يعيد فوز رئيس حزب العمل الاسرائىلي ايهود باراك برئاسة الوزراء في الانتخابات، التركيز على مفاوضات المسار السوري - الاسرائىلي بعد تجميده 37 شهراً . ولم تحاول دمشق بذل اي جهد في مجال استئناف المفاوضات خلال فترة ترؤس بنيامين نتانياهو الحكومة اليمينية، لقناعتها بعدم جدوى ذلك بناءً على مواقف المسؤولين الاسرائىليين الرافضة استئناف مفاوضات السلام "من حيث توقفت"، وعدم ممارسة ضغط اميركي كبير على نتانياهو لالتزام تعهدات حكومتي العمل بزعامة اسحق رابين وشمعون بيريز. وما شجع السوريين على عدم تكرار التفاوض مع "ليكود"، تجربتهم بالتفاوض مع وفد اليمين بين مؤتمر مدريد في تشرين الاول اكتوبر وفوز العمل في انتخابات عام 1992، ذلك ان الوفدين "لم يصلا الى أي نتيجة، وكان الجو يسوده التوتر وفي كثير من الحالات كان يمكن ان يحصل عراك بين الجانبين بسبب وقاحة رئيس الوفد الاسرائيلي" حسب قول مسؤول سوري رفيع المستوى. على العكس من ذلك، فان التفاوض مع العمل بين عامي 1992 و1996، اثمر نتائج مهمة كان فيها الجانبان على وشك توقيع اتفاق سلام لولا حصول الاحداث التالية: موافقة بيريز على اغتيال احد قادة الجناح العسكري في "حركة المقاومة الاسلامية" حماس المهندس يحيى عياش، بعد موافقة رابين على اغتيال زعيم "الجهاد الاسلامي" الدكتور فتحي الشقاقي في مالطا في تشرين الاول اكتوبر، ثم اغتيال رابين على يد المتطرف اليهودي ايغال أمير في تشرين الثاني نوفمبر وتزعم بيريز الحكومة وتسليمه باراك وزارة الخارجية، ثم قيام حركتي "حماس" و"الجهاد" بالانتقام لاغتيال الشقاقي وعياش بعمليات انتحارية في شباط فبراير، ثم قرار بيريز سحب وفده من واي بلانتيشين وتقديم موعد الانتخابات الى أيار مايو، وشنه عملية "عناقيد الغضب" وارتباط "مجزرة قانا" باسمه، الأمر الذي ادى الى اهتزاز صورته الامنية داخلياً وقرار الاحزاب العربية "معاقبته" باعطاء اصواتهم الى اليمين الاسرائىلي. بذلك يحمل المسؤولون السوريون بيريز مسؤولية "اضاعة فرصة" تحقيق السلام و"هدر الجهود المضنية"التي بذلها الجانبان. ولم يكونوا مستعدين ل"العودة من نقطة الصفر" او "من دون شروط مسبقة" كما اراد نتانياهو بل ان الخطاب السوري تمسك بالآتي: - اعلان التمسك بعملية السلام وبان السلام "خيار استراتيجي" لا بديل منه. - العودة الى طاولة المفاوضات تكون من النقطة التي توقفت عندها. - التزام تعهدات رابين الانسحاب الكامل من الجولان الى ما وراء خطوط الرابع من حزيران يونيو عام 1967. - البناء على "مبادئ ترتيبات الامن واطرها" التي توصل اليها رئيس الاركان السوري السابق العماد اول حكمت الشهابي في محادثاته مع رئيسي الاركان السابقين باراك في نهاية العام 1994 وامنون شاحاك في حزيران عام 1995، واعلان واشنطن توصل الطرفين الى ورقة "مبادئ ترتيبات الامن" في ايار من العام نفسه. ويقول مسؤول سوري رفيع المستوى ان تحقيق "انجازي" الانسحاب الاسرائيلي والاتفاق على وثيقة مبادئ والترتيبات الامنية واهدافها "يشكلان نحو 80 في المئة من اتفاق السلام". هذا لن يجعل من العودة الى طاولة التفاوض امراً سهلاً بمجرد فوز باراك، اذ ان التقدم رهن باربعة عوامل: أولاً، الاحزاب التي سيتحالف معها لتشكيل الحكومة، سواء كانت من اليسار والوسط او "حكومة وحدة وطنية" مع تكتل ليكود. ثانياً، الاولوية التي ستعطيها واشنطن الى عملية السلام عموماً والمسار السوري خصوصاً، والوقت المخصص لذلك وما اذا كان المطلوب تحقيق انجاز قبل انشغال الادارة الاميركية بانتخابات العام 2000. ثالثاً، العلاقة بين المسارين السوري واللبناني، اذ ان دمشق وبيروت متمسكتان بالتلازم، واسرائىل تريد الانسحاب من جنوبلبنان، والخلاف على الترتيبات والثمن وعلاقة كل ذلك بالجولان السوري. رابعاً، قراءة كل من سورية واسرائيل ما تحقق بين 1992 و1996. وكان السفير السوري في واشنطن السيد وليد المعلم نشر تفصيلات ما حصل في مقابلة صحافية. كما ان رئيس الوفد الاسرائىلي السفير ايتامار رابنوفيتش قدم وجهة نظره في كتابه "على حافة السلام". وهناك ايضاً المحاضر الاميركية الرسمية للمحادثات. ولا تخرج وثائق الاطراف الثلاثة عن الاطار العام لما انجز في شأن الانسحاب الكامل وترتيبات الامن. لكن صوغ ذلك في اطار تفاوضي بين الطرفين يستحق المراقبة في الفترة المقبلة، خصوصاً ان دمشق استبقت ذلك بالقول ان المحادثات ستبقى "متوقفة اذا لم يلتزم الانسحاب من الجولان الى خط الرابع من حزيران"، كما ان باراك قال بعد فوزه "لا للعودة الى خطوط عام 1967".