قبل أيام قليلة وقفت البحرية المصرية كلها لتودع "أمير البحار" أحد الكبار الذين دخلوا التاريخ العسكري من أوسع الأبواب. جلال بك علوبة، قائد اليخوت الملكية وياور الملك فاروق، الذي توفي عن عمر يناهز 89 عاماً. كانت اسرته التي تعيش معه في ÷يلا أنيقة في شارع كفر عبده في الاسكندرية تعد العُدّة للاحتفال بعيد ميلاده. قصدت "الحياة" منزل الأسرة، والتقت أفرادها واستمعت الى رواياتهم وذكرياتهم عن "أمير البحار". وتذكر الابن المهندس الاستشاري هاني جلال علوبة سنوات مضت، وأحداثاً كان والده في مركزها. قال: "عندما وصلت الأوامر لنقل الملك فاروق من الاسكندرية الى خارج البلاد بعد ثورة تموز يوليو 1952 نفذ والدي الأوامر بمنتهى الوطنية وعاد باليخت "المحروسة" للاسكندرية، وضحى بمليون جنيه مصري، عرضها عليه الملك فاروق لكي يبقى معه في نابولي في ايطاليا". اضاف: "كان والدي مصدر الأمان والثقة للملك، فهو الذي قال له بالحرف الواحد، يا جلالة الملك لاپبد أن تترك البلاد لأن الشعب لا يحبك والجيش لا يريدك ولن اسمح لك وأنا مصري بأن تجلب الإنكليز وغيرهم الى بلدي مصر لكي يقتلوا أهلها الأبرياء، وعليك أن توقع على وثيقة التنازل عن العرش. وأعطاه والدي أمير البحار جلال علوبة القلم، ونظر إليه الملك فاروق طويلاً ثم وقع على وثيقة التنازل عن عرش مصر لإبنه الملك أحمد فؤاد الذي كان صغيراً واعطى فاروق القلم لوالدي الذي وضعه داخل صندوق النياشين والشهادات التي يملكها في منزلنا ولا يزال القلم موجوداً الى الآن". وتتدخل السيدة سميرة هانم عبدالرازق أرملة "أمير البحار" لتشرح كل ما يوجد داخل الصندوق الزجاجي الجميل، فعلى اليمين نيشان النيل وميدالية حرب فلسطين، وعلى اليسار نيشان من إمارة موناكو ثم في الوسط علبة الملبس التذكارية التي أهديت اليه بمناسبة زواج الملك من الملكة ناريمان ثم القلم الذي وقع به الملك على وثيقة التنازل ومجموعة أخرى من النياشين أهديت الى أمير البحار من كبار المسؤولين في الدول التي زارها مع الملك فاروق. وحكت السيدة سميرة عن ذكرياتها يوم اتصل الملك فاروق ب"أمير البحار" ليقول: "يا جلال لازم تيجي القاهرة الدنيا هنا مقلوبة عليّ ولازم أهرب"، وقالت الزوجة أن علوبة احتوى انفعال الملك برفق وذهب على الفور الى القاهرة وبقي في قصر الملك ثلاثة أيام اقنعه خلالها بضرورة الرحيل. ثم عاد علوبة الى الاسكندرية يوم 26 تموز يوليو 1952 صباحاً وطلب أن يرى ابنه الأكبر هاني ووجده يلعب في فناء منزل جده لأمه واحتضنه برفق، وقال له: "يا ابني سأسافر اليوم وربما لا استطيع العودة مرة ثانية وعليك بمراعاة أمك وإخوتك". وتتذكر الزوجة عندما طلب علوبة من قيادة الثورة أن تعين له حراسة شديدة لليخت "المحروسة" لكن طلبه رفض في البداية فقابل الرئيس السابق أنور السادات عضو مجلس قيادة الثورة واقنعه بوضع الحراسة فوافق السادات واتصل بالرئيس محمد نجيب آنذاك، وذهبت فعلاً يخوت الحراسة وهي "قاصد خير" و"فخر البحار"، و"صيد البحار"، والأخير كان يقوده الملازم أول جمال الدين مختار وهو الآن اللواء الدكتور جمال مختار رئيس الاكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا في الاسكندرية، الذي يقول عن علاقته ب"أمير البحار" إنه "كان استاذاً عملاقاً في مهنته ولعب دوراً تاريخياً سجّل له حين نجح في قيادة اليخت من الاسكندرية الى نابولي وعاد به مرة أخرى للاسكندرية سليماً رغم ثقل المهمة". ويضيف مختار: "عندما وصل اليخت الملكي الى كابري أصر علوبة على أن يجلس الجميع معنا لتناول طعام الغداء على اليخت الملكي المحروسة قبل أن يغادر كابري الى نابولي". وشاهد مختار علوبة وهو يصطحب الملك فاروق، ومعه الملك الصغير أحمد فؤاد يمشيان على سطح اليخت ثم ودعنا علوبة متجهاً الى نابولي ومنها عاد الى الاسكندرية ليسلم اليخت "المحروسة" الى القيادة المصرية. بعد ذلك قابل الرئيس محمد نجيب الذي شكره على حفظ الأمانة وعلى أداء الواجب العسكري بشرف عظيم وعلى الوطنية المخلصة، وقال نجيب لعلوبة: "سوف تصدر الأوامر قريباً بخصوصك"، وبعد أيام خرج علوبة الى التقاعد. ظل علوبة يعمل في شركته التي أنشأها في الاسكندرية للخدمات البحرية وظلت القوات البحرية تفخر به حتى يوم وفاته وكانت دائماً تدعوه لحضور الاحتفالات بالعيد القومي للبحرية ويوم إفطار القيادات البحرية في شهر رمضان كل عام. ولا يزال يخت "المحروسة" راسياً فى مياه الاسكندرية.