طلب الرئيس الايراني سيد محمد خاتمي العون من رجال الدين في الحوزة العلمية في قم ومن كبار مراجع التقليد لتنفيذ اصلاحاته وترسيخ دولة المؤسسات ومجتمع القانون. وزار خاتمي مدينة قم التي تعتبر مركز النشاط والتدريس الديني في البلاد، وتضم رموزاً بارزة في المؤسسة الدينية "التقليدية" والتيار المحافظ، وحرص في الوقت نفسه على التحدث الى المواطنين في قلب مركز الحوزة الدينية، مؤكداً تصميمه على تطبيق الدستور "بحذافيره". ودعا رجال الدين الى "مواكبة ظروف العصر والتسلح بالوسائل اللازمة لذلك"، وشدد على ضرورة ان يهتموا بالمطالب "الحقيقية والعميقة" للشعب والشباب و"عدم تجاهل الواقع". وتكتسب زيارة الرئيس الايراني لقم أهمية بالغة، اذ انها جاءت في ظل حملة عنيفة من جهات عليا في النظام وبعض التيارات السياسية والدينية على مسيرة "الانفتاح" الثقافي والاعلامي التي يقودها خاتمي. وكان عدد من كبار رجال الدين في قم أبدوا استياء وقلقاً لهذه المسيرة التي "قد تهدد قيم الاسلام ومبادئ الثورة". ولذلك، نظرت الأوساط السياسية باهتمام للقاءات التي أجراها خاتمي مع ثلاثة من كبار مراجع التقليد وهم آيات الله العظمى فاضل لنكراني وموسوي أردبيلي ويوسف صانعي. وبينما اكد اردبيلي وصانعي تأييدهما لنهج خاتمي، لم يخف لنكراني قلقه من أي مسيرة يمكن ان تهدد قيم الاسلام "الأصيلة"، وأكد ضرورة "توضيح حدود الحريات وضوابط القانون الى الشعب". وناشد خاتمي رجال الدين الوقوف الى جانبه. وقال: "انني أمد يدي للتعاون والاستعانة بمراجع الدين والعلماء لتطبيق الشعار الأهم لنا في هذه المرحلة وهو تنظيم وإرساء دعائم المجتمع على أساس الدستور". وأمام اكثر من مئتي الف احتشدوا وسط ساحات "المعصومة" احدى مزارات الشيعة الرئيسية في ايران، والتي تحتضن الحوزة الدينية، وتجمهروا في الشوارع المحاذية لها، بدا خاتمي وكأن معنوياته ارتفعت وهو يرى الحشود ومعظمها من الشبان ورجال الدين الشبان وهم يهتفون مؤكدين دعمهم له. فوجه كلامه الى رجال الدين بالقول: "ان أهم ما ينبغي ان يهتم به علماء الدين هو مواكبة الزمان والعصر وايلاء عناية جادة وجدية لدور الشباب وترسيخ الدين". وتابع بأنه "عندما يؤمن علماء الدين بالشباب ودورهم وينصتوا الى مطالبهم ويتفهموا طموحاتهم، يتسلح شباننا بالاسلام وسؤيدون علماء الدين". ويأتي خطاب خاتمي في ظل كتابات وتحليلات من مثقفين، وحتى بعض رجال الدين، مفادها ان احدى المشكلات في الجهورية الاسلامية حالياً وجود "فجوة" او عدم تناغم بين رجال الدين وجيل الثورة من الشبان. وهو ما يحذر منه الاصلاحيون ويقولون ان "تعميق الشرخ بين علماء الدين وجيل الشباب سينعكس سلباً على مستقبل العلاقة بين النظام والمواطنين". ولذلك فإن التيار الاصلاحي يحاول ان يقدم خطاباً جديداً ومعرفة حديثة وصورة واقعية للدين والثورة للحفاظ على مسيرة الثورة، بينما يرى التيار المحافظ ان بعض الشعارات التي يرفعها الاصلاحيون "أياً كانت خلفياتها حتى وان كانت صادقة فإنها ستنقلب بالسلب على أصحابها وعلى هوية الثورة والنظام في ظل عودة التيار القومي الشوفيني الى الساحة ومحاولات الليبراليين اختراق النظام والتسلل الى مواقع صناعة القرارا". ويحاول خاتمي الموازنة بين المقاربتين، وجزم في قم بأن "تخلف علماء الدين عن مواكبة العصر بداية الفشل والسقوط". وناشد الشباب في الوقت ذاته بوجوب ان يدركوا ان "نجاحهم في القيام بدور فاعل ومتجذر يتطلب الاعتماد على الدين والعلماء".