سجلت صناعة مستحضرات التجميل أخيراً حدثين من الأحداث المثيرة التي تعيشها شركاتها، وكان الأول اعلان احدى الشركات الأميركية المشهورة مراجعة خياراتها الاستراتيجية للخروج من مأزق أحد أهم أسبابه تأخرها في طرح منتجات جديدة، وكان الثاني انضمام شركة كندية الى صفوف المشاهير بعدما نجحت في وضع منتجاتها على شفتي وجفني "مونيكا لوينسكي". ومن المؤكد أن توقعات المستهلك بلا حدود، والتهاون في الاستجابة لها كفيل بوضع كل الصناعات في موضع حرج، لكن الأمر يأخذ أبعادا خطيرة في صناعة يصنف الكثيرون منتجاتها ضمن قائمة الكماليات، وستعني الشهرة المفاجئة نقطة تحول مهمة بالنسبة للشركة الكندية، بينما ستعني مراجعة الخيارات الاستراتيجية بالنسبة للشركة الأميركية سلسلة من الاحتمالات المفتوحة أقلها بيع جزء من أصولها لدعم أسعار أسهمها التي فقدت نسبة 58 في المئة من قيمتها في أقل من عام. ويفسر الحدثان مدى الأهمية التي تشكلها مستحضرات التجميل والعطور بالنسبة لمنتجيها. وعلى سبيل المثال منحت شركة عالمية احدى الشركات السعودية ترخيصا يخولها انتاج أحد منتجاتها من العطور محليا، ورغم أن هذه الخطوة ليست من الخطوات الروتينية، الا أنها جاءت على خلفية الأهمية التي تحظى بها السوق السعودية والأسواق الخليجية من قبل صناعة العطور ومستحضرات التجميل العالمية. وقال مسؤول في مجموعة "ايسته لودر اند كومبانيز" ل"الحياة" حول نشاطات الشركة في الأسواق الخليجية: "أعتقد أن القرار الذي اتخذته شركة سعودية محلية بانتاج احدى طبعات عطور بليجيرز مؤشر على موقع منتجاتنا في الأسواق الخليجية التي نعتبرها مهمة جدا ونضعها على قمة أولوياتنا، كما هي الحال في اعتقادي بالنسبة للشركات العالمية الأخرى". وتحمل الاشارة الى موقع الأسواق الخليجية أهمية خاصة في حد ذاتها اذ أنها تأتي من شركة تنفرد بما نسبته 45 في المئة من مبيعات النخب الأول برستيج من العطور ومستحضرات التجميل في أميركا وتمتلك تسع ماركات من الماركات العشر الأكثر مبيعا من مستحضرات العناية بالبشرة والماركات السبع الأولى من مواد الماكياج وتحتل ماركاتها من المنتجات العطرية المراتب الخمس الأولى في مبيعات المتاجر الفخمة مثل "فيفث ساكس افينيو" و"بلومينغديل" في نيويورك، عاصمة صناعة العطور في أميركا الشمالية. وتشتهر السوق الأميركية بالمنافسة الضارية، لا سيما في مجال تجارة العطور التي تشكل نسبة 40 في المئة من سوق منتجات برستيج. وهناك مبررات مغرية للمنافسة في سوق تقدر مؤسسة العطور الأميركية "فريغرانس فاونديشن" حجمها بنحو خمسة بلايين دولار سنويا. وتتنافس في هذه السوق عشرات الشركات العالمية أبرزها "لوريال" التي تمتلك ماركة "لانكوم"، وتراخيص مجموعة من ماركات العطور الأخرى المشهورة مثل "رالف لوران" و"جورجيو أرماني" وتعتبر أقوى المنافسين للشركات الأميركية. وتبوأت "ايسته لودر" موقعها في السوق الأميركية، مثلها مثل منافساتها، بفضل استراتيجية متكاملة من التقنيات والأساليب التي تنتهجها في التعامل مع المنتج التسويقي والبيع بالتجزئة وتدريب أطقم البيع والانفاق على حملات الدعاية والترويج والتمدد في الأسواق العالمية وطرح منتجات جديدة باستمرار تحت ماركتها الأصلية التي تحمل اسمها أو ماركات الشركات التي تتبعها بموجب صفقات التملك أو التراخيص. ورغم أن مجموعة "بليجيرز" التي اختارت الشركة السعودية انتاج احدى طبعاتها لا تزال تحتل المرتبة الأولى في السوق الأميركية منذ اطلاقها كعطر نسائي سنة 1995 وكعطر رجالي سنة 1997 الا أن "ايسته لودر" طرحت منذئذ مجموعتين جديديتين هما "دازلينغ غولد" و"دازلينغ سيلفر،" ما يشير الى أن طرح المنتجات الجديدة هو أهم عنصر من عناصر استراتيجيتها من جهة أنه يمنحها الفرصة للحفاظ على موقعها في مواجهة المنافسة الحادة. ولكن المثير في مجمل هذه الاستراتيجية هي الطريقة التي تتعامل بها مع المنتج وفي ادبيات "ايسته لودر" فإن عطر "بليجيرز" على سبيل المثال ليس مجرد صنف من زهاء ألف صنف من العطور المطروحة في السوق الأميركية ولا يتميز فقط بطريقة انتاجه وتعليبه وتسويقه وثمنه بل يتميز أيضا بإيحاءاته اذ هو، حسب روبن بيرنز، رئيس ماركة "ايسته لودر"، "رمز لمتع العيش، للعائلة والأطفال والنزهة والشمس الدافئة والاسترخاء والارجوحة". وتسوق الشركة منتجاتها تحت 11 ماركة وتشكل العطور نسبة 27 في المئة من اجمالي مبيعاتها من منتجات برستيج في السوق الأميركية والأسواق الرئيسية في العالم، وبلغت قيمة مبيعاتها من العطور في الفصل الثاني من عامها المالي الجاري نحو 370 مليون دولار مسجلة زيادة بنسبة خمسة في المئة عن الفترة نفسها من العام المالي الفائت، الا أن الشركة لا تنشر أرقاما مفصلة حول مبيعات العطور في الأسواق المختلفة بل تصدرها مشتملة على مبيعات مستحضرات التجميل. وتضع "ايسته لودر" أسواق دول الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط وأفريقيا في المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد أسواق الأميركتين وبلغت صافي مبيعاتها في هذه المنطقة الجغرافية الواسعة في الفصل الثاني نحو 328 مليون دولار، أي ما نسبته 27 في المئة من اجمالي مبيعاتها الصافية وتوزعت الحصص الباقية على الأميركتين بواقع 61 في المئة والأسواق الآسيوية بواقع 12 في المئة. وأعلنت الشركة أن مبيعاتها في منطقة اوروبا الشرق الأوسط - أفريقيا سجلت في الفصل المذكور أعلى نسبة زيادة وهي 16 في المئة مقابل سبعة في المئة في الأسواق الأميركية وخمسة في المئة في الأسواق الآسيوية وأرجعت سبب الزيادة الى تحسن الأداء في معظم أسواق دول الاتحاد الأوروبي وكذلك نشاطات التوزيع التي تميز عملياتها في الأسواق الخليجية بشكل خاص. ويشير اتفاق عطر "بليجيرز" الى قيام تعاون بين "ايسته لودر" والصناعة المحلية النشطة في السعودية الا أن الموزعين المحليين يلعبون الدور الرئيسي. وقال مسؤول المجموعة ل"الحياة" الاسبوع الفائت: "نحن نفضل الاعتماد على اسلوب التوزيع في الأسواق الخليجية لأسباب عدة أهمها أن الموزع المحلي أكثر منا دراية بأحوال السوق، كما أن منتجات برستيج ذات طبيعة خاصة ومبيعاتها من الوحدات ليست كمبيعات الشامبو في المتاجر العامة". ويُؤخذ على الشركات الأميركية عموما تأخرها في الاستجابة لطلبات الموزعين المحليين في الأسواق الخليجية، وقال مسؤول "ايسته لودر" الذي طلب عدم ذكر اسمه أن "التأخير نادر الحدوث لكنه يحدث احيانا وتعود بعض أسبابه الى ضرورة التقيد بالقوانين المحلية، ففي السعودية على سبيل المثال لا بد من فحص المنتجات مسبقا للتأكد من تطابقها مع المواصفات القياسية قبل شحنها، وهو اجراء حكيم يهدف الى حماية المستهلك من طيور الليل". وهناك مآخذ أخرى تدخل في اطار دعم الموزع المحلي بالحملات الاعلانية والترويجية المناسبة. وقال مسؤول الشركة المذكورة: "نحن حريصون على توفير أكبر قدر ممكن من الدعم الاعلاني والترويجي للموزع المحلي فضلا عن احترام التقاليد والعادات ويكفي تصفح المطبوعات العربية للوقوف على حجم الاستثمارات التي نسخرها لهذا الغرض". وتواجه "ايسته لودر"، كواحدة من الشركات الأميركية الكبيرة الناشطة في الأسواق الخليجية، منافسة حادة من جانب الشركات الفرنسية على وجه الخصوص وتعترف بهذه المنافسة بل تجعلها عذرا لعدم الكشف عن مبيعاتها في المنطقة. وقال مسؤول الشركة: "بما أن منافسينا لا يكشفون أرقام مبيعاتهم في هذه الأسواق فحري بي ألا أكشف أوراقي أمام المنافسة". وأبدى في هذا المجال تحفظا شديدا ازاء التقارير التي تتناول حصص شركات صناعة التجميل في الأسواق الخليجية. وقال: "تُحسب حصص الشركات طبقا لحجم الواردات من بلدانها الأصلية، وفي الواقع تعمد الشركات الأميركية، ومن بينها "ايسته لودر"، الى انشاء وحدات انتاجية متخصصة في مناطق جغرافية متنوعة وتصدر منتجاتها الى الأسواق من مواقع الانتاج مباشرة، وبعض التقارير التي تتحدث عن الحصص تتجاهل هذه المسألة فتظهر حصة الشركات الأميركية في النتيجة أقل مما هي عليه في الحقيقة". وأضاف: "ما أستطيع أن أؤكده أن السوق الخليجية واحدة من ثلاث أسواق عالمية تسجل أعلى معدلات استهلاك العطور وهي لذلك مهمة جدا بالنسبة لنا ونضعها على قمة أولوياتنا ومؤكد أنها مهمة كذلك بالنسبة لكل المنتجين الرئيسيين. وأعتقد أن أهميتها ستزداد بشكل كبير مع انتشار الصروح التجارية الفخمة التي تضاهي مثيلاتها في باريس ولندن ونيويورك".