خطا السودان أمس خطوتين كبيرتين في اتجاهين خارجي وداخلي ينتظر ان تكون لهما انعكاسات كبيرة على مستقبله. ووقع الرئيسان السوداني عمر البشير والاريتري أساياس أفورقي في الدوحة أمس "اتفاق صلح" رعاه أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني. وتزامن ذلك مع لقاء منفرد مفاجئ في جنيف عقده رئيس البرلمان الأمين العام ل"المؤتمر الوطني" الحاكم في السودان الدكتور حسن الترابي مع رئيس الوزراء السابق رئيس حزب "الأمة" المعارض السيد الصادق المهدي. وتترقب الأوساط السياسية السودانية اليوم نتائج اجتماعات المهدي والترابي. وعلمت "الحياة" ان اتفاق الدوحة جاء من ست نقاط هي: "حل المشكلات بالطرق السلمية، وإعادة العلاقات الديبلوماسية، ووقف الاعمال العدوانية، واحترام كلا الدولتين سيادة الأخرى وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ووقف الحملات الاعلامية، والاحتكام الى الاعراف والمواثيق الدولية في مسار العلاقات بين البلدين". واتفق البلدان على تشكيل لجنة مشتركة للبحث في تنفيذ الاتفاق، على ان تتولى قطر تحديد موعد اجتماعها الأول في الخرطوم أو اسمرا بالاتفاق مع الجانبين. ولم يضمن موضوع نشاط المعارضة السودانية من اريتريا بشكل مباشر وفقاً لرغبة السودان، لكن حصل تفاهم على ان الاتفاق يشمله عملياً. تفاصيل ص 5 وأثار اللقاء الأول بين الترابي والمهدي منذ هروب الأخير براً من السودان الى أريتريا قبل عامين جدلاً واسعاً وخلطاً في أوراق المعارضة السودانية في الخارج. وأحاط المهدي والترابي اجتماعهما الذي لم يصطحبا اليه مساعدين بستار من السرية، لكن مصادر في المعارضة سربته الى وسائل الاعلام امس، ما اضطر حزب الأمة الى إصدار بيان مقتضب. وجاء في البيان ان اجتماع جنيف بدأ مساء السبت وامتد طوال يوم الاحد ويختتم اليوم. وأوضح ان اللقاء "تم بوساطة سودانية في اطار البحث عن حل سلمي للأزمة السودانية"، وان المهدي "يدخل هذا الاجتماع حاملاً مبادئ التجمع الوطني الديموقراطي المعارض وبعلم القيادات الرئيسية في التجمع". وعنى البيان بذلك رئيس التجمع رئيس الحزب الاتحادي الديموقراطي السيد محمد عثمان الميرغني وزعيم "الجيش الشعبي لتحرير السودان" العقيد جون قرنق. وامتنعت مصادر حزب الأمة والحكومة السودانية عن الخوض في تفاصيل، لكن مصادر مطلعة أبلغت "الحياة" ان الزعيمين يحملان تفويضاً كافياً لتمكينهما من التوصل الى اتفاق. وسعى مسؤولون في الجانبين الى التقليل من النتائج المحتملة لهذا اللقاء الذي تزامن مع توقيع اتفاق في الدوحة باعتبار ان جٌلّ عمل المعارضة السودانية المسلح ينطلق من اريتريا. واصطحب الترابي الى جنيف زوجته السيدة وصال المهدي شقيقة السيد الصادق المهدي. وتحدثت مصادر ديبلوماسية عربية في لندن منذ اسابيع الى "الحياة" عن صفقة سياسية يشارك المهدي من خلالها بتشكيل حكومة مع بقاء الرئيس عمر البشير في منصبه والترابي في رئاسة البرلمان بانتظار اجراء انتخابات عامة. وقالت مصادر في الخرطوم ان أي اتفاق محتمل سيأتي في اطار "تقوية آليات صدقية عزم الحكومة على اجراء انتخابات حرة وتشكيل احزاب مع بقاء الهيئة الدستورية الى حين اكمال أجلها، وتقديم ضمانات دولية ومحلية وقانونية كافية لضمان ذلك". ورأت مصادر مطلعة ان بيان حزب الأمة "يؤكد التمسك بحل شامل ورفض الصفقات المنفردة لأنها لا تعالج المشكلة". واضافت: "ان الإشارة الى ابلاغ الحلفاء الرئيسيين تؤكد ان المهدي دخل الاجتماع وهو واعٍ بتحالفاته وغير راغب في التخلي عنها". وقالت مصادر في حزب "الأمة" ل"الحياة" ان المهدي سيبقى في جنيف للقاء مفوضة حقوق الانسان ميري روبنسون اليوم، وانه سيتوجه بعد ذلك الى ليبيا "لإكمال زيارته الى الجماهيرية". وأبدى مسؤولون في الجانبين تفاؤلاً بنجاح اللقاء المباشر لكنهم طرحوا تساؤلات في شأن "مدى الجدية وحجم التفويض والمدى الذي يمكن ان يمضي فيه كل طرف باتجاه حل مشكلات البلاد الرئيسية وعلى رأسها قضية الحرب في الجنوب". في القاهرة، برز اتجاهان ازاء التعامل مع محادثات الترابي والمهدي يركز الأول على ان اللقاء "خطوة باتجاه المصالحة والتفرغ لمسألة الجنوب"، في حين رأى الثاني ان "انفصال المهدي عن المعارضة عملياً سيؤثر على موقفها التفاوضي". وتوقعت مصادر ان يعود المهدي الى القاهرة للقاء مساعديه وإبلاغهم بما ستسفر عنه مفاوضات جنيف. وتلقت أوساط في المعارضة في القاهرة انباء اللقاء بانزعاج شديد، خصوصاً في دوائر الحزب الاتحادي الديموقراطي. وعقد مسؤولون في "الاتحادي" والحزب الشيوعي ومؤتمر البجا اجتماعاً عاجلاً في القاهرة مساء أمس لدرس التطور الجديد. وقال عضو بارز في هيئة قيادة "التجمع" غاضباً أمس: "هذه تصرفات سيئة، كل طرف في التجمع يعمل منفرداً ويضحك علينا".