أصبح "تسرب" الطلاب العراقيين من صفوفهم الدراسية ظاهرة مستفحلة تكاد تقوّض البناء التربوي في مراحله الثلاث: الابتدائي، المتوسط والثانوي، اذ سجلت احصاءات وزارة التربية العراقية، تسرّب اكثر من ستمئة الف طالب من مقاعدهم الدراسية، اي ما نسبته 15 في المئة من العدد الاجمالي لطلاب المدارس العراقية، الذي يزيد على اربعة ملايين. أوصت دراسة عراقية انجزها متخصصون في وزارات التربية والعمل والشؤون الاجتماعية والداخلية باعتماد اساليب جديدة لوقف تسرّب الطلاب من صفوفهم، وخلصت الى ان اخطر الحالات التي افرزتها ظاهرة التسرّب من الصفوف هو تحول نسبة من المتسولين "الى عصابات منظمة تمارس اعمالاً لم يألفها المجتمع العراقي سابقاً". يذكر ان آلاف العائلات العراقية "اضطرت" لغضّ النظر عن ترك اولادها الدراسة والعمل في مهن حرة مختلفة، بسبب شحة الموارد وارتفاع اسعار المواد الغذائية والحاجات الانسانية الاخرى، لاشراكهم في مهمة توفير "عائدات مادية" تؤمن عيشاً افضل لهذه العائلات. ودعت الدراسة الى اعتماد "معالجات واقعية" تأخذ في الاعتبار الاوضاع الاقتصادية المتدهورة، واعتبرت ان لا حل قريباً من دونها. واشار الاخصائي التربوي نوري احمد علي الى "ان مفارقة كبيرة تعكسها هذه الظاهرة تتمثل في ان معظم الطلاب الذين يتركون المقاعد الدراسية من ابناء الطبقة الوسطى والاكثر تعلّماً في المجتمع العراقي، مؤكداً ان "جيلاً غير مكتمل النمو عقلياً وعلمياًً، وبالتالي غير متوازن، سينشأ من طبقة اجتماعية كانت رمزاً للتحديث المعرفي والعلمي في العراق". وقدرت احصاءات وزارة التربية عدد المتسربين ب600 الف طالب، اي ما نسبته 15 في المئة من العدد الاجمالي لطلاب المدارس العراقية الذي يزيد على اربعة ملايين. واقترحت الدراسة عدم الزام الطلاب دفع نفقات دراسية، تتضمن عادة كلفة "تجديد ابنية المدارس واعادة تأثيثها" لافتة الى ان "الاعباء المالية" اسهمت في زيادة اعداد المتسربين من الطلاب غير القادرين على دفع مبالغ تطلبها ادارات المدارس بانتظام على مدار العام الدراسي. وكان الرئيس العراقي صدام حسين قرر في شهر كانون الاول ديسمبر الماضي خلال اجتماع لمجلس الوزراء استمرار العمل في "الحملة الوطنية الشاملة لبناء المدارس" على ان يتكفل المواطنون دفع خمسين في المئة من تكلفة البناء فيما تتولى الحكومة دفع الخمسين في المئة الاخرى. وتعرض الوضع التربوي في العراق الى تحديات كبيرة بعد فرض الاممالمتحدة عقوبات على العراق اثر غزوه الكويت عام 1990، فبدت وزارة التربية عاجزة عن حل مشكلة الأبنية المدرسية، التي تحولت بسبب محدوديتها وتزايد اعداد الاجيال الجديدة التي تدخل المقاعد الدراسية، الى "صناديق لتعليب الطلاب". ولم تفلح الاجراءات التي أقرها وزير التربية الدكتور فهد الشقرة في جعل اليوم الدراسي ممتداً من الصباح حتى الغروب كي يتمكن البناء المدرسي الواحد من استيعاب ثلاث "مدارس" مرة واحدة، في التخفيف من اكتظاظ الصفوف الدراسية الذي اسفر لاحقاً عن ابنية شبه مهدمة، بلا زجاج في النوافذ وبلا مقاعد خشبية صالحة وبلا الواح خشبية سبورات للكتابة. فكان ان لجأت ادارات المدارس الى الطلاب لتأمين شراء اغطية صوفية في الشتاء واغطية بلاستيكية خفيفة في الصيف ليجلس عليها الطلاب بعدما تكسّرت غالبية المقاعد الخشبية، واعلان وزارة التربية عجزها عن توفير المقاعد متذرعة بعدم توفر مخصصات مالية لاستيرادها او شراء خشب لصناعتها محلياً في مصنع خاص تملكه الوزارة. واضافة الى الاجور المتدنية لرواتب المدرسين والمشرفين التربويين ستة آلاف دينار - ما يعادل 3 دولارات شهرياً وهي ما جعلت نسبة كبيرة منهم تترك "المهنة الشريفة" بحسب ما يقوله عبدالله خضر اللامي مدير مدرسة الرازي في بغداد، تعاني المدارس العراقية نقصاً في البرامج التعليمية المتطورة التي بدت اجيال عراقية تنظر اليها بوصفها ب "الخيال" و"السحر" في وقت كان العراق اول دولة في الشرق الاوسط أدخلت الكومبيوتر في عمل مؤسساتها العامة.