طغت "الجريمة السياسية" التي هزّت لبنان أمس باغتيال جميع أعضاء هيئة محكمة الجنايات في الجنوب، رئيسها القاضي حسن عثمان والمستشارين القاضيين عماد عبدالأمير شهاب ووليد هرموش والمحامي العام الإستئنافي عاصم أبو ضاهر، على ما عداها من ملفات سياسية وقضائية تشغل الوسطين السياسي والقضائي راجع ص4. وقعت الجريمة نحو الثانية عشرة ظهراً في قصر العدل في صيدا، أثناء بدء هيئة المحكمة بإعلان الحكم الأخير في عشر دعاوى تنظر فيها، تتعلق بجرائم عادية غير سياسية، عندما أطلّ مسلحان ملتحيان من نافذتين على قاعة المحكمة وأطلقا النار من رشاشين مما أدى إلى مقتل جميع القضاة الذين كانوا يجلسون إلى القوس، إضافة إلى إصابة محام بجروح خطرة وعدد من الحضور بينهم دركيان. وعلى الأثر توجه إلى صيدا وزير العدل جوزف شاول والمدعي العام التمييزي القاضي عدنان عضوم ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي نصري لحود، فيما تابع رئىسا الجمهورية إميل لحود والحكومة سليم الحص وقائع الجريمة، معتبرين أنها لا تستهدف الجسم القضائي فحسب بل كل لبنان. وقوبل الحادث بموجة من الإستنكار الشديد. وطلب نائب رئىس الوزراء وزير الداخلية ميشال المر الذي انتقل لاحقاً الى صيدا، من الاجهزة الامنية تكثيف إجراءاتها بمشاركة وحدات من الجيش اللبناني لكشف المجرمين. ورأى مصدر وزاري كبير إلى الجريمة، وهي الأولى من نوعها في لبنان تطاول هيئة أعضاء محكمة بكاملها، "رسالة سياسية" تستهدف أمن الدولة وإرباك الحكم والحكومة وتهديد الاستقرار، مما دفع أركان الدولة الى التعامل معها من هذه الزاوية. ورجح ل"الحياة" ان يكون عدد الذين شاركوا فيها أكثر من المسلحين اللذين أطلقا النار، لافتاً إلى أن هناك معلومات أولى يتم التحقيق فيها، أفادت ان مجموعة كانت موجودة اثناء ارتكاب الجريمة لتأمين الحراسة وتسهيل فرار المجرمين. وأشار الى ان التوجه العام للتحقيق الأمني - القضائي ينطلق من عدم وجود اي رابط بين الجريمة وما كان يدور من محاكمات داخل القاعة، وتحديداً لجهة تأمين هرب اي من المحكومين. وأوضح المصدر ان طبيعة الجرائم التي كانت تنظر فيها المحكمة في حق متهمين، بينهم فلسطينيان موقوفان بجرم تزوير عملة اجنبية، لا تستدعي ارتكاب جريمة على أيدي محترفين، ربما أجروا كشفاً على المكان الذي استخدم لإطلاق النار، تنفيذاً لجريمة تتجاوز تحرير سجناء. جريمة سياسية وأكد ان للجريمة اهدافاً سياسية، ولم يكن اختيار قاعة المحكمة إلا لتمرير "الرسالة" التي لا بد من أن تتكشّف أهدافها في الساعات المقبلة، على رغم ان بعض الجهات غير الرسمية اخذ يشير بأصابع الإتهام إلى تنظيم "عصبة الأنصار" الذي يتزعمه الفلسطيني احمد عبدالكريم السعدي ابو محجن المحكوم غياباً بالإعدام في قضية اغتيال الرئىس السابق ل"جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية" الأحباش الشيخ نزار الحلبي، إضافة الى جرائم اخرى حصل معظمها في صيدا ومدخلها الشمالي. ومساء امس ترددت معلومات مفادها ان المسلحين اللذين ارتكبا الجريمة توجها فيما بعد عبر بولفار البحر الى مخيم عين الحلوة. وعقد اجتماع عمل ليل امس بين رئيسي الجمهورية والحكومة في قصر بعبدا، تقرر فيه إدراج الجريمة في جدول اعمال الجلسة العادية لمجلس الوزراء اليوم وصولاً الى اتخاذ قرار يرمي الى إحالتها على المجلس العدلي، وهو أعلى هيئة قضائية في لبنان وينظر في دعاوى الإعتداء على أمن الدولة ويصدر أحكاماً مبرمة غير قابلة للتمييز.