وقف الناس ينتظرون امام مكتبة "الجريمة" في لندن قبل منتصف الليل للحصول على نسخة من رواية "هانيبال" بعد انتظار دام حوالي سبع سنوات… وهي المدة التي غاب فيها الدكتور لكتر هانيبال بطل قصة "صمت الحملان"، "والفيلم من بطولة انطوني هوبكينز. فتحول لكتر الى شخصية روائية لها اتباع وموقع في شبكة الانترنت يدور فيها التحليل والنقاش والخيال. منذ اربعة شهور اشتد الحديث حول الجزء الثاني، او الحياة الثانية لهذا المجرم المُختل الذي تحول الى علاّمة في الدهاء والمكر والتنكيل… بعض ابطال الروايات يعيش في الخيال الى الأبد، ويمكن اضافة هانيبال الى مرتبة شارلوك هولمز وروبن هود وغيرهما. انه بطل يحمل كل صفات وخصائص المجرم الحديث، تلك الخصائص التي جعلت منه لهفة عشاق روايات الجريمة، وكذلك الذين يريدون شخصيات قصصية ليست لها منافع او مصالح أخلاقية. ازداد عدد الذين ينتظرون امام المكتبة، لا احد يتحدث عن سبب هذه اللهفة. يكفي الانتظار سبع سنوات لظهور الجزء الثاني من الرواية. لقد وصلت الطلبات على الكتاب الى 60 ألف نسخة. وللمرة الاولى تغامر دار نشر بطبع اكثر من مليون نسخة مجلدة. وهذا شيء يتجاوز حتى مبيعات الكتب التي تشهد انتشاراً هذا الموسم، مثل قصص الجنس وكتب الطبخ. الاسئلة التي ثارت بين المنتظرين كانت تدور حول ماذا سيحدث للدكتور هانيبال؟ هل سيعود الى السجن الذي فر منه في نهاية الرواية/ الفيلم "صمت الحملان" حيث نراه يتعقب طبيب السجن، ثم يهاتف كلير ستيرلينغ الموظفة في مكتب التحقيقات الفيديرالي قائلاً: "عندي صديق قديم للعشاء"؟ هذه الجملة صارت ايحاء بالرعب من اكل لحوم البشر، فقد كان الدكتور لكتر يستهلك أكبدة وألسنة ضحاياه. لكن ما الذي جعله يتمتع بهذه الشهرة والاتباع في انحاء العالم؟ انها خصائص المجرم الذكي، الهادئ، العالم النفسي الذي يستهلك ضحاياه كالحيوان من دون ان يرف له جفن. انه يجمع عناصر المجرم الحديث الذي يتمتع بمعرفة واسعة، لكنه يختار استخدامها لتحقيق اهدافه الاجرامية… له شخصية مُختلّة، مريضة، لكنه يبدو متماسكاً اكثر من اي انسان عادي… يدرك ضعف ضحاياه والمحققين على السواء اكثر مما يعرفون انفسهم! هل كان الكاتب يدرك انه ابتكر شخصية سيكون لها هذا التأثير والانتشار؟ بطل متصدع الفكر والنفس، يحمل نزعة شريرة بلا حدود، ويرتكب جرائمه من دون تأنيب ضمير. الكثير من مشاهد تلك الجرائم يسمع عنه القارئ في رواية "هانيبال" ولا يراه. انها رواية مكتوبة بلغة سينمائية، واحيانا تستخدم ألفاظها. فصولها قصيرة كأنها لقطات سينمائية سريعة، مع انها تتجاوز 480 صفحة. بدأ توماس هاريس يكتب الرواية بعد ان كان محرر الجريمة في وكالة للأنباء. نشر روايته الاولى "الأحد الأسود" في العام 1975 واتبعها ب"التنين الأحمر" حيث ظهر فيها لكتير هانيبال للمرة الاولى… وفي العام 1988 نشر "صمت الحملان". لقد وافق كل من انطوني هوبكينز وجودي فوستر التي أدت دور ستيرلينغ في الفيلم الاول على القيام ببطولة "هانيبال". وكأن الكاتب ساهم في تحقيق خيال الكثيرين فجعل موضوعها لقاء المجرم والمحققة في علاقة عاطفية بعد ان بحثت عنه إثر العثور على ضحايا مشوهين من النوع الذي تميزت به جرائمه. وكان احد الذين عذبهم هانيبال استخدم شرطياً خاصاً للقبض عليه والانتقام بتعذيبه وتقطيع لحم جسده حياً. وفشلت خطة هذا الاخير عندما حاول استخدام ستيرلينغ وسيلة لاصطياد المجرم. ونرى في نهاية الرواية المرأة مستسلمة لنفوذ هانيبال لأنه يفهمها كثيرا فقد صارت سجينته بعد ان كانت تسعى لتقديمه للعدالة… ما يوحي بأن هناك جزءاً ثالثاً للقصة في الطريق.