لن يحزن المتشددون في ايران على مصير الأقلية اليهودية في بلادهم، بل هم يساهمون عملياً في الضجيج الاسرائيلي - الأميركي منذ اقتسموا مع ايهود باراك مهمة تسريب معلومات عن اعتقال اليهود الايرانيين الثلاثة عشر، والوساطات العديدة لإطلاقهم. على خط نقيض كان تكتم الاصلاحيين أنصار الرئيس خاتمي على اعتقال اولئك "الجواسيس" منذ ثلاثة أشهر، فيما كانت دولة المهادنة في عهد خاتمي، كما يسميها المتشددون، تستجيب الاشارات الغربية والأميركية لقطع الخطوات الأخيرة على طريق اعلان نهاية جمهورية الثورة. ف"الجواسيس" و"عملاء الصهاينة والاستكبار" و"الخونة"، كلها من مصطلحات حرس الثورة في ايران، الذين كلما حقق الرئيس الاصلاحي خطوة في الخارج لدمج الجمهورية الاسلامية بالعالم، ردوا بضربة لنهجه في الداخل. ولأن السباق على أشده، ويتوجس المحافظون من قنوات سرية بين خاتمي وواشنطن، كان لا بد من استغلال قضية "عملاء الموساد" الايرانيين الى أقصى حد، وتوجيه رسالة الى "دعاة التطبيع مع الادارة الأميركية" التي تطالب باطلاقهم، كي "يتعظوا". وإذا كانت قضية "الجواسيس" ال13 تذكّر بضرب السياح الأميركيين في ايران، فإن الرسالة الأهم التي يوجهها جناح مرشد الثورة آية الله علي خامنئي والمحافظون، عبر التلويح باعدام اولئك "العملاء"، فحواها ضرب أهم أعمدة برنامج الرئيس: التعددية والتعايش وحوار الحضارات والأديان... أي الشعارات التي يتحصن بها لدعم شعبيته في الشارع، وصورته في الخارج. ليس خطوة عفوية ان يهدد المحافظون باعدام الموقوفين، ويسربوا وساطة البابا يوحنا بولس الثاني ليظهروا فشلها، وبالتالي عجز خاتمي عن الدفاع عن شعاراته التي يتبناها الفاتيكان أيضاً، واقنعت البابا حين زاره الرئيس الايراني بأن الجمهورية الاسلامية لم تعد ذلك البلد الذي يتحدى العالم بعقدة العداء للجميع. كذلك، لم يكن عفوياً تسريب باراك اتصالاته بالأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان والمستشار الألماني غيرهارد شرودر لطلب وساطتهما لدى طهران، كأنه يسعى قبل تشكيل حكومته الى حرمان نتانياهو المتقاعد من تسجيل "انجاز"، أو الى افتعال ضجة دولية تمهد لرحيل عدد كبير من يهود ايران الى اسرائيل. تتزامن هذه الضجة مع استعدادات لنقل فوج جديد من فالاشا اثيوبيا الى الدولة العبرية، لكن ايران ليست اثيوبيا، والتحدي الذي يواجهه خاتمي يتجاوز انقاذ حاخام شيراز من الاعدام، الى انقاذ المشروع الاصلاحي للأول، فيما تتخذ أزمات سياسية وأفخاخ المحافظين مسارات قضائية، لتجعل الكلمة الأخيرة لآية الله محمد يزدي، أحد رموزهم البارزة. أما الأميركيون فيغذون هواجس المتشددين لشحذ أسلحتهم كلما ازداد اعجاب واشنطن بذلك المشروع، وتلميحاتها الى أبواب خلفية للتخاطب مع الرئيس الايراني، تحت سقف حوار الحضارات. يبقى السؤال هل اعتقال "الجواسيس" بريء من تطلعات المحافظين وخططهم لكسر شوكة خاتمي، الذي يدافع خامنئي عن شرعيته علناً في كل أزمة، لكنه يمنحهم ما يمكنهم من محاصرتها... وهل تمهد احكام سريعة بإعدام "عملاء موساد" لجسر جوي تحت ستار انقاذ "فالاشا ايران"؟