مع قرارات القمة الأوروبية وبيان برلين، والموقف الأوروبي الأخير تجاه المدينة المقدسة، يخرج القرار الدولي الرقم 181 من سباته ويعاد من جديد الحديث عنه، رغم انقضاء 52 عاماً على صدوره، وفي ظل عملية اسرائيلية استهدفت شطب هذا القرار والغاءه. المسؤولية الوطنية والقومية تشترط، اعادة احياء الشق الآخر من القرار 181، ونعني بذلك ضرورة استحضار هذا القرار الى طاولة المفاوضات الشاملة على أساس الشرعية الدولية، والى الحلبة السياسية والنضالية الفلسطينية والعربية، على مستوى العالم وكل الهيئات الدولية. فالقرار 181 يحظى بالشرعية الدولية الكاملة، ولا يموت بالتقادم، اضافة الى أن الجزء الأول منه، المتعلق باقامة الدولة العبرية بسكانها العرب واليهود على مساحة 53$ من أرض فلسطين التاريخية قد نفذ من طرف واحد على 77$ وبعملية تواطؤ بين المشروع الصهيوني وبريطانيا الانتدابية والأنظمة العربية الاقطاعية المجاورة، وتم اقتسام ما تبقى من فلسطين بين دول الجوار واقتسام الشعب عملاً بنظرية أن الشرق الأوسط يتسع لأربعة دول فقط ليس بينها فلسطين، والشعب الخامس عليه أن يندمج بهذه الدول ومهاجر الشتات. وعليه تُرك الشق الآخر المتعلق باقامة الدولة العربية الفلسطينية بسكانها العرب الفلسطينيين. أكثر من ذلك، تجاوزت الدولة العبرية التوسعية هذا القرار مرات عديدة منذ العام 1948 حتى أيام قليلة عندما كشفت واشنطن عن بناء 18 مستوطنة جديدة على تلال الضفة بعد اتفاق واي، فضلاً عن شق 12 طريقاً أكلت 10$ من أرض الضفة المحتلة. ان احياء القرار 181 واستحضاره، مع الأخذ في الاعتبار موازين القوى الراهنة، ضرورة وطنية وقومية، لتشكيل حالة من الصراع المفتوح مع الاحتلال والاستيطان تحت عناوين شرعية تحظى بالدعم الدولي. نقصد بذلك مرجعية القرارات الدولية، والدليل بيان الاتحاد الأوروبي عن حق السيادة وتقرير المصير والدولة المستقلة غير القابلة للاعتراض واعتباره "القدس الغربية والشرقية" مدينة محتلة ولها وضع خاص استناداً الى القرار الأممي 181. فالموقف الأوروبي المعلن عنه بقرارات قمة برلين حيال الدولة الفلسطينية وموضوع القدس، وتالياً في العودة للقرار 181، هذا الموقف مع تطوره لن يكون مرهوناً بالموقف الأميركي. وهناك من وصف اعلان قمة الاتحاد الأوروبي بأنه مهم للفلسطينيين كأهمية وعد بلفور لليهود، طبعاً مع الفارق الكبير، إذ أعطى وعد بلفور أرضاً لغير اصحابها ولمن لا يستحق بينما الأرض الفلسطينية لشعبها وأهلها. ولا نستطيع القول بشكل كامل أن الموقف الأوروبي مرتهن للموقف الأميركي. فأوروبا ايضاً لها مصالحها في الشرق الأوسط، وتربطها مع شعوب المنطقة علاقات تاريخية ضاربة جذورها في القدم والإرث المشترك. عدا أن أوروبا لن تقبل على نفسها أن تبقى الى مدايات طويلة عبارة عن "عملاق اقتصادي وقزم سياسي". طبعاً، هذا لا يقلل من أن الادارة الأميركية تملك تأثيراً ملحوظاً على الموقف الأوروبي بشكل عام. في هذا الجانب، ان اعلان برلين 26/3/1999 بشأن الوضع الفلسطيني وبشأن، المدينة المقدسة، اعلان مهم، ومهم جداً، ويدلل على محاولات التمايز الأوروبية عن الموقف الأميركي، فضلاً عن استحضاره بشكل أو بآخر للقرار 181 الخاص ببناء الدولة العربية الفلسطينية في الشق الثاني منه، والبيان الخاص بالقدس الغربية والشرقية كونها "محتلة ولها وضع خاص عملاً بالقرار 181". في كل الأحوال، فإن لغة الرفض التوسعية الاسرائيلية للشرعية الدولية ولقرارات الأممالمتحدة ستصطدم كل يوم مع تطور الموقف الدولي المساند لقضية فلسطين. إذ ان النزعة التوسعية الاسرائيلية الصهيونية اصطدمت بمجموعة من الوقائع والمتغيرات، من حرب اكتوبر 1973 الى اجتياح لبنان عام 1982 وصعود المقاومة اللبنانية على مساحة لبنان وجنوبه الباسل، والانتفاضة الكبرى والمغدورة على أيدي اتفاق أوسلو، واستمرار الدم يسيل في الشارع الفلسطيني والاسرائيلي قبل أوسلو/ واي بلانتيشن وبعدهما، وحتى الآن. برهنت الوقائع والمتغيرات للدولة العبرية والحركة الصهيونية أن التوسع على الأرض لن يكون مفتوحاً دوماً، فشعوب الشرق الأوسط اكتسبت درجة من الوعي والحصانة وحسن التدبير مكّنتها من البقاء والاحتفاظ بوجودها على أرضها كما وقع في الضفة الغربيةالفلسطينية وقطاع غزة عام 1967 واثناء حرب 1973 واجتياح لبنان عام 1982. لذا فإن مسألة التوسع والتمدد والتهجير والتطهير العرقي ليست متاحة بدون مقاومة، ولن تكون مرشحة للتعاظم مهما كانت الانتكاسات كما كان سابقاً، ومن هذا الصراع المعقد والطويل بدأ عتاة الصهاينة الترويج ل "عملقة الدولة العبرية" من الناحية الاقتصادية والاقليمية، أي بمعنى التوسع العدواني التسلطي بأشكال جديدة، وبوظائف أمنية اقليمية جديدة في مربع تقاطع المصالح الكبرى الاستراتيجية الأميركية للتمدد على بحيرة النفط العربية من منابعه حتى مصباته في الخليج وحوض المتوسط. هذا لا يلغي حقيقة وجود حركات سلمية ديموقراطية متواضعة داخل الدولة العبرية تدعو لسلام الشرعية الدولية القائم على حق الشعب الفلسطيني بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في حدود عام 1967. ولا تفتح صهيونية الدولة العبرية طرق السلام الحقيقي، فالسلام الحقيقي المتوازن لن يكون إلا نتاج موازين قوى على الأرض فلسطينية - اسرائيلية واقليمية ودولية، تفرض على الدولة العبرية التسليم بقرارات الشرعية الدولية، ووقف زحف التوسع الاستيطاني وادعاءات وراثة فلسطين الانتدابية ورسم خرائط الأمر الواقع نتانياهو/ شارون، صقور حزب العمل، راجع كتاب حواتمه: أوسلو والسلام الآخر المتوازن. من الجانب الفلسطيني، تبدو عملية استحضار القرار 181 الى وقائع الحدث السياسي واليومي، غير موجودة لدى الصف الواسع من القوى، خصوصاً عند بعض المعارضة الرفضاوية التي تريد القاء قرارات الشرعية الدولية في "سلة المهملات" على حد تعبير بعض أركانها. ففي كل مرة، نقترب من الوصول الى توحيد جهد المعارضة في اطار برنامج ائتلافي مشترك يقوم على بديل آخر لتسوية أوسلو ويفتح المجال لتسوية قائمة على أساس الشرعية الدولية بكل قراراتها التي صدرت تباعاً منذ عام النكبة وحتى الآن، تنبعث دعوات الرفض المطلق على طول الخط، ورفض الحديث عن الشرعية الدولية وقراراتها كما تنبعث دعوات اقامة المنظمة البديلة، وتنبعث دعوات الفك والتركيب وخطابات التطرف السياسي العدمي، فالمعارضة المتحدة الواقعية الملموسة البرامج ممنوعة، والمطلوب المرغوب معارضة بلا برنامج عملي ملموس، كما الوحدة الوطنية وإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير ممنوعة تحت ضغط محاور الخارطة الاقليمية العربية وعناصر دولية فاعلة. والمرغوب المطلوب بقاء المؤسسات الوطنية الائتلافية في الثلاجة مجمدة، كما برز صارخاً في "الطلبات" الأميركية عشية وأثناء دورة المجلس المركزي لمنظمة التحرير 27-29 نيسان 1999 بتمديد اتفاقات أوسلو وتأجيل اعلان سيادة دولة فلسطين على أراضيها المحتلة عام 1967، وتأجيل دورة المجلس المركزي الى أيار مايو 2000، وهذا رفضته غالبية المجلس المركزي والفصائل والشخصيات الوطنية، وتم التأكيد في قرارات المجلس المركزي على الشروع بخطوات اعلان السيادة عملاً بالشطر الآخر من القرار 181 وقرارات المجلس الوطني باعلان الدولة 1988 ودعوة المجلس المركزي في حزيران القادم للبت باعلان سيادة الدولة على الأرض المحتلة بعدوان حزيران يونيو 1967 والتأكيد على حق اللاجئين بالعودة عملاً بالقرار الأممي 194. * الأمين العام للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين.