تتضارب المصادر في تقدير عدد المهاجرين العرب في ألمانيا. ووفقاً لمصادر دار اللقاء العربي في برلين فإن العدد يبلغ 380 ألفاً بمن فيهم الحاصلون على الجنسية الألمانية. ويعادل ذلك اقل من 5 في المئة من مجمل المهاجرين في ألمانيا. ويعتبر المغرب ولبنانوفلسطين بلدان الهجرة الرئيسية، حيث يقدر عدد المهاجرين منها بنحو 100 و 60 و 54 ألف على التوالي. وتعتبر هجرة المغاربة من الأقدم بين الهجرات الجماعية العربية الحديثة، حيث قدم معظمهم للعمل خلال الستينات وأوائل السبعينات. وتعيش غالبيتهم في المدن الكبيرة بغرب وجنوب ألمانيا. وجاءت غالبية المهاجرين اللبنانيينوالفلسطينيين إبان الحرب الأهلية اللبنانية، حيث لجأت أعداد كبيرة منهم إلى ألمانيا أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات وخاصة إبان الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982. ومما يعنيه ذلك أن هؤلاء اضطروا للهجرة لأسباب سياسية وأمنية ومعيشية ترتبط بالحرب المذكورة وبالصراع العربي - الإسرائيلي. ويفسر ذلك إلى حد كبير ارتفاع نسبة اللاجئين السياسيين بينهم. وتعيش نسبة كبيرة منهم في برلين وضواحيها. الجمعيات العربية / لمحة عامة ان التوصل إلى معرفة عدد الجمعيات والروابط الخاصة بأبناء الجالية العربية في ألمانيا أمر صعب، ويعود السبب في ذلك إلى تزايد أعدادها بشكل مستمر وسريع وخاصة في برلين ومحيطها. وعلى ما يبدو فإن عودة المدينة لتصبح العاصمة ومركز القرار الألماني من جديد أعطى دفعة قوية بهذا الاتجاه. وتفيد مصادر مطلعة أن عددها يفوق الثلاثين في برلين وحدها. ويقول السيد علي عياد رئيس تحرير مجلة اللقاء العربي التي تصدر في برلين ومرشح للحصول على الدكتوراه في علم الاجتماع السياسي من الجامعة الحرة في برلين: "أن ذلك يعبر عن الانقسامات في البنية السياسية العربية وخاصة في الوسطين الفلسطينيواللبناني". فعدد الجمعيات الناشطة في هذين الوسطين يزيد على عدد أصابع اليدين بمدينة برلين. ولا يغير من جوهر ذلك وعلى حد تعبير السيد عياد حقيقة "أن غالبيتها تؤكد أنها لا تتعاطى الشأن السياسي". غير أن الانقسامات السياسية لا تفسر وحدها كثرة أعدادها. فمن المؤكد أن هناك دوافع اقتصادية وراء ذلك. فتأسيس جمعية أو رابطة حسب القوانين الألمانية ينطوي على توفر إمكانية الحصول على دعم مالي ومادي من قبل السلطات والهيئآت الألمانية المختصة وفقاً للسيد ناجي عباس صحافي عربي. ويشمل هذا الدعم تحمل أعباء إيجارات مقرات الجمعيات وتمويل دورات التأهيل والتعليم وغير ذلك من الأنشطة الأخرى التي تقوم بشكل جزئي أو كلي. كما أن مشاريعها معفاة من الضرائب على اعتبار أنها لا تهدف تحقيق الربح. أنشطة وأهداف تتوزع أنشطة الجمعيات والروابط العربية بشكل أساسي على محاور مختلفة في المجال الاجتماعي وعلى الأصعدة الثقافية والخيرية والتعليمية والدينية والرياضية وغيرها. وتحاول من خلال ذلك تمثيل مصالح أبناء الجالية العربية وتنسيق اهتماماتهم. كما تحاول تقوية أواصر تقاربهم مع أبناء مجتمعهم الجديد وتكاملهم مع فئاته المختلفة على حد تعبير السيد نادر الخليل مسؤول الخارجية في رابطة "الحولة" الفلسطينية في برلين. ولا يتم نسيان أهمية إقامة وتقوية الصلات مع الوطن الأم أو مع البلد الأصلي. ومما يدل على ذلك أنها تقوم بإحياء مختلف المناسبات الوطنية والدينية من خلال الحفلات والمحاضرات والندوات المختلفة. ويتم تمويل هذه الانشطة عن طريقين: إما عن طريق دعم السلطات المحلية أو عن طريق اشتراكات وتبرعات الأعضاء وغيرهم. المهاجرون السوريون تعتبر الجالية السورية من الجاليات العربية القليلة في ألمانيا وهي تنظم نفسها في إطار رابطة واحدة وهي رابطة المغتربين السوريين التي تضم فروعاً في العديد من المقاطعات الألمانية. أما روابط السوريين الأخرى فهي مهنية كتلك الخاصة بالأطباء من أصل سوري. ويتمثل الهدف الرئيسي للرابطة في إزالة الأحكام المسبقة التي تعيق ربط وتكامل المغتربين السوريين بوطنهم الجديد من خلال الأنشطة التي تركز على إبراز الوجه الحضاري للسوريين والعرب. ويقول السيد قتيبة منقاري رئيس الرابطة أنها أسست عام 1987 وهي الوحيدة الخاصة بالمغتربين السوريين على اختلاف ميولهم السياسية والدينية. وبذلك فإنها يمكن أن تقدم نموذجاً للمهاجرين من البلدان العربية الأخرى الذين أسسوا جمعيات وروابط متعددة ولديهم مشاريع لضمها تحت سقف واحد. ويضيف: "أن تعارف السوريين على بعضهم البعض في غربتهم والتنسيق مع الروابط والجمعيات العربية من أهم الأنشطة التي تقوم بها الرابطة". ولا يقتصر ذلك على الجوانب الثقافية وإنما يتعداه إلى المسائل السياسية التي تهم العرب لدى الجانب الألماني. فعندما تتخذ سلطات برلين أو السلطات الألمانية مثلاً قراراً سياسياً ينطوي على الإضرار بالمصالح العربية في ما يخص الصراع العربي - الإسرائيلي وغيره نشكل وفداً مشتركاً لعرض وجهة نظرنا والضغط عليها على أساس أن ذلك لن يساهم في تعزيز العلاقات العربية الألمانية. المهاجرون اللبنانيون ينتظم المهاجرون اللبنانيون في إطار روابط عديدة وصل عددها إلى أربعة روابط حتى الآن في برلين. ومن بينها رابطة المغتربين اللبنانيين وجمعية البلاغ اللبنانية. وتقوم الأولى بأنشطة تهدف إلى المساهمة في تحسين العلاقات بين المغترب وموطنه الجديد من جهة وبينهما وبين لبنان من جهة أخرى. ومما قاله السيد غسان أبو حمد صحافي ورئيس الرابطة "أننا نحاول مخاطبة الجانب الألماني باللغة التي ينبغي مخاطبته بها إذا صح التعبير. وقد نجحنا في إقامة علاقة توأمة بين فوجي إطفاء كل من برلين وبيروت وبين فوج الدفاع المدني لضاحية كوبنك البرلينية ومثيله في النبطية. وهناك مشروع دراسة للواقع البيئي في العديد من المناطق اللبنانية ستدعمه وزارة البيئة الألمانية". وبالإضافة لذلك فإن الرابطة تقوم بإحياء مختلف المناسبات الوطنية اللبنانية من خلال حفلات وأنشطة وندوات وغير ذلك. وحول أهم القضايا التي تشغل الرابطة هذه الأيام قال السيد أبو حمد: "هناك قرارات ألمانية بترحيل عدد كبير من الأجانب الذين لم تتم الموافقة على طلبات لجوئهم. ويشمل ذلك عشرات الآلاف من اللبنانيين الذين جاؤوا أيام الحرب الأهلية. وتنصب جهودنا في الوقت الحاضر على محاولة إقناع الجانب الألماني بالنظر إلى قضيتهم بشكل أكثر إنسانية على أساس أن ظروف إعادتهم إلى لبنان غير مهيأة بعد بسبب الحالة الأمنية الصعبة في جنوبه والمعاناة الاقتصادية لغالبية اللبنانيين". ومن الجمعيات اللبنانية الأخرى النشطة على الساحة البرلينية جمعية البلاغ اللبنانية. وتتمثل أهم أهدافها على حد تعبير الدكتور محمد بيضون نائب رئيسها "في تعميق الروابط بين الوطن المغترب ولبنان من خلال تقديم الصورة الصحيحة عن تراثنا وحضارتنا للمجتمع الألماني. ولدى الجمعية مدرسة لتعليم أطفال المغتربين اللغة العربية ومبادئ الدين الإسلامي بروحه السمحة البعيدة عن التعصب". كما أنها تبذل جهوداً في مجال تدعيم الدور التربوي للأسرة بما يخدم وقاية الأطفال من خطر الضياع في مجتمعهم الجديد. وفيما إذا كان للجمعية دور في الجهود المبذولة لإقرار منهاج مادة الدين الإسلامي المقرر تعليمها في المدارس الألمانية قال السيد بيضون: "أن جمعية البلاغ تنسق إلى جانب العديد من الجمعيات الأخرى مع الاتحاد الإسلامي التركي بهذا الخصوص. وهي تركز جهودها على وضع منهاج يحظى بدعم ممثلي مختلف المذاهب الإسلامية". المهاجرون من مصر وتونس والسودان والأردن وعلى صعيد المهاجرين المصريين توجد ثلاث جمعيات ناشطة في برلين. وتعتبر جمعية الصداقة الألمانية - المصرية واحدة منها ومن أقدم الجمعيات العربية في ألمانيا، حيث تم تأسيسها قبل 20 عاماً. وهي جمعية غير سياسية تهتم بالقضايا الثقافية والعلمية والاقتصادية التي تهم أبناء الجالية المصرية. الجدير ذكره أن أبوابها مفتوحة للمصريين والعرب من دون استثناء. وهناك جمعية الودادية التونسية التي تعمل على تشجيع تعاون الجمعيات والروابط العربية وتقوم بأنشطة تعليمية وثقافية في إطار تعزير روابط المهاجرين من تونس بمجتمعهم الجديد وبوطنهم الأم. ويعتبر نادي الرافدين الثقافي العراقي من الأندية العربية الحديثة والنشيطة من خلال الندوات والمحاضرات والأمسيات التي ينظمها ويساهم فيها العديد من المثقفين العرب. ويقول الدكتور ناجح العبيدي أحد أعضائه أن باب العضوية فيه مفتوح للعراقيين والعرب بمختلف انتماءاتهم السياسية والدينية والقومية. وله علاقات جيدة مع جمعيات عربية وألمانية. كما أنه يساهم في مساعدة أبناء الجالية العراقية على ربطهم بالمجتمع الألماني من خلال تعريفهم به على صعيد القيم والعادات والقوانين وغير ذلك. ومن الروابط العربية التي نشأت مؤخراً الجالية السودانية ببرلين - براندنبورغ والتي حددت أهدافها بالقيام بأنشطة ثقافية ورياضية وفنية تهم أبناء الجالية السودانية. كما أنشئت مؤخراً أيضاً رابطة خاصة بأبناء الجالية الأردنية. وبالنسبة للمهاجرين المغاربة فإن جمعياتهم وروابطهم ناشطة في مدن غرب وجنوب ألمانيا بحكم تواجد أغلبيتهم الساحقة هناك. أما أبناء بلدان دول مجلس التعاون الخليجي وغيرها من البلدان العربية الأخرى فأعدادهم قليلة في برلين وغيرها من المقاطعات الألمانية الأخرى. وفي الكثير من الحالات لا يتجاوز العدد عشرات الأشخاص. المهاجرون الفلسطينيون تفيد آخر المعطيات المتوافرة إلى أن المهاجرين من فلسطين من أنشط العرب على صعيد إقامة الروابط والجمعيات الخاصة بهم. ففي برلين لوحدها يوجد تسع منها. ولبعضها طابع مناطقي، حيث تم تأسيسها للتعبير عن مصالح أبناء هذا المخيم أو ذاك كما في حال جمعية أبناء مخيم نهر البارد. ومنها ما يحمل طابعاً مهنياً كما في حال جمعية الأطباء الفلسطينيين في برلين. وتهتم البقية بشؤون الفلسطينيين بغض النظر عن انتماءآتهم السياسية أو المناطقية أو الدينية. ويعتبر اتحاد الجالية الفلسطينيةبرلين - براندنبورغ الذي تم تأسيسه عام 1996 من التنظيمات الهادفة إلى ضم جميع أبناء الجالية الفلسطينية تحت سقف واحد بغض النظر عن الانتماءات المذكورة. وترى السيدة رينيه أبو العلا نائبة الرئيس أن الاتحاد يحاول القيام بذلك على أساس محاولة التوفيق بين ارتباط هؤلاء بوطنهم الأم وتكاملهم مع مجتمعهم الجديد. وتضيف: "أن أنشطتنا تكمل تلك التي تقوم بها الروابط الفلسطينية العديدة التي أقيمت لتمثيل مصالح أبناء الجالية القادمين من المخيمات وغيرها". وعلى ساحة الجالية الفلسطينية في برلين وخارجها تنشط أيضاً رابطة الحولة الخيرية التي لا تعني أن الانتماء إليها محصوراً بأبناء منطقة الحولة كما توحي التسمية للوهلة الأولى. فالدخول إليها متاح للفلسطينيين من أبناء الحولة وغيرهم من الفلسطينيين والعرب. ويقول الحاج أبو نادر المسؤول الإداري للرابطة أنها تريد أن تكون صلة الوصل مع عرب بلاد الشام، تماماً كما هي منطقة الحولة التي تشكل المثلث الحدودي الذي يربط بلدان بلاد الشام بعضها ببعض. وتنحصر أهدافها بالقيام بأنشطة اجتماعية تشمل مجالات تربوية وخيرية ورياضية وغيرها. ومنها على سبيل المثال تعليم اللغة العربية وإقامة دورات كومبيوتر وأعمال الرعاية الصحية وتقديم المعونات والمساعدات لأبناء فلسطين وخاصة في المخيمات خارج الوطن الأم. جمعيات عربية ومن التنظيمات القليلة التي تتجاوز الشأن القطري اتحاد المرأة العربية الدار. وتتمحور أنشطته في مجال مساعدة المرأة العربية على رعاية أطفالها وتحسين وضعها الاقتصادي من خلال تأهيلها لدخول مجالات العمل المهني وغيره. ويشكل هذا سر تركيز الاتحاد على دورات التأهيل في مجال الخياطة وقص الشعر والكومبيوتر وغيرها. وتقول رئيسة الاتحاد السيدة رينيه أبو العلا أن المرأة العربية تعاني هنا من غربة مزدوجة تفرضها عليها ظروفها العائلية وظروف المجتمع الجديد الذي تعيش فيه. وغالباً ما يؤدي ذلك إلى العزلة والتقوقع الذي نحاول تخليصها منهما عن طريق المساعدة على حضانة وتربية الأطفال وتوفير فرص العمل. وتقوم منظمة حقوق الإنسان في الدول العربية/ ألمانيا ومركزها برلين بأنشطة في سبيل احترام حقوق الإنسان العربي في بلدانه وخارجها بغض النظر عن انتمائه السياسي والديني. وهناك جمعيات وتنظيمات ذات طابع ديني إسلامي أو مسيحي. ويشمل اهتمامها المسلمين والمسيحيين من العرب باستثناء بعض الحالات. ومنها على سبيل المثال اتحاد المسلمين برلين B.M.B والجمعية الإسلامية برلين النور ولديهما برامج ثقافية دينية ومسجدان هما مسجد عمر بن الخطاب للأولى ومسجد النور للثانية. وهناك بطريركية الأقباط وبطريركية الروم الأرثوذكس التي تضم فروعاً في برلين وبعض المدن الألمانية الأخرى. إن كثرة الجمعيات والروابط العربية الخاصة بالمهاجرين في برلينوألمانيا يجب ألاً يفسر على انه ظاهرة سلبية بالضرورة. فتأسيسها جاء لاعتبارات ومبررات مختلفة وفقاً لمصالح الأعضاء ومن يهمهم الأمر. ومما لا شك فيه أنها جميعها تقوم بأعمال اجتماعية وأنشطة تصب في صالح المهاجرين كأفراد وكجماعات من هذا البلد أو تلك المنطقة. ولكن قيامها بدور يعبر عن مصالح المهاجرين ككل ما يزال محدوداً. ويعود السبب في ذلك إلى أنها لم تنجح حتى الآن في تنظيم نفسها تحت سقف مشترك يمكن من خلاله تعزيز هذا الدور. ومما يبعث على الأمل أن هناك جهوداً على صعيد التنسيق باتجاه إيجاد مثل هذا السقف وإن كانت ما تزال في بداياتها.