الحكم القضائي المبرم الذي أصدرته محكمة التمييز الجزائية برئاسة القاضي احمد المعلم، خلافاً لتفسيرات البرلمان اللبناني للمادة ال39 من الدستور، وقضى باسقاط الحصانة النيابية عن النائب نجاح واكيم في الدعوى المرفوعة عليه من وزير العدل السابق بهيج طبارة في دعوى قدح وذم، حسمها امس المجلس النيابي بقوله ان الكلمة الفصل في الموضوع تعود اليه وحده كونه مصدر السلطات جميعاً وان كل ما يقال خلاف ذلك "اجتهاد لا أكثر ولا أقل". وكانت المحكمة أكدت في قرارها ان ما نسبه واكيم الى طبارة من اقدامه على تلزيم أعمال ترميم قصر العدل في بيروت والنظافة فيه وفي قصر العدل في بعبدا، "يفتقد الى أي دليل". وكان طبارة رفع عام 1995 دعوى على واكيم وربحها حين كان وزيراً للعدل في مرحلة التحقيق ثم ربحها لجهة تفسير المادة ال39 أمام محكمة المطبوعات، وامس أمام المحكمة الجزائية على ان تتابع الاجراءات أمام محكمة الاستئناف لبتّ الامر نهائياً. ودخل المجلس النيابي امس على خط القضية حين خرج نائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي من لقاء في ساحة النجمة مع رئيس المجلس نبيه بري ليعقد مؤتمراً صحافياً ويعلن خلاله "موقفاً حازم للمجلس لا نقبل أي تفسير". واضاف "سنقول كلاماً واضحاً في هذا الشأن خوفاً من ان يخضع هذا الامر لكثير من القيل والقال. نحن لم نطلع حتى تاريخه على مضمون ما ورد في قرار محكمة التمييز. ومع احترامنا لكل هذا الاجتهاد، هو اجتهاد صادر عن هيئة قضائية ونحن من الداعين الى استقلال السلطة القضائية، ولكن يجب الا ننسى ان هناك استقلالاً للسلطة التشريعية التي هي مصدر السلطات جميعاً وهي التي تنطق في النهاية الكلمة الفصل في كل كبيرة وصغيرة". وأشار الى "ان مسألة اجتهاد من هنا أو اجتهاد من هناك واجتهاداً من هذا القاضي أو من ذاك، لن تؤثر في حصانة مجلس الامة ومجلس التشريع". وسئل: هل في إمكان هيئة قضائية ان تسقط الحصانة عن نائب؟ اجاب "لم يعد من مجال لطرح مثل هذا السؤال. أعلنت هذا الموقف الآن باسم المجلس النيابي". وهل في موقفه اتهام للمحكمة بانها تجاوزت صلاحيات المجلس النيابي في قرارها؟ اجاب "لا، لا أقبل ان تتهم أي هيئة قضائية بالتجاوز، ولنقل ان هذا هو رأي واجتهاد لا أكثر ولا أقل". وقيل له ان المجلس هو الجهة الوحيدة المخولة تفسير الدستور اذ انه فسّر في شكل واضح هذا الموضوع، فهل يحق لأي جهة اخرى ان تفسّر عكس ما فسّره المجلس؟ أجاب "يحق لأي هيئة ان تفسّر ولكن يحق للسلطة التشريعية الا تأخذ بهذا التفسير. هذا خاضع للنقاش الفكري القانوني ولكن فليكن واضحاً ان الكلمة الفصل والتفسير اعطيا من المجلس النيابي للمادة ال39 من الدستور". وأكد ان موقفه هذا "ردّ رسمي صادر عن المجلس النيابي". واكيم وقال النائب واكيم ل"الحياة" ان الرأي الصادر عن محكمة التمييز "عزّز رأيي بواقع القضاء في لبنان. ويبدو ان في قضية إصلاح القضاء يجب ان يؤخذ في الاعتبار، ليس فقط مسألة النزاهة انما ايضاً الكفايات العقلية والمستوى الثقافي. من هنا سأقترح ان يكون سن التقاعد للقاضي في حده الاقصى 40 عاماً. وأكد "ان هذا القرار ينم عن عدم معرفة للفلسفة التي هي جوهر النظام البرلماني الديموقراطي". وقال "ان فضيحة الفضائح ان محكمة التمييز المحال عليها الطعن المقدم من وكيلي في موضوع صلاحية محكمة استئناف الجزاء التي هي محكمة المطبوعات، لمجرد اقامة دعوى جزائية على أساس الافكار والآراء المحالة على محكمة التمييز، هي في موضوع المادة ال39 فقط ولا يحق لها النظر في أساس الدعوى، ولكن نفاجأ بأنهم اصدروا قراراً في اساس الدعوى". وسأل: عندما يعتبرون ان كلامي يفتقد الى أي دليل، هل جرى بحث في الاساس في شأن التلزيمات في قصر العدل وكيف سمح قضاة بهذا المستوى لانفسهم بان يصدروا قراراً وهم لم يستمعوا بعد الى المتخاصمين. نحن لم ندلِ بأي رأي أو دفع أو دليل في ما يتعلق بالاساس، لاننا ما زلنا نبحث هل يحق ان تقبل دعوى جزائية أم لا؟". وقال "ان المسألة متعلقة بالصلاحية وهي لم تطلع منا بعد على الادلة ولم تبحث عنها. وفجأة يصدر قرار بان تتابع محكمة الجزاء القضية، فكيف ينظرون في الاساس قبل محكمة الجزاء". وتابع واكيم "مرة اخرى أشكر لهؤلاء الجهابذة انهم تبرعوا بتقديم دليل حسّي يثبت صحة رأيي في واقع القضاء". ورداً على موقف المجلس النيابي من قرار المحكمة، قال "ان المجلس أكد أكثر من مرة مثل هذه المسائل. ولكن يبدو ان قضاتنا لم يقرأوا كثيراً اذ لا اجتهاد في موقع النص. وحتى إذا التبس عليهم الامر كان عليهم ان يعودوا الى محاضر المناقشات في شأن الدستور، سنة 1926، والمناقشة التي رافقت المادة ال39 ليعرفوا ماذا كانت نية المشرّع". ونصح واكيم القضاة الذين اصدروا الحكم "بان يستفيدوا من الفرصة الممنوحة لهم للاستقالة". وأكدت مصادر نيابية ل"الحياة" ان بري بدا منزعجاً بعدما اطلع على حيثيات القرار". وتوقعت الا تتعدى حدود القضية القصوى هيئة مكتب المجلس في حال اتّبعت الآلية عبر وزير العدل بابلاغ المجلس بمضمون الحكم. وقالت ان الهيئة ستعمل على ردها من دون احالتها على الهيئة العامة. وأوضح النائب زاهر الخطيب الذي التقى بري ان "المادة ال39 تتكلم على اللامسؤولية المطلقة للنائب في حصانته اي انه غير مسؤول مطلقاً عن الآراء التي يبديها اثناء نيابته وهي تتناول الدفاع عن قضايا الناس والشؤون العامة، الا اذا كان يثيرها بدافع شخصي او بفعل نزاع شخصي". وأضاف ان "مصطلح القدح والذم يخضع وصفه لمحكمة الاساس اي اذا شاء نائب اتهام وزير بالسرقة هل يقول له: انت اخذت مال الغير من دون رضاه؟ هكذا لا يكون المصطلح قدحاً. واذا قال له: انت سارق. هنا تتسم الواقعة بالقدح". وتابع "لا يجوز ملاحقة النائب الا وفق اجراءات خاصة كأن يمسك في حال التلبس بالجرم المشهود"، داعياً الى "عدم جواز التوسع في تفسير المادة ال39 من الزاوية الدستورية".