"حتى يومنا هذا عندما نلتقي سوية، يحتضن احدنا الآخر، وكم نتمنى ان نحتضنه ولو لمرة واحدة، مرة اخيرة". هكذا جاء رد فعل مارتن بيترز صاحب الهدف الانكليزي الثاني في مرمى المانيا في نهائي مونديال 1966 عندما تلقى خبر وفاة المدرب آلف رامزي... والاصح، السير رامزي. عندما انتهت نهائيات مونديال 1962 باكراً بالنسبة للانكليز بدأ البحث جلياً عن مدرب يسعى لتجنيب البلاد مغادرة مبكرة من مسرح مونديال 1966 التي كان مقرراً اقامتها سلفاً على الملاعب الانكليزية. ولان الشيطان الذي تعرفه خير من الشيطان الذي لا تعرفه كما يقول المثل الانكليزي، لم يكن من "ملاك" حينذاك افضل من آلف رامزي الذي قاد فريقه ايبسويتش في موسمين متتاليين من مصاف اندية الدرجة الثانية الى بطل لدوري الدرجة الاولى. وتشير الوقائع الى ان احد الصحافيين سأل رامزي، عندما اصبح رسمياً مدرباً للمنتخب، عن حظوظ انكلترا في النهائيات فرد المدرب الجديد بنبرة المؤمن: "انكلترا ستفوز بكأس العالم". مثل هذه التصريحات تُعرف في عالم الصحافة بتصريحات الاثارة، لكن رامزي كان يعني ما يقول... فهو كالرسام... بمعنى ان الشكل النهائي لنتاجه الفني مرتسم في مخيلته قبل ان يبدأ بوضع اول الالوان على لوحته. المثير في الامر اننا لم نجد خلال بحثنا في ملفات الارشيف الكروي الانكليزي اي تصريح لرامزي يعد فيه بأن تحتفظ بلاده بلقبها في نهائيات العام سبعين... وكأنه يعلم ان البطل سيخسر لقبه، فلم يشأ ان يعد الجمهور الانكليزي بتحقيق ما ليس بالامكان تحقيقه. بعد عام واحد من قيادته بلاده الى احراز كأس العالم، كُرم رامزي من الملكة اليزابيث الثانية بمنحه لقب "السير"... وكل من عمل تحت مظلة رامزي يصفه بالقائد، يكسب الاحترام عبر نوافذ الحب لا الاجبار. "السير" بوبي تشارلتون يصف المنتخب الانكليزي الفائز بلقب كأس العالم بالجسد الواحد وعقله المفكر... السير رامزي. الكل يضحي للفرد، والفرد يضحي للكل، هكذا كان المنتخب برعاية رامزي. بعد الفوز بكأس العالم حصل كل لاعب في المنتخب على ستين جنيهاً استرلينياً كمكافأة مقطوعة... ولاحقاً شعر الاتحاد الانكليزي للعبة بتواضع هذه المكافأة فقرر جمع التبرعات وتوزيعها على اللاعبين... حينها تم جمع 22 الف جنيه وقرر الاتحاد توزيعها حسب اداء اللاعب وعدد المباريات التي شارك فيها، وكان هذا يعني ان الذين لم يشاركوا في اي مباراة لن يحصلوا حتى على شروى نقير. لكن جميع اللاعبين هبوا، ربما بإشارة من رامزي نفسه، واجمعوا على توزيع المكافأة بالتساوي، فحصل كل منهم على الف جنيه. هكذا علمهم رامزي... كانوا كالجسد الواحد جملاً وتفصيلاً. وعندما اصبح رامزي عبئاً على المنتخب في 1973 لم تشفع له انجازاته او حتى لقبه... فعالم الكرة لا يرحم. انكلترا حتى يومنا هذا تتذكر بمرارة عدم تأهلها الى نهائيات كأس العالم 1974 بقيادة رامزي، لكنها تؤمن في الوقت ذاته ان الوازرة لا تزر وزر اخرى، وهي مجمعة حتى يومنا هذا ان رامزي هو الرجل الوحيد الذي زرع في اذهان الانكليز ان بوسعهم الحصول على كأس العالم متى ارادوا. يستذكر مارتن بيترز ايامه مع المنتخب بإشراف رامزي قائلاً: "كان يسمح لنا بارتشاف قليل من الجعة ولكن في حضوره، وعندما ينتهي من شرابه ويشعر ان الوقت قد حان للذهاب الى النوم، يستنهض قواه وينادي بصوت واثق، تصبحون على خير ايها السادة ويذهب، عندها نعلم ان علينا ترك ما بأيدينا ونذهب للنوم". ليلة الجمعة الماضية، قال رامزي للعالم للمرة الاولى والاخيرة: "تصبحون على خير ايها السادة". رحل بهدوء من دون ان يتوقع ذهاب اي منا الى النوم.