تقدّم صالة عرض "دو لا سيتا" في باريس معرضاً مثيراً عن الجزائر يركّز على الصور الفوتوغرافية التي التقطها المصوّرون الغربيون في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. كان بعضهم قد زار الجزائر للاستكشاف وكان البعض الآخر قد خدم فيها والتحق بوحدات الجيش في حين كان عدد منهم قد استقرّ فيها عاملاً في حرفة التصوير الفوتوغرافي. من بين هؤلاء، المصوّر دولو موت الذي سكن وصوّر منذ مطلع خمسينات القرن الماضي، وكان يعمل أحياناً برفقة تلميذه جان باتيست ألاري حيث وقّع معه صوراً لمدن جزائرية مختلفة. ويقدّم العرض الباريسي أوّل صورة داكريّة لمرفأ الجزائر، تعود الى العام 1850، التقطها دولوموت وألاري. وفي 1851، زار الفرنسي شارل مارفيل الجزائر، وخلال إقامته القصيرة سجّل صوراً نادرة للمدينة القديمة ومنازلها. وكان مارفيل قد بدأ حياته المهنية كرسام كتب وثم اعتمد التصوير الفوتوغرافي فأصبح "مصوّر متحف اللوفر الإمبريالي"، كما أسّس في مدينة ليل أول مطبعة تصويرية من أجل ترويج الصورة الفوتوغرافية في عالم النشر كي تحلّ مكان الرسم. يتبع المعرض تسلسلاً تاريخياً في مساره ويقدّم صورة تمثّل "الجامع الجديد" في مدينة الجزائر التقطها عام 1853 الفرنسي انتوراج دو لوغراي الذي كان محترفاً بارزاً في مجال التصوير الفوتوغرافي وحصل على ميدالية الدرجة الأولى في "المعرض العالمي" الذي نظم في باريس عام 1855، فكان يهتم بحساسية الطبقات وبنوعية الورق وبتنظيم عمليات السَحْب، كما أنه علّم التصوير وقدم النصائح لعدد كبير من معاصريه. وتكثر صور المباني التاريخية والمعالم الأثرية ان في العاصمة أو في المناطق الأخرى إذ كانت هذه تلفت اهتمام الرحّالة الى الشرق عامة، من بينهم الأميركي جون بيزلي غرين الذي ركّز على علم الآثار وخلّف أعمالاً كثيرة عن مصر التي زارها بين 1852 و1854 وعن الجزائر التي أمضى فيها سنة، من 1855 الى 1856، وحيث حاول أن يستعيد بعض مظاهر الحضارة المصرية القديمة في المواقع التارخية التي كان يصوّرها. ومع أعمال فيليكس جاك انطوان مولان، نكتشف صور الناس من جزائريين ومن فرنسيين عملوا في الإدارة الكولونيالية أمثال شارل فريديريك شاسير والذي عُيّن مهندساً معمارياً عاماً لمدينة الجزائر، فأشرف على بناء "المسرح الإمبريالي" ووضع مخططات لتحويل ضاحية المرفأ التي أنجزت بين 1860 و1865 وأُطلق عليها بالتتابع "جادة الإمبراطورة" ثم "جادة الجمهورية" وقد أصبحت اليوم "جادة تشي غيفارا". وتخلّد صور مولان أيضاً القضاة المسلمين الذين تولّوا المحاكم العليا في الجزائر، ومجالس قيادة الجنرالات الفرنسيين ومدراء "مكتب العربي المدني". وكانت المكاتب العربية قد تأسّست عام 1844 بقرار وزاري فرنسي وانوجدت في الفروع الإدارية لكل من الولايات الثلاث: الجزائر - العاصمة، القسطنطنية ووهران. وكان دورها ينصّ على مراقبة الزعماء المحليين والتدقيق في عمل القضاء الإسلامي. ومع غوستاف دو بوكور تبرز صور جميلة جداً من العام 1859 لأهالي وسكان المناطق الجزائرية، وكذلك مع لويس جان دلتون الذي صوّر الأمير عبدالقادر عام 1865، ومع جان تيوفيل جيزير وادوار بالدوس واميل فريشون والإيطالي لويجي فيوريلو ومع الكساندر لورو الذي أسس في العاصمة الجزائرية ثلاثة محترفات للتصوير في الثمانينات من القرن الماضي استمرّت في العمل بعد وفاته بفضل نشاط أبنائه الثلاثة. من 1850 الى 1898، يغطّي معرض صالة دو لا سيتا خمسين عاماً تقريباً من تاريخ التصوير الفوتوغرافي في الجزائر. ومن خلال 200 صورة وقّعها نحو 25 مصوّر محترف أو هاوٍ نستعيد مناظر طبيعية ومعالم تاريخية من البلد ونتعرّف الى شخصيات بارزة أو بشر عاديين، ونسجّل في بعضها الأحداث السياسية التي رافقت عملية الاستعمار، منها المكاتب العربية والزيارات الرسمية كزيارة نابليون الثالث عام 1865 إضافة الى الأعمال الكبرى التي أجراها الفرنسيون في المدن والمرافىء والسكك الحديد، وفي استكشاف الصحراء واستثمارها. وبالطبع، حملت هذه الصور نظرة غربية أو استشراقية فكان حاملو آلات التصوير، من رحالة أو مستكشفين أو عسكريين أو محترفين، يبحثون بشكل عام عن الغريب والمختلف، واللافت وإن جاءت لقطات الأعمال والتحوّلات المعمارية والمدينية خالية من الطرافة، في معظم الحالات، إلا أن الصور التي ركّزت على النساء والسكان المحليين كانت مشبعة بغرائبية تذكّر كثيراً بأعمال الفنانين الاستشراقيين من القرن الماضي. وعلى الرغم من ذلك، تحمل هذه الصور أهمية كبرى. ذاك أنها تبقى قليلة ونادرة إذا ما قورنت بالإنتاج الفوتوغرافي الغربي الهائل عن مصر وفلسطين وسورية ولبنان في القرن التاسع عشر، لكنها تبقى من جهة أخرى، شواهد ثمينة عن مرحلة معيّنة من تاريخ الجزائر.