قال الشيخ أحمد ياسين الزعيم الروحي لحركة "حماس"، في لقائه المطول مع تلفزيون "الجزيرة" وتحت عنوان "شاهد على العصر"، ان حركة فتح في قطاع غزة هي التي قتلت الدكتور إسماعيل الخطيب... قبل سنوات. وكان يفترض بعد هذا التصريح أن يتحرك القضاء الفلسطيني، ويطلب لقاء مع الشيخ ياسين ليسأله إن كانت لديه أدلة مادية تثبت اتهامه، وإذا حصل منه على أدلة مادية، يتحرك القضاء الفلسطيني بعد ذلك على ضوئها، ليبدأ التحقيق في جريمة لم يقفل ملفها بعد، وجرت أحداثها أيام الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة، وأيام مسؤولية الأمن الإسرائيلي عن التحقيق في جرائم القتل. وهنا يستطيع القضاء الفلسطيني ان يطلب ملف التحقيق الإسرائيلي ويطلع عليه، ما دام التعاون الأمني بين الطرفين جارياً على قدم وساق. ولو أن شيئاً من هذا قد حدث، لتم تسجيل نقطة ايجابية في سجل القضاء الفلسطيني، لكن القضاء الفلسطيني شبه مشلول، ويفتقد حتى إلى نائب عام، هو تقليدياً، الرجل الحامي للقانون. والجهاز القضائي الفلسطيني الوحيد الذي يتحرك هو جهاز أمن الدولة ومحاكمه العسكرية الجاهزة للحكم في أي قضية، بما فيها قضايا الاعدام، في ساعة أو ساعتين. بدلاً من هذا كله، صدرت بيانات تهاجم الشيخ ياسين، وتتهمه بأنه تخلى عن النضال، وخضع لاغراءات الظهور أمام عدسات التلفزيون. وحملت البيانات توقيعاً مبتكراً هو "مجموعة الشهيد يحيى عياش"، وسارعت حركة "حماس" إلى نفي صحة البيان، واتهمت أشخاصاً في السلطة الفلسطينية بفبركة البيان لأسباب في نفس يعقوب. وأحد الذين اتهمتهم "حماس"، كان يقيم قبل أوسلو في بغداد، وكان على خلاف "تكتيكي" مع الرئيس ياسر عرفات، وكانت تصدر في بغداد فجأة بيانات تهاجم عرفات، ويقال إن الشخص نفسه يقف خلفها، من دون وجود دليل مادي يثبت ذلك، وها هو البيان يصدر، وها هو الاتهام يوجه للشخص نفسه، وها هو الدليل المادي غائب وغير موجود، لأنه لا يوجد جهاز قضائي يدرس الاتهامات ويبت فيها ويحاسب أصحابها. وقبل البيان الذي يهاجم الشيخ أحمد ياسين، ظهر بيان آخر أكثر خطورة، يهاجم السلطة الفلسطينية، ويتهم رموزها بالاسم، وحمل توقيع "الضباط الأحرار"، وهو اسم يذكر بتاريخ الانقلابات العسكرية المجيد. لكن قادة أجهزة الأمن طمأنونا إلى أن البيان ليس ذا أهمية، فوراءه شخصان أو ثلاثة تضرروا في أوضاعهم الاجتماعية، وأكدوا لنا ان هؤلاء الاشخاص يعرفون المعلومات من الداخل، ما يوحي بأنهم من أجهزة الأمن نفسها. وإذا نحن صدقنا معلومات قادة الأمن، يصبح الموضوع أكثر خطورة، لأن مغزى البيان آنئذ هو تمرد داخل أجهزة الأمن، واستعداد العاملين فيه لتصفية حساباتهم مع خصومهم فردياً. وقد شهد تاريخ أجهزة الأمن الفلسطينية حوادث عديدة بادر فيها العاملون في الأمن إلى حل المشكلات الأمنية بأيديهم وبحسب اجتهادهم. في إحدى المرات، انتزع المتهم من داخل زنزانته، وسيق إلى مكان محدد، وتم إعدامه علناً أمام خصومه. وقبل أيام نشر ان عاملين في الأمن اختطفوا شخصاً وعذبوه ثم أعادوه لأنه غازل إحدى قريباته. وقد تم فتح تحقيق في كل هذه القضايا، ولكن لم يعلن أبداً ماذا كانت نتيجة التحقيق في أي قضية. إن أجهزة الأمن هي التي ابتدعت اسلوب البيانات المزورة ضد خصومها السياسيين، وها هو اسلوب البيانات المزورة، يظهر من جديد، وإنما ضد السلطة نفسها، ومن يرتكب الخطأ عليه أن يتوقع أن يرتد الخطأ عليه، ولا حل لهذه الدوامة إلا بقضاء مستقل، قضاء يحترم الجميع كلمته، قضاء لا يدفع النائب إلى الاستقالة مرتين... احتجاجاً على انعدام سلطته.