يكشف استئناف الخط الجوي ل"شركة طيران الشرق الاوسط" ميدل إيست اللبنانية بين بيروتوطهران، بعد توقف استمر 30 عاماً لاعتبارات سياسية، مدى اهتمام الجانب الايراني بالانفتاح على لبنان وتوسيع أطر العلاقات الاقتصادية وتنمية التبادل التجاري معه. وتدخل رغبة الجانب الايراني في اطار سياسة الانفتاح التي ينتهجها رئيس الجمهورية الاسلامية السيد محمد خاتمي والذي خطا في هذا الاتجاه خطوات تمثّلت بالجولات الاخيرة التي قام بها على ايطاليا ودول الخليج العربي وسورية. وستشمل زياراته المقبلة لبقية الدول العربية، لبنان. وهي متوقعة في الصيف. وساهمت "ميدل إيست" من خلال استئناف الرحلات الجوية واللقاءات التي نظمتها طوال ثلاثة ايام في طهران بين ممثلي القطاعات السياحية في البلدين، في فتح الباب أمام إمكان تنشيط الحركة السياحية وتعزيز التبادل التجاري بين البلدين. وتشير احصاءات رسمية تعود الى عام 1997 الى ان الميزان التجاري بين البلدين يبلغ نحو 30 مليون دولار اميركي لمصلحة الجانب الايراني، اذ تبلغ قيمة الصادرات اللبنانية الى ايران مليون دولار فقط. وتشكل وارادت الفستق نسبة 37 في المئة والسجاد نسبة 21 في المئة من مجموع الواردات اللبنانية من ايران. وترجمة لهذا الانفتاح، وفق ما نقلت أوساط الوفد اللبناني في رحلة الافتتاح الرسمية عن الجانب الايراني، تم اتخاذ قرار بمنح التأشيرات للبنانيين الراغبين في زيارة ايران على المطار. في حين تشكل التأشيرة اللبنانية عقبة أمام تسهيل انتقال الايرانيين الى لبنان، اذ يتطلب منح التأشيرة دورة ادارية طويلة تبدأ من طهران الى بيروت ومن ثم بالعكس، ما يتطلب شهراً ونصف الشهر للحصول على التأشيرة. ووعد رسميون في الوفد اللبناني بالعمل على حلّ هذا الموضوع. وبدت التوقعات من الجانبين اللبنانيوالايراني في شأن تنشيط حركة التبادل التجاري وانتقال الاشخاص متفائلة لاعتبارات مختلفة. واستندت الأوساط اللبنانية في توقعاتها، الى حركة انتقال الاشخاص اللبنانيين الى ايران والتي كانت تتم من سورية وتستغرق 17 ساعة. ويمثل هؤلاء فئات السياح الدينيين الذين يزورون ايران للحج الى المقامات الدينية والطلاب الراغبين في تلقي العلوم الدينية في الحوزات في قمّ وأهاليهم، اضافة الى التجار ورجال الاعمال. واعتبرت ان الرحلتين اللتين سيّرتهما "ميدل ايست" الى طهران ستسهلان سفر اللبنانيين الذين كانوا يمتنعون عن السفر او يؤجّلون زياراتهم بسبب الانتقال المزدوج وساعات السفر الطويلة. وتشير هذه الاوساط الى التجاوب الذي لقيه الوفد اللبناني من ممثلي القطاعات السياحية الايرانية خلال لقاء واسع مشترك عقد في طهران، خلال الزيارة. وقال رئيس دائرة المبيعات في الشركة غابي حلاق ان "اللقاء كان مهماً جداً وجمع كل ممثلي القطاعات السياحية في ايران من شركات طيران وفنادق اضافة الى 140 وكيل سفر ايرانياً وممثلي القطاعات اللبنانية الذين رافقونا في هذه الرحلة". واضاف: "اننا لم نتوقع هذا التجاوب والرغبة في تعزيز العلاقات السياحية". وذكر ان الوفد اللبناني عرض "موجزاً عن لبنان الثقافي والسياحي وعن تاريخ شركة ميدل إيست ونشاطها الآن". وقال انه تم ابلاغ الايرانيين ان خط الشركة الى طهران لن يقتصر على الرحلة بين العاصمتين بل انه سيخدم عواصم في أوروبا وافريقيا واميركا وكندا. وأشار حلاق الى ان الشركة نظّمت ورشة عمل جمعت وكلاء السفر اللبنانيينوالايرانيين ناقشوا خلالها تنظيم رحلات بين بيروتوطهران وبالعكس. وقال: "اننا قررنا تنظيم رحلة اخرى تضم نقيب الفنادق وعدداً من اصحابها ووكلاء سفر لبنانيين، ورحلة اخرى تضم وكلاء سفر ايرانيين الى لبنان خصوصاً ان الجانب الايراني أبدى اهتماماً بلبنان". من جهته قال مدير مكتب "ميدل ايست" في ايران السيد سمير علوية انه "من الصعب معرفة مردود هذا الخط الآن، كون هذه الرحلات هي الأولى بعد توقف طويل"، مشيراً الى ان "ذلك يرتبط بتسهيل منح التأشيرات الى الايرانيين، اذ يتعين على المواطن الايراني ان ينتظر شهراً ونصف الشهر للحصول على الموافقة. وتستلزم هذه العملية دورة ادارية تبدأ من سفارة لبنان في ايران، حيث يقدّم طلباً للحصول على تأشيرة يتم تحويله الى وزارة الخارجية اللبنانية ثم الى الأمن العام اللبناني الذي يعطي موافقته، قبل ان يعود الطلب الى الخارجية اللبنانية واخيراً الى السفارة". وأوضح علوية ان "التحضير لافتتاح هذا الخط بدأ في منتصف كانون الاول ديسمبر الماضي"، مشيراً الى ان عدداً كبيراً من الايرانيين خصوصاً التجار يرغب في زيارة لبنان. وقال ان لبنان يستضيف دائماً معارض ايرانية، وانه سينظّم معرضاً جديداً في طرابلس الشهر المقبل، وان الشركة ستنقل لمناسبة هذا الحدث 96 ايرانياً مشاركاً فيه. وتوقع ان "تكون الحركة ناشطة من بيروت الى طهران". في المقابل، يستند الجانب الايراني في توقعاته المتفائلة بتزايد حركة انتقال الاشخاص خصوصاً التجار، الى الحوافز التي توفرها الاسواق الايرانية مثل انخفاض كلفة الانتاج وبالتالي اسعار الاستهلاك. وقالت مصادر أوساط ايرانية رسمية التقها "الحياة" ان ايران بعد ازمة النفط التي انعكست سلباً على الاقتصاد الايراني وخفضت ايرادات النقد النادر الذي تعتمد عليه الموازنة، اتجهت الى ايجاد مصادر اخرى لجلب النقد وتحقيق النمو في الاقتصاد. واعتبرت ان لدى ايران في ما تملكه من بنية صناعية انتاجية اكتفاء ذاتياً، وانها مؤهلة لتصدير ما تنتجه الى الخارج للحصول على ايرادات بالعملات الاجنبية. وتسعى ايران الآن الى تحقيق الانفتاح السياسي والاقتصادي للوصول الى الاسواق الخارجية. ولفتت المصادر الى ان الرئيس خاتمي يدرك المشاكل التي يعانيها الاقتصاد وانه ينطلق من عملية الانفتاح على العالم لاقتناعه بأنها الحل. واعتبرت المصادر ان السياحة تشكل احدى الركائز لتنمية الموارد المالية وان من شأنها ان تساهم في زيادة النمو. لكنها اشارت الى ان السياحة في ايران قد لا تتعدى السياحة الدينية او سياحة رجال الاعمال والتجار والمؤتمرات نظراً الى القيود الدينية والاجتماعية وبالتالي فإن السياحة بمفهومها العام لن تشكل المورد الذي تحققه دول اخرى. ولفتت هذه الاوساط الى ان الاقتصاد الايراني سجل بعض النمو السنة الجارية في مقابل ما شهده العام الماضي، وذلك نتيجة لارتفاع اسعار النفط. لكنها قالت ان نسبة التضخم تبلغ 25 في المئة وان اسعار المستهلك تسجل ارتفاعاً سنوياً خصوصاً مادة البنزين فيما يصل عدد العاطلين عن العمل الى مليوني شخص. واشارت الى ان الدخل الفردي لا يتجاوز 800 الف ريال نحو 100 دولار اميركي، وان هذا الدخل يصنّف صاحبه في درجة الفقر، ما يدفع الناس في ايران الى العمل ايضاً لزيادة مدخول العائلة، فيما يضطر الرجل الى العمل في اكثر من مكان لتلبية متطلبات الحياة. وتعمل الدولة على دعم المنتجين المصدّرين من خلال توفير الاسواق الخارجية لمنتجاتهم بهدف تأمين النقد النادر للداخل. ويبدأ الدعم من الزراعة ويشمل الصناعة الحرفية والصناعات الغذائية والثقيلة. وتنتج ايران كل أنواع الخضر والفواكه وتعتبر من الدول المصدرة للفواكه الى دول الخليج وتركيا وباكستان. كما تنتج مواد البناء وتنافس الانتاج الاجنبي نوعية وسعراً. ورأت الاوساط ان لبنان يمكنه ان يستفيد من هذه الصناعات نظراً الى تدني اسعارها. واشارت الى ان المعارضة الايرانية المنظمة في لبنان تستقطب عدداً كبيراً من اللبنانيين. ولم تخف المصادر الايرانية الرسمية استعدادها الانفتاح امام الاستثمارات الاجنبية، مشيرة الى ان البرلمان الايراني يرحّب بهذه الاستثمارات، اي انه يمكن لأي مستثمر من أي جنسية أجنبية المجيء الى ايران والاستثمار فيها. ولفتت الى وجود مناطق حرّة في جزيرتي كيش وقشب في مضيق هرمز تقوم على استثمارات أجنبية.