بعد انفضاض دورة المجلس المركزي الفلسطيني في جلساته الخمس، ومع قرار ترك اعمال المجلس مفتوحة، يتضح بأن مجمل المداخلات التي القيت، أشارت الى هشاشة التسوية القائمة على اتفاقيات اوسلو/ الواي، بما في ذلك رئيس السلطة الأخ ياسر عرفات الذي اعترف حرفياً بأن "اوسلو ما فيها اي حسنات، كلها سيئات". والأخ احمد قريع معترفاً بضرورة "الانتهاء من هذه اللعينة اوسلو، بانهاء المرحلة الانتقالية بسقف 4/5/1999، لتصبح الارض محتلة، وليس متنازعاً عليها، وننتقل الى مرحلة جديدة تقوم على الوحدة الوطنية، وقرارات الشرعية الدولية". تسوية أوسلو، مسيرة متعثرة منذ مؤتمر مدريد عام 1991 وصولاً الى اللحظة التي نعيشها ونحن نتخطى المرحلة. ومصدر التعثر يعود بشكل مباشر الى سياسة الخطوة خطوة الكيسنغرية دون اي رابط بين الخطوات لتي قامت عليها عملية التسوية على مسارها الفلسطيني - الاسرائيلي، حيث الغياب الفعلي للمرجعية الدولية وقرارات الأممالمتحدة، والنزول عند مرجعية مشروع الحكم الذاتي للسكان في اتفاقات كامب ديفيد ومشروع شامير - رابين للحكم الذاتي ايار/مايو 1989 دون سيادة على الأرض ، وتحويلها الى "أرض متنازع عليها" بدلاً من كونها ارضاً محتلة وفق قرارات مجلس الأمن والأممالمتحدة منذ عام 1967 حتى مؤتمر مدريد 1991 واتفاقات اوسلو 1993. وسيادة المنطق الاسرائيلي القائم على منطق القوي، والاحتلال وزحف الاستيطان، وسياسة الاملاءات على الطرف الأضعف، فمرجعية اوسلو هي "اسرائيل" منذ خطاب صانعها اسحاق رابين في الكنيست الاسرائيلية 30/9/1993، فميزان القوى وزمام المبادرة في كل خطوة بيد اسرائيل، بغياب مرجعية وقرارات الشرعية الدولية. المجموعة الفلسطينية التي وقعت اتفاقيات اوسلو، وضعت نفسها، وشعبنا وحقوقنا الوطنية اما مأزق صعب، وأحدثت بالاتفاقيات التي وقعتها وقائع دراماتيكية سلبية متتالية، جعلت من الموقف الفلسطيني موقفاً ضعيفاً ومفككاً، فقد زرعت الانقسامات في صف الشعب ودمرت الوحدة الوطنية، ومؤسسات منظمة التحرير الائتلافية، فضلاً عما شكلته من غطاء تبريري للأطراف العربية المندفعة نحو التسويات القطرية الثنائية دون ارتباط بالقضية الفلسطينية، ما ساعد اسرائيل على الاصرار بأنها الوريث والممثل الوحيد لفلسطين الانتدابية كما حصل مع مصر باتفاقات كامب ديفيد، فبقي قطاع غزة تحت الاحتلال، ومع الأردن باتفاق وادي عربة بشأن الضفة الفلسطينية اضافة الى ضم ارض أردنية شرق النهر في وادي عربة جنوباً والباقورة شمالاً، وتمسك اسرائيل بحدود 1923 الانتدابية مع سورية لسلخ الجولان النافع الزراعي والمائي والأمني من جنوب غربي جبل الشيخ الى جنوب بحيرة طبريا وحتى الحمّة كتاب حواتمة: أوسلو والسلام الآخر المتوازن، الطبعة الثالثة، رام الله، آذار 1999. ان مداخل الحل الممكن تكون بالعودة الى بناء الذات الفلسطينية، ونقصد اعادة بناء الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني في الداخل والشتات وبالإصرار على الانتهاء من مرحلة اوسلو، وعملاً بتواقيع الذين ابرموها وشهدوا عليها، واعلان سيادة دولة فلسطين على جميع الاراضي المحتلة عام 1967 بما في ذلك القدس، ونزول كل الفصائل والقوى والشعب الفلسطيني بالصراع ضد الاحتلال والمستوطنين للرحيل عن اراضي دولة فلسطينالمحتلة، ودعوة دول العالم للاعتراف بسيادة الدولة على اراضيها المحتلة، ومساندتها للخلاص من الاحتلال عملاً بقرارات الشرعية الدولية، مما يعني احداث خطوة نوعية اشتباكية مع الاحتلال يترافق معها عودة الروح للوحدة الوطنية ولدور منظمة التحرير الفلسطينية الائتلافية كقائدة لنضال الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، والانتقال النوعي الاستراتيجي لمفاوضات جديدة بين دولتين على اساس قرارات الشرعية الدولية ومرجعية الدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن، والخلاص من رعاية الانفراد الاميركي الفقير النزاهة الذي لا يستند على تطبيق القرارات الدولية 242، 338، 194، 237، ومغادرة مفاوضات الخطوة خطوة المدمرة لتجاوز مظالم اوسلو/ واي ووقف الاستيطان. مع هذا نحن ندرك بأن التداعيات المتلاحقة منذ انتهاء حرب الخليج الثانية، شكلت سلسلة متلاحقة من العوامل الضاغطة والدافعة نحو سياسة الخطوة خطوة الهزيلة من مدريد حتى يومنا على المسار الفسطيني - الاسرائيلي، فالخريطة الدولية المتشكلة بعد انتهاء الحرب الباردة والساخنة بين عالم الشعوب وتقرير المصير وتجديد العالم، وبين عالم العولمة الامبريالية لصالح هيمنة اميركا وحلف الاطلسي، لم تستقر بعد، والحراك العام ما زال يحكم العلاقات الدولية رغم ان الولاياتالمتحدة تتعاطى مع العالم بأسره باعتبارها الشرطي الدولي الأول، وعلى أساس من المصالح الاستراتيجية الكبرى لها. نحن لا ننفي الدور الاميركي، ولكن لا نتجاهل بذات الوقت الدور الممكن للخريطة السياسية الدولية ومصالح اوروبا واليابان والصين وروسيا، فكلها دول عظمى ايضاً، ولا تستطيع ان تكون مطواعة دوماً للارادة الاميركية. وهذا ما برز في جلسات المجلس المركزي لمنظمة التحرير، فأغلبية دول العالم وفي المقدمة فرنسا والصين وروسيا ودول الاتحاد الارووبي " دول آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية اكدت انها ستعترف بسيادة دولة فلسطين فور اعلانها باعتبارها حقاً للشعب الفلسطيني غير قابل للاعتراض من اسرائيل او غيرها، وطالبت بريطانيا وعدد من دول الاتحاد الاوروبي بتأجيل الاعلان 9 شهور مع الالتزام ببيان برلين بحق سيادة دولة فلسطين بدون حق الاعتراض والمقصود اعتراض اسرائيل ووحدها واشنطن طالبت بأن يكون اعلان الدولة نتاج المفاوضات الثنائية مع اسرائيل أي اخضاع السيادة على الارض الفلسطينية للفيتو الاسرائيلي. فعوامل القوة موجودة بيد شعبنا وبيد شعوبنا العربية، ولكن هذه العوامل ممزقة، مشتتة، ومتناثرة هنا وهناك، لذا نطرح بقوة ضرورة العودة للوحدة الوطنية الفلسطينية والبرنامج الوطني المرحلي المشترك ومرجعية مؤسسات منظمة التحرير الائتلافية، وضرورة العودة لاحياء التضامن العربي - العربي وفق الحدود الدنيا من المصالح الوطنية والقومية لشعوبنا العربية. بكل الحالات فان الصراع لا يمكن ان ينتهي بمجرد حفلات كرنفالية اعلامية تلفزيونية تبث هنا وهناك، فهذا السلام، سلاح خداع، يخدع بالصورة البصرية لفترة او لفترات، ولا يستطيع ان يخدع الجميع الى ما شاء الله، فالدم يسيل بعد مدريد، قبل اوسلو وواي بلانتيشن وبعده، وغول الاستيطان يزحف. وبعد اتفاق واي 23/10/1998 تم بناء 18 مستوطنة جديدة ومصادرة اكثر من 50 الف دونم لشق الطرق الالتفافية فضلاً عن مشهد سحب هويات المقدسيين للتطهير العرقي من القدس ومشاهد هدم المنازل في القدس والضفة. الوقائع في الميدان بالوطن والشتات انتفاضات الأقصى، الحرم الابراهيمي والخليل، ترقوميا، حاجز ايرتز… الخ تشير بأن دينامية الصراع ستبقى موجودة، بغض النظر عن العوامل والمتغيرات التي صنعها اتفاق اوسلو الأول وتطبيقاته، وتراجعاته وتنازلاته على الجانب الفلسطيني، مع توسع وتائر زحف الاستيطان في الضفة وتهويد ارض القدس وفتح ملف الاستيطان من جديد على مساحة منطقة المواصي من خان يونس الى رفح، ووضع حجر الأساس لاطلاق موجة الاستيطان في جبل ابو غنيم وقف دائرة التهويد حول القدس العربية، وشطر الضفة بدفرسوار المستوطنات الى مربعات لا رابط بينها. كل شعبنا متضرر من الاحتلال ما عدا شريحة من سماسرة الارض وبيروقراطية السلطة حيث المصلحة الشخصية والشركات المختلفة، واللاجئون في الشتات لن يقبلوا بحلول المجهول بدون حق العودة وان طال الزمن. كما ان شعوبنا العربية لها مصالحها في نهاية المطاف ولذا لا نستطيع ان نقول بأن ما جرى من اتفاقيات كان عامل تكبيل شامل لحركة التحرر الوطنية لشعبنا، بل ان دينامية الحراك الكفاحي ستبقى موجودة ومتعددة تبعاً للظروف والمعطيات والامكانيات. وبالعودة لنتائج اعمال المجلس المركزي، ننظر بايجابية للمحصلة المتواضعة جدا التي تحققت، فهي خطوة على سكة تصحيح طويلة، والصراع الآن للتصحيح انتقل الى الشارع وفي صف الفصائل والشخصيات الوطنية حتى التئام المجلس المركزي من جديد في حزيران/ يونيو 1999 لتقرير انهاء مرحلة اوسلو واعلان سيادة الدولة، ونحن نعتبر بأن يوم 4/5/1999 انهى المرحلة الانتقالية كما اشار بيان المجلس المركزي في ديباجته بالرغم من اصرارها على ضرورة ورود هذه المسألة في رزمة قرارات الاجتماع، وانتهاء العمل بالمرحلة الانتقالية بداية اعلان سيادة دولة فلسطين على جميع الأرض المحتلة بعدوان 1967 بما فيها القدس، مسألة على غاية من الأهمية لمحاصرة مظالم اتفاقيات اوسلو، ولفتح الطريق امام واقع آخر نعيد من خلاله بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية واستحضار قرارات الشرعية والمرجعية الدولية قولاً وعملاً الى طاولة المفاوضات، بدلاً من البقاء تحت رحمة المعادلة الاسرائيلية الظالمة الضاغطة على شعبنا، والقائمة لاعلى سياسة الخطوة خطوة والأرض "متنازع" عليها والاستيطان يزحف…. كما ان التمديد المفتوح لسياسة الخطوة خطوة المرحلة الانتقالية حيث طلبت واشنطن التمديد حتى ايار/ مايو 2000 وتأجيل اعلان السيادة ايضا الى ايار 2000 فضلاً عن الدعوة لتنويم المجلس المركزي ايضا الى ايار 2000 ودفعه لقرار تفويض الأخ ياسر عرفات باتخاذ القرارات حتى ذلك التاريخ وهذه "التوجيهات الاميركية الاربعة" رفضتها اغلبية المجلس المركزي وأغلبية لجنة الصياغة بينما صارع من اجلها صائب عريقات، نبيل شعث، حتى الدقيقة الاخيرة من اعمال دورة المجلس 27-29/ نيسان/ ابريل 1999. ان المطالب التي ضغطت عليها الادارة الاميركية وانتقل ورابط القنصل الاميركي من القدس الى غزة من اجلها، طيلة اعمال المجلس ملتقياً مع عرفات قبل وبعد كل جلسة، تحمل عواقب خطرة، ومرّة، كبيرة جداً، وأهمها التمديد المتلاحق لسياسة اوسلو/ الواي بالخطوة خطوة وتداعياتها، من التنازلات الفلسطينية بفعل اختلال ميزان القوى، الى توسيع وتائر الاستيطان ونهب الارض، الى الأسرى والجوع وتهميش حق الشعب بتقرير مصيره الوطني، وقتل اي دور ايجابي مهما كان متواضعاً لمؤسسات منظمة التحرير، وصولاً الى تنصل سلطات الاحتلال من اي موعد جديد باعتباره غير ملزم وتكريس منطق الاتفاق الاسرائيلي - الفلسطيني المسبق من جديد على اعلان السيادة في موعد يصبح في المجهول… لذا كان من الأهمية بمكان عدم الإرتهان لنتائج الانتخابات الاسرائيلية حيث هناك في الجانب الفلسطيني من يرتهن بموقفه الى النتائج اللاحقة للانتخابات الاسرائيلية، ويراهن ايضاً على فوز حزب العمل لدفع مسيرة اوسلو المتهالكة والعودة لسياسة الخطوة خطوة الذي كفر بها مخترعها كيسنغر. هذا الارتهان، تعودنا عليه في مرات سابقة، وتعودنا عليه كنهج متواصل للسياسات القصيرة النظر، بينما المطلوب فعلياً من الجميع الاقلاع عن ترك الأمور معلقة لاعلى اوهام لا تعطي نتائج ايجابية، والسير الجاد نحو الارتهان للعامل الفلسطيني ولمواضع القوة الفلسطينية، والانطلاق نحو تعميق الترابط بين مسارات الحلول مع الدول العربية بدلاً من وضع البيض الفلسطيني كاملاً في سلة الانتخابات الاسرائيلية او النوم على حرير الراعي الاميركي الفقير النزاهة. في كل الاحوال، تشير البوصلة التي تحدد اتجاهات الخريطة الحزبية الاسرائيلية بثقلها الكبير الى نمو ظاهرة التطرف، ظاهرة اليمين واليمين التوراتي. اذ ان "صقرية" رموز مؤثرة في حزب العمل تضاهي "صقرية" عتاة الليكود. امثال عوزي لانداو، وشارون ونتنياهو بالنسبة للموقف من القضايا المفصلية المتعلقة بالقدس واللاجئين والمستوطنات والحدود والمياه، واركاع الشعب الفلسطيني عند حدود خرائط التوسع الصهيوني بين باراك 52 في المئة من الأرض اضافة الى القدس الكبرى، الى خرائط شارون - نتانياهو 64 في المئة " القدس الكبرى، والتباهي بقتل ابناء شعبنا وقياداته باراك تباهى بقتل الشاعر كمال ناصر وكمال عدوان وابو يوسف النجار وشاحاك المتباهي بالاغارة على المقر الاداري المركزي للجبهة الديموقراطية في الفاكهاني عام 1973 واستشهاد خمسة من اعضاء الجبهة الديموقراطية. رفضنا منذ مدريد/ اوسلو لغة الشعارات، ناضلنا للاعتماد اولاً على الوحدة الوطنية للشعب والقوى الوطنية، ومرجعية ائتلافية موحدة لمنظمة التحرير بديلاً عن انفراد اليمين ويمين الوسط من اهل اوسلو وتداعياته السامة، وقدمنا مبادرة ايار 1998 لاعلان سيادة دولة فلسطين في 4/5/1999، ومفتاح هذا حوار شامل ينتج برنامجاً مشتركاً للشعب واعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير، فاعلان السيادة يضع نهاية لسقف اوسلو مفاوضات الخطوة خطوة وينتقل بالشعب الى انتفاضة جديدة متطورة والمحميات الطبيعية لمد سيادة الدولة عليها، واستراتيجية تفاوضية جديدة، على أساس قرارات الشرعية الدولية، بديلاً عن الانفراد الاميركي الذي لم يأت بالسلام الشامل المتوازن على مساحة 25 عاماً، ولن يأتي به. * الأمين العام للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين.