طريق تفكيكه الى اجزاء صغيرة وخفيفة الوزن تسمح بشحنها بالبريد العادي". ويشير هذا القول الى ان تنظيماً فاعلا مثل "موساد"، بالقدرات اللامحدودة التي تتيحها له اسرائيل، يستطيع بسهولة تهريب مواد نووية عبر مطار سكيبول. بدأ اهتمام وكالة "انتيل" باحتمال قيام اسرائيل بمثل هذا النشاط عندما نما اليها ان طائرة "العال" التي سقطت بعد دقائق من مغادرتها مطار سكيبول في تشرين الأول اكتوبر 1992 كانت تحمل مواد كيماوية يمكن استعمالها لصنع غاز الأعصاب. وحصلت الوكالة منذ ذلك الحين على ما وصفه مصدر من "انتيل" بانه "في اقل تقدير ادلة ظنية قوية" على ان "موساد" هرب مواد نووية من خلال مطار سكيبول. واعترف واحد من ناقلي المواد النووية الى "انتيل"، مقابل الحصول على الحصانة القضائية، انه هرب كمية منها من اوكرانيا عبر المانيا ومنها الى هولندا. وادعى ان شخصاً لاقاه لتسلم المواد في محطة السكك الحديد المركزية في امستردام. وعندما عرض عليه مخبرو "انتيل" صور عدد من الاشخاص، تعرف على واحد منها، مؤكداً انه الرجل الذي لاقاه في المحطة. وكانت صورة مخبر ل"موساد" معروف لدى"انتيل" يعمل في مطار سكيبول. * مؤلف كتاب "جواسيس جدعون"، "التاريخ السري للموساد".