أعلن الدكتور نبيل شعث وزير التخطيط والتعاون الدولي في السلطة الفلسطينية، ان لقاء القمة الثلاثي بين كلينتون وباراك وعرفات سيكون في نهاية العام الحالي، اي بعد ستة أشهر من تشكيل باراك حكومته الأولى. وهذا الاعلان من طرف الدكتور شعث، الذي جاء في صيغة ايجابية للغاية، هو محاولة للتغطية على خيبة الأمل الفلسطينية، اذ ان الفلسطينيين كانوا يرغبون في قمة ثلاثية تأتي مباشرة بعد تشكيل باراك حكومته، وتكون ايذاناً بانطلاق مسار التسوية بينهما من جديد. ويعني تأجيل القمة الثلاثية ستة اشهر، ان باراك، كما جرت الاعراف الاسرائيلية، سيتوجه الى واشنطن لعقد قمة ثنائية مع كلينتون، يتم فيها تنسيق المواقف السياسية بين الطرفين، وتكون وجهة النظر الاسرائيلية بعدها، في المفاوضات مع الفلسطينيين، هي وجهة نظر اميركا أيضاً، وهذا يتيح للمفاوض الاسرائيلي ان يتصلب، وأن لا يتراجع، وأن يطالب المفاوض الفلسطيني وحده بالتراجع والقبول بما يفرضه عليه. وقد كانت نيات باراك متجهة نحو القفز عن تطبيق اتفاق واي بلانتيشن الى المفاوضات النهائية، ولكن الولاياتالمتحدة ردّت فوراً مطالبة باراك بالتزام الاتفاقات وتطبيقها، والتحول بعد ذلك الى مفاوضات مع سورية، ثم يلي ذلك التفاوض على الوضع النهائي مع الفلسطينيين. والارجح ان باراك سيختار التخلي عن وجهة نظره الخاصة مفضلاً عليها اعادة بناء تحالفه السياسي مع البيت الأبيض، وهو التحالف الذي خربه نتانياهو. والفلسطينيون بدورهم لم يكونوا مرتاحين الى نيات باراك القفز عن الاتفاقات المرحلية، وأعلنوا انهم يريدون تطبيق اتفاق واي بلانتيشن اولاً. ويفترض في ضوء هذه المواقف ان يكون الفلسطينيون مرتاحين الى الموقف الاميركي، والتراجع الاسرائيلي حين يتم، لكننا نعتقد ان هذا الارتياح لن يدوم، وبخاصة حين تبدأ مفاوضات الوضع النهائي، ويتبلور الموقف الاميركي القائل بأن اساس المفاوضات هو اتفاق اوسلو وقرار مجلس الأمن الرقم 242، وهي صيغة اميركية تهدف الى القول ان قرار التقسيم الرقم 181 وقرار عودة اللاجئين الرقم 194 ليسا اساساً للمفاوضات، لأنه لم يرد لهما أي ذكر في اتفاق اوسلو. ماذا يعني هذا التلاعب المبهم بالقرارات الدولية وأرقامها؟ يعني شيئاً واحداً ان الحل النهائي مع الفلسطينيين لن يقود الى موضوع الدولة، ولن يقود الى موضوع السيادة، ولن يتضمن اقراراً بعودة اللاجئين الفلسطينيين. وهكذا فإن الولاياتالمتحدة تختلف مع باراك، وقد تضغط عليه، بشأن تنفيذ الاتفاقات المرحلية، ولكنها تنسجم معه، وتتطابق معه، بشأن قواعد الحل النهائي وأهدافه. ويدرك باراك ذلك، ويتراجع من اجل هذا عن موقفه بسهولة، فاتحاً الباب امام عودة التحالف السياسي الكبير بينه وبين واشنطن. وحين اعلنت السلطة الفلسطينية تأجيل اجتماع اواخر حزيران يونيو من اجل بت اعلان قيام سيادة الدولة، بانتظار ان يشكّل باراك حكومته، فإنها اختارت اتفاق اوسلو وآليته، اختارت دولة من دون سيادة، وهي دولة سقفها كونفيديرالية مع الأردن، تتحول على أرض الواقع الى فيديرالية. ولكن... لماذا لا يقال ذلك علناً؟