نشرت "الحياة" في 18 نيسان ابريل 1999 حواراً أجراه السيد عماد نواف تحت عنوان "صفوان قدسي عن حال الناصريين ومصائر الناصرية في سورية". ففوجئ الكثيرون بما ورد فيه. وبحكم انني واحد من الذين عاشوا تاريخ الحزب منذ تأسيسه، وجدت ان الواجب الحزبي يحتم علي ان اصحح بعض الاخطاء، وان اوضح بعض الحقائق المغيّبة، فالوازع الاخلاقي يضطرني ان افند بعض الادعاءات، واشهد على ما اعتقد انه سيكون موضع استحسان لدى الذين فوجئوا، وموضع ترحاب عند الذين شهدوا تاريخ الحزب وعرفوا ما آل اليه في الوقت الراهن. - لم يجد السيد قدسي من المواصفات والمميزات التي يقدمها لإقناع القارئ بمؤهلاته سوى الافتراءات على الآخرين والإساءة، والادعاء انه الأجدر والأكفأ والأخلص والأوفى من جميع سابقيه، ليوحي بأن لا أحد غيره يستحق ان يتبوأ الموقع الأول في الحزب. - اتهم جميع القياديين في حزبنا، إما بمراهنتهم على النظام، او بارتكابهم الاخطاء الجسيمة، او بأنهم يحملون بعض العقد والرواسب من حقبة العمل السلبي او بمزاجيتهم او بضعف امكانياتهم القيادية، او بمخالفاتهم السياسية والفكرية، او برفضهم الاجتهاد في الناصرية، او برفضهم الوحدة والقومية العربية. - عمد الى اتهام الذين يختلفون معه في امور تتعلق بتصحيح اوضاع الحزب التنظيمية بأنهم معارضون للنهج الفكري والسياسي للحزب، ليعطي لنفسه المبرر لإبعادهم تعسفياً، وليضمن عدم الدفاع عنهم من قبل احد. بذلك منع الحوار، وقتل الديموقراطية، وألغى دور الرأي الآخر. - حاول طمس الحقيقة بتهميشه دور بعض الفصائل التي انشقت عن الحزب، وتجنب الموضوعية بتقليله من شأن من اختلفوا معه، معتبراً اياهم: نتوءات شاذة واستطالات غير طبييعة، او فقاعات سرعان ما تنفجر وتؤول الى زوال بدلاً من ان يحاورهم بهدف استقطابهم حرصاً على وحدة الحزب وعدم شرذمته. وتجدر الاشارة هنا الى قيام محاولات جادة ومضنية، لتوحيد حزبنا ورأب الصدع فيه، قام بها كبار من المسؤولين في الدولة وحزب البعث العربي الاشتراكي، بدءاً من عام 1981 وحتى عام 1989، هم السادة عبدالله الاحمر الأمين العام المساعد لحزب البعث العربي الاشتراكي، وعبدالحليم خدام والدكتور محمد زهير مشارقة نائبا رئيس الجمهوري، ومحمود الأيوبي رئيس مجلس الوزراء الأسبق. وعلى الرغم من نجاح هذه المحاولات الا ان السيد قدسي انقلب عليها بأساليب المراوغة والخداع، ما أدى الى نزيف هائل في حجم العضوية، فتحول الحزب الى كتل ومجموعات متعددة، وتدهورت سمعته وقوته، وتهمش دوره في الحياة السياسية، وأصبح عاجزاً عن التعبير عن التيار الناصري. - نسب السيد قدسي لنفسه جملة من الاقوال والأفعال لا اساس لها وأورد بعض المعلومات والوقائع المزيفة، وادعى زوراً وبهتاناً المعرفة بتاريخ الحزب وتصحيح اوضاعه. يقول: "ان بعضاً من قياديي حزب الاتحاد الاشتراكي كانوا يتصورون ان الرئيس حافظ الاسد قام بالحركة التصحيحية كي يلغي حزب البعث ولكي يأتي بالاتحاد الاشتراكي بديلاً عنه". أبهذه السذاجة تطرح الامور! أيعقل تصديق هكذا إدعاء! لا اظن ان مثل هذا الخطاب ينطلي على احد، لأنه يستصغر عقول المخاطبين ويحاول تضليلهم، ويدل على ضيق أفق مخاطبهم، ولا يمت لأسلوب الخطاب السياسي بصلة. لنفترض جدلاً ان بعضاً من هؤلاء القياديين كان يتصور ذلك فعلاً، فكيف علم السيد قدسي بتصوراتهم وهو لم يكن عضواً في الاتحاد الاشتراكي خصوصاً ان مثل هكذا امر يكون سرياً للغاية ولا يطرح الا ضمن المراتب القيادية للحزب. الكل يعرف ان السيد قدسي دخل الحزب بواسطة فوزي الكيالي عام 1975 بعدما كان مطروداً من حركة الوحدويين الاشتراكيين مجموعة أدهم مصطفى، وخير اثنين يعرفان تفصيلات ذلك هما السيد انور حمادة الامين العام المساعد لحزبنا ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء سابقاً، والدكتور محمد علي هاشم وزير التعليم العالي الأسبق. - ان ما نسبه لنفسه ايضاً الدعوة الى المؤتمر العام في ايار مايو 1980 والادعاء بأنه كان أميناً عاماً مساعداً حتى عام 1980 لا ينطلي على احد. فدعوة المؤتمر كانت بقرار من المكتب السياسي، وهو لم يصبح أميناً عاماً مساعداً الا بعد ازاحة يوسف جعيداني عن هذا الموقع عام 1882 بمؤامرة دبرها ضده اعتمدت أساليب الدس والخداع. - اتهامه لمؤسسي الحزب والقدماء فيه بأنهم حملة العقد والرواسب من حقبة العمل السلبي يكشف عقدة نقصه الكامنة - ليس فقط - في انه لم يكن من مؤسسي هذا الحزب، بل في كونه انتسب اليه متأخراً لأسباب يعرفها كثيرون، واستطاع الوصول الى الموقع الأول فيه بطرق ملتوية لا تخفى على احد. - الأمر الأكثر غرابة هو ادعاؤه المتعلق بأسباب عقد المؤتمر الاستثنائي عام 1983 والشكل الذي عقد فيه. فحقيقة ذلك تعود لمؤامرة تطلبت تزوير محاضر جلسات المكتب السياسي لإثبات التهم الملفقة ضد الأمين العام آنذاك بهدف ابعاده، كما تطلبت هذه المؤامرة ايضاً عقد المؤتمر من دون تحقيق النصاب اللازم له، ويرجع ذلك الى عدم توجيه الدعوة لكثير من اعضاء المكتب السياسي واعضاء المؤتمر. بقي ان اقول ان السبب الحقيقي لخروج يوسف جعيداني عن الحزب هو إبعاد مرشحيه لعضوية مجلس الشعب عام 1990 من قائمة الحزب - الموحد حديثاً حينها - بقرار منفرد من السيد قدسي على رغم ان مرشحي هذه القائمة تمت تسميتهم بقرار من المكتب السياسي بالاجماع. وبعد… أبهذه الأخطاء تبنى الأحزاب! * عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي في سورية.