فجأة وفي الوقت الذي كان فيه الانكليز بدأوا يرتاحون الى النصر الذي حققوه على سياسة "المحور" في العراق، عبر اطاحتهم السلطة الانقلابية التي تزعمها رشيد عالي الكيلاني، وسيعرف لاحقاً انها كانت معادية للانكليز اكثر منها موالية للألمان، تدهورت الأوضاع الى الغرب من العراق، وتحديداً في المنطقة السورية. اذ هناك ايضاً كانت الأوضاع أفلتت اولاً من أيدي الحلفاء، وبدا وكأن النفوذ الألماني سوف يستشري اكثر واكثر، على حساب النفوذ البريطاني ونفوذ قوات فرنسا الحرة الموالية للجنرال ديغول. باختصار، كانت القوات الفرنسية الموالية لألمانيا هي التي سيطرت على سورية ولبنان، وبدا لوهلة ان سيطرتها ستكون نهائية. فاذا اضفنا الى هذا ان المزاج الشعبي العام في البلدان العربية كان ميالاً الى الألمان وهتلر، نكاية بالاحتلالين الفرنسي والانكليزي، يمكننا ان نفهم صعوبة المهمة التي كان على قوات الحلفاء الانكليزية والفرنسية، ان تقوم بها: مهمة استعادة سورية ولبنان، بعد ان تم اخضاع العراق وسحق الانقلاب فيه. وهذه الاستعادة وصلت الى ذروتها يوم 19 حزيران يونيو من ذلك العام 1941، حين بدأت طلائع القوات الانكليزية بالتدفق داخلة الى مدينة دمشق، وهو تحرك احتاج الى يومين قبل ان يكتمل يوم 21 من الشهر نفسه، وتعلن دمشق مدينة محررة. وكان الهجوم الذي شنته القوات الانكليزية والفرنسية الديغولية في اتجاه سورية قد بدأ يوم 8 حزيران، منطلقاً من فلسطين. وطوال الأيام التالية تحركت قوات الحلفاء تلك، تحت قيادة الجنرال ويلسون، على ثلاثة محاور: محور ساحلي يتوجه من حيفا الى بيروت، ومحور مركزي يعبر زحلة في اتجاه حمص وحلب، واخيراً محور شرقي يصل الى درعا ثم دمشق وحمص عن طريق شرقي الأردن. القوات الأساسية في تلك الحملة كانت القوات التي سلكت خط المحور المركزي، وكانت بصورة عامة تتألف من قوات امبراطورية بريطانية، تضم قوات استرالية وهندية. وهذه القوات تمكنت من الوصول الى مشارف دمشق في مثل هذا اليوم من ذلك العام، لكنها آثرت، هي، ان تبطئ حركتها، حتى تتيح لقوات فرنسا الحرة، التابعة للجنرال ديغول، والعاملة ضمن اطار القوات الامبراطورية البريطانية، ان تتولى مصارعة القوات الفرنسية التابعة لحكومة فيشي والمرابطة في دمشق. وبالفعل سوف تكون القوات الديغولية اول القوات الداخلة الى دمشق. وهذا ما جعل الأمر يختلط على سكان المدينة - او على بعضهم على الأقل - وجعلهم يرحبون بالقوات الفرنسية وهم يعتقدون دائماً انها ليست قوات معادية لهتلر، الذي كانت له مكانته لديهم. لم يكن الأمر خدعة، بل كان نوعاً من سوء التفاهم، كما سيقول صحافي لاحقاً. المهم، ان قوات الحلفاء تمكنت في ذلك اليوم من دخول دمشق. اما القوات الفرنسية التابعة لحكومة فيشي فلقد سمح لها بأن تخلي المدينة في هدوء آخر الأمر، وذلك تجنباً لمزيد من اراقة الدماء بين الفرنسيين والفرنسيين. ولا بد ان نذكر هنا ان المشاكل بدأت بين القوات البريطانية وقوات فيشي في منطقة الشرق الأدنى حين اتهمت القيادة البريطانية، قوات فيشي بالسماح للقوات الألمانية في هذه المنطقة من العالم، باستخدام المطارات السورية في فرنسا لنقل مساعدات عسكرية وغير عسكرية الى القوات العراقية المناصرة لانقلاب رشيد عالي الكيلاني في العراق. وكان ذلك تطبيقاً لاتفاقية وقعها الأميرال دارلان، رئيس حكومة الماريشال بيتان مع الألمان في باريس. وهي ما اغضب الانكليز وجعلتهم عازمين على التحرك بسرعة انطلاقاً من فلسطين، بعد ان كانوا اول الأمر راغبين في السكوت عن سيطرة "الفيشيين" على لبنان وسورية. في نهاية الأمر، اذن، سيطر الانكليز ومعهم الفرنسيون الديغوليون، على دمشق، وكان ذلك خطوة اولى على طريق سيطرتهم على لبنان وسورية. وهم، بعد احتلال دمشق تحركوا بالفعل الى بيروت. وكانت النتيجة ان قرر الجنرال الفرنسي دينتز، العامل مع الألمان، انه لم يعد في وسعه ان يقاوم، فاستسلم ووقَّع هدنة مع الحلفاء في عكا، اواسط شهر تموز يوليو من ذلك العام. وكانت تلك الهدنة خاتمة الوجود الفيشي - المحوري، في الشرق الأدنى. الصورة: قوات فرنسا الحرة الديغولية تدخل دمشق، وسط ترحيب الأهالي.