عندما تأسست جامعة صنعاء عام 1971 التحق بكلياتها المحدودة 64 طالباً، وهي الآن - على رغم توسع كلياتها - تعاني من ازدحام طالبي، إذ يلتحق بكلياتها حوالى 100 ألف طالب وطالبة، وهذا العدد يتجاوز قدرة الجامعة على الاستيعاب في ضوء الامكانات المتوافرة. غير أن الطموح إلى تجاوز الضرورات والاحتياجات العلمية والفنية يضاف إلى طموح الشباب الجامعي اليمني في التغيير نحو الأفضل، ففي محطة واحدة يلتقي الحديث عن جامعة صنعاء مع مسيرة 28 عاماً من المحاولات التي لم تتوقف من أجل التحديث وإعادة تشكيل الحياة. ولكثرة أعداد طلاب جامعة صنعاء، وهم جميعاً في سن الشباب وحيويته، فهم يختلفون في أشياء، غير أنهم يجمعون على مجتمع "خاص" لم يشاركوا فيه إلا عندما انتموا إلى الجامعة. بعضهم متفائل، والغالبية لا ترى في المستقبل سوى البطالة. وفي الجامعة 11 كلية تمتد على مساحة كبيرة من الأرض بحجم وامتداد أحلام الشباب ومخاوفهم، طموحاتهم وسوداويتهم. ومن هنا التساؤلات: إلى أي مدى خلقت الجامعة صنعاء وعياً يؤسس لاحتمال مطمئن؟ وماذا قدمت الجامعة لشباب جاءوا بميراث ثقافي يمتد إلى ما هو أعمق من قدرة المنهج العلمي التعليمي وأكثر اتساعاً من قاعات التدريس؟ وللإجابة... كانت هذه الجولة في الجامعة: كان الطلاب منشغلين، فبعد أقل من ساعة سيبدأ الامتحان، أما الذين سبقوهم في امتحان الفترة الأولى فقد تمكنا من اجراء الحوارات القصيرة معهم. كانوا متفائلين ازاء النتائج غير أنهم يتحدثون عن أزمة المراجع وغيابها من مكتبة الكلية ومن مكتبة الجامعة المركزية. وكلية الآداب تحتل معظم مباني جامعة صنعاء القديمة، وهي تضم 10593 طالباً وطالبة موزعين على أحد عشر قسماً. الطالب أنور إبراهيم، قسم الاجتماع، يقول إن الجامعة لا تقوم بدورها كمؤسسة علمية، فهي لا تُقيم الندوات والأمسيات ولا توفر وسائل البحث، ناهيك عن الكتب التي أصبحت الآن قديمة لا تواكب المتغيرات ولا تخلق أجواء المعاصرة العلمية المطلوبة. كلهم يتبرمون ويشكون من امكانات الجامعة كمؤسسة تأهيل، لكنهم يجمعون على دورها في التغيير وفي صناعة السلام الاجتماعي الصداقة، القبول برأي الآخر، احترام حقوق الآخرين. وهناك بعض النشاطات التي يمارسها الطلاب في فترات متباعدة مثل الشطرنج وإقامة المسابقات في الشعر والقصة. الفتيات في كلية الآداب أكثر عدداً من الفتيان، ففي قسم "علم النفس" عام 1998 عدد الاناث 390 بينما لم يتجاوز عدد الذكور 300. وطلاب كلية الآداب أكثر تشاؤماً من زملائهم في بقية الكليات، ويكادون يجمعون على أن البطالة هي ما ينتظرهم بعد إكمال دراستهم الجامعية. وترى زائرة شبام خريجة علم النفس، وتحضر الآن رسالة ماجستير، ان الجامعة هي المكان الوحيد الذي يمكن للفتاة من الحصول على حقوقها. وأبدت شبام أسفاً شديداً ازاء الطلاب الذي لا يرون من الفتاة الجامعية سوى القطب الضعيف في أي علاقة. وبعضهم يرى في الفتاة الجامعية مشروع عشيقة، لأنه ينطلق من ثقافة مريضة موبوءة. وهناك زملاء ناضجون يملكون رؤية واعية للعلاقة بين الذكور والإناث داخل الحرم الجامعي. أما عن المستقبل، فهي ترى فيه الأمل على رغم ضبابية الحياة وقسوتها. مباني الجامعة الجديدة تمتد على مساحة شاسعة من الأرض، وتبقى إشكالية الزحام على رغم القاعات الكثيرة. يقول الدكتور عبدالله المقالح رئيس نقابة أساتذة الجامعة إن طاقة جامعة صنعاء الاستيعابية لا تزيد عن ثلاثين ألف طالب، بينما يصل عدد الطلبة المسجلين إلى مئة ألف، فكيف يمكن تأهيل هذا الرقم الضخم في الامكانات المتواضعة؟ وعن المنهج التعليمي يقول إن المشكلة هي التبعية للمناهج المصرية، وللسياسات التعليمية المصرية التي من ضمنها مجانية التعليم، حيث أصبحت الجامعة عند الكثيرين محطة لا بد من اجتيازها من دون البحث عن بدائل أخرى كالمدارس الفنية ومؤسسات التعليم المهني. كلية التجارة والاقتصاد من أكثر الكليات ازدحاماً في جامعة صنعاء، إذ أن القاعات لا تكفي، وكذلك عدد الأساتذة لا يكفي أيضاً لتأهيل العدد الكبير من الطلاب. ومعظم الطلاب يدرس المحاسبة وإدارة الأعمال. قالت إحدى الطالبات إنها كانت تريد دراسة الأدب الانكليزي في كلية الآداب. لكن دراسة المحاسبة ستزيد من احتمال حصولها على فرصة عمل بعد التخرج. وتتحدث الطالبة إلهام بأسى واضح. قالت إنها تتمنى الدراسة في جامعة أخرى وفي بلد آخر، فربما تحصل على تعليم تريده. هذه الطالبة لديها أحلام لا يمكن تحقيقها من خلال جامعة لا تؤهل الطالب نفسياً ومعرفياً. هكذا قالت. الكل يتحدث عن ضبابية المستقبل باستثناء عدد قليل. وسبب الاستثناء ان المتفائلين موظفون ويدرسون في الجامعة لتحسين وضعهم الوظيفي، إلا متفائلاً واحداً فقد كان سبب تفاؤله "ان اليمن في السنوات المقبلة ستصبح من أكبر الدول المصدرة للنفط في العالم. وسيصبح لكل طالب جامعي وظيفة وسيارة فخمة وخادمة فيليبينية". ولا أدري من أين أتته هذه القناعة. وأضاف ان الطلاب الذين يقولون إن المستقبل لا يبشر بخير إنما يريدون تشويه صورة البلاد في الخارج. وكلية التربية يتجاوز عدد طلابها ثمانية آلاف، معظمهم يرتدي الثوب الأبيض والحزام الذي ليس فيه جنبية لأن دخول السلاح إلى الحرم الجامعي ممنوع. الكثير من طلاب هذه الكلية خريجو معاهد متوسطة حصلوا بموجبها على درجة وظيفية ضمن كشوف القوى العاملة ويدرسون في الكلية لتحسين وضعهم الوظيفي. وعندما سألنا بعضهم وجدنا غياباً كاملاً لأبجديات الثقافة والمعلومات العامة، فهم لا يفرقون بين المصطلحات المتداولة حتى عند العامة. أما أفكارهم تقليدية، وربما يكون المنهج هو السبب. قال أحدهم: "الجامعة مثل المدرسة، مناهج ومذاكرة واختبارات ونجاح إن شاء الله. والمشكلة عندي هي الاختلاط بين الذكور والاناث في الكلية، أما المستقبل فالسؤال عنه بدعة لا يقرها الدين ولا العرف". قال الدكتور أحمد الدغشي الاستاذ في كلية التربية ان الطلاب مساكين لا يعرفون حقوقهم ولا توجد لديهم هموم ثقافية، وما يعنيهم هو توفير ثمن المحاضرات التي يؤلفها الاساتذة ويبيعونها لهم قسراً، فالطالب الذي لا يشتري المحاضرة التي طبعها الدكتور لا يمكنه الحصول على ملحق الاسئلة الخاص بالمادة. لقد حوّل بعض أساتذة الجامعة مهنتهم إلى ما يشبه التجارة مستغلين المشاكل التي تعانيها الجامعة عموماً والتي من ضمنها غياب معظم المراجع. مباني كلية التربية القديمة، معظمها آيل للسقوط. غير أن هناك مباني جديدة بإمكانها حل المشكلة. وكلية التربية مقارنة بغيرها من الكليات لديها وسائل تعليمية جيدة. في العام 1984 انشأت إدارة الجامعة وحدة المختبرات العلمية وتتضمن مختبرات خاصة بعلوم الفيزياء والكيمياء. بالاضافة إلى وحدة التقنيات التربوية، ومختبر للغات يعتمد على معمل الصوتيات يهدف إلى تعليم اللغات كالانكليزية، بالاضافة إلى مكتبة الكلية التي تحتوي على عدد من المراجع المهمة في حقل التربية وعلومها. وغالبية الأساتذة في كلية التربية يمنيون كما في باقي كليات الجامعة. يقول بعض الطلاب ان الاستاذ اليمني عصبي لا يمكن إقامة علاقة طيبة معه بعكس غير اليمني. الدكتور عبدالله المقالح يقول إن للطلاب الحق في تقويمهم ورؤيتهم، غير أن المدرس اليمني لديه الكفاءة العالية التي تجعله قادراً على التعاطي الجيد مع المنهج الجامعي وخلق الوعي من خلاله. وربما يكون بعض الاساتذة عصبيين إلى حد ما، وذلك بسبب ضغط الحياة ومطالبها أمام الراتب الضئيل الذي يتقاضاه اليمني إذا ما قورن بما يحصل عليه الاستاذ غير اليمني سواء في جامعة صنعاء أم في بقية الجامعات في الدول العربية، مع العلم أن اعضاء هيئة التدريس في جامعة صنعاء وصل عددهم هذا العام إلى 1500 أستاذ ومساعد يشكلون ما نسبته 75 في المئة من عدد أعضاء هيئة التدريس في جامعة صنعاء. يجمع الطلاب على ان النشاطات غير الاكاديمية غائبة او موسمية، فهناك صحيفة "صوت الجامعة" تصدر شهرياً وفيها مجهود جيد، بالاضافة الى فعاليات ثقافية بين حين وآخر، كالقراءات الشعرية والقصصية التي اقيمت هذا العام وتم تكريم المبدعين من خلالها. والنشاطات الرياضية موجودة على رغم ضعف الامكانات، ففي الجامعة افضل فريق كرة قدم يمني المنتخب الوطني بأفضل لاعبيه من طلاب الجامعة. وحصلت لاعبة الشطرنج الطالبة مها طربوش الشرجبي على المركز الاول والميدالية الذهبية في مشاركة لجامعة صنعاء ضمن فعاليات رياضية اقامتها جامعة اسيوط في جمهورية مصر العربية. وتعتمد الجامعة على عدد من اصحاب المواهب، وليس من سياسة لتأهيل اكبر عدد ممكن من شباب الجامعة، اذ ان المبدعين يصقلون مواهبهم خارج اسوار الجامعة. وتختلف رؤية الطلاب في الكليات العلمية كالطب والهندسة عن رؤية زملائهم في الكليات النظرية… وكذلك تختلف مشاكلهم والتطلعات والظروف الاجتماعية. معظم طلاب كلية الطلب ينتمون لأُسر قادرة على الانفاق. بينما يعاني القليلون ممن دخلوا كلية الطب بالمجموع المرتفع والمستوى المالي المنخفض لعائلاتهم. غير انهم يجمعون على تفاؤل ازاء المستقبل ويشعرون ان لديهم فرصاً كثيرة للعمل فاليمن لا يزال يحتاج الى كثير من الاطباء والمهندسين. تأسست كلية الطب والعلوم الصحية في العام الدراسي 82/1983 بخمسة وعشرين طالباً ارتفع عددهم الآن الى ما يقارب ثلاثة آلاف. وتتميز كلية الطلب بمبانيها الرائعة الجمال وبتكامل وسائل التعليم وبرؤية طلابها الأكثر تفاؤلاً. وتتميز هذه الكلية بأنها كما يقول البعض كلية النخبة ويتحرك طلاب كلية الطب بسرعة كأنهم ذاهبون الى غرف العمليات. ملابسهم نظيفة جداً. كثيرٌ منهم يضع نظارة سميكة ولديه فرصة عمل تنتظره هكذا يعتقدون بالاضافة الى أسرة قادرة على الانفاق باستثناء ذوي الدخل المحدود الذين يكافحون امام اغراء المستقبل. وحدات كلية الطب ومختبراتها ووسائلها جيدة ولديها اجهزة حديثة للغاية. وهذه الكلية تمثل استثناءً في المستويات كافة. الرؤية لجامعة صنعاء تبدو متداخلة الى حدّ كبير وغائمة: طلبةٌ متشائمون للغاية وقليلون لديهم الامل الكبير. مساحات شاسعة من المباني الحديثة والجميع يشكون من الازدحام. استثناء اجتماعي في اختلاط الذكور والاناث وهناك من يقول بالعودة الى الفصل بين الجنسين. وعندما سألنا الدكتور عبدالعزيز المقالح رئيس جامعة صنعاء المثقف والشاعر الحداثي المعروف عن دوره كرئيس جامعة وكمثقف في خلق الوعي بأهمية التحديث والتغيير بين شباب الجامعة باعتبار هذه المفردات هي المكوّن الرئيسي لرؤيته وقناعاته. أجاب قائلاً: "ارجو تصحيح السؤال ووضع اسم الجمهورية اليمنية بديلاً للمقالح، فالمقالح ليس سوى مواطن يمني وواحد من ضمن الف وخمسمئة عضو في هيئات التدريس في الجامعة، وانا احلم بالتغيير كما يحلم ملايين اليمنيين. اضاف: "هناك تغيير حاصل وشامل - ربما لا يكون وفق الهدف المرجو، فوجود اكثر من مئة الف شاب يتلقون علوم المستقبل ويحلمون بتغيير واقع الوطن هو انجاز كبير. ولكن، من الظلم تحميل جامعة صنعاء مهمة التحديث والتغيير بمفردها. اين تذهبون بالاحزاب والحكومة والمنظمات الجماهيرية والمفكرين، ارجو الحذر من المبالغات وصحيفة "الحياة" من الصحف العربية القليلة التي تكره المبالغات. وعن النشاطات الثقافية واجماع الطلاب - تقريباً - على غيابها، قال المقالح: هذا كلام غير صحيح فهناك نشاطات ثقافية وادبية في كل كلية، ونشاطات في مستوى الجامعة ككل، فقبل شهور اقامت الجامعة فعالية لتكريم المبدعين اشتملت على قراءات شعرية وقصصية وتكريم و جوائز… واستمرت الفعاليات اسبوعاً كاملاً. ومع ذلك لا بد ان نعترف انه وفي النصف الاول من هذا العام اصيبت النشاطات بما يشبه التوقف التام بسبب اضراب اعضاء هيئة التدريس مطالبين بتسوية اوضاعهم المالية. وهناك الآن خطة متكاملة للفصل الدراسي المقبل لتقديم اكثر من مسرحية ونشاط ثقافي عام. ولا ننسى ان ظروفاً معينة أثّرت على مجمل اوضاع الثقافة والابداع في البلاد بكاملها لا في جامعة صنعاء فحسب.