أجرت الباحثة في العلوم الاجتماعية الدكتورة مارلين تادرس دراسة ميدانية عن تعرض الزوجات المصريات للعنف من أزواجهن، بعنوان "نساء بلا حقوق - رجال بلا قلوب"، تتبنى منذ سطورها الأولى موقفاً قد يعتبره البعض، خصوصاً من الرجال، منحازاً ضدهم بشكل عام. في مقدمة كتابها، اختارت الباحثة مجموعة من الشهادات تبدو من خلالها آراء الرجال المصريين في المرأة سلبية بشكل عام، أبرزها ما نسبته الى أحد العاملين في مجال حقوق الإنسان في مصر الذي قال ان هناك نوعاً من النساء اللواتي ان لم يضربهن أزواجهن، لاعتقدن أنهم لا يحبونهن". ثم تؤكد في مكان آخر من المقدمة، أنه "من الناحية الثقافية التي تحكم مجتمعات الشرق الأوسط، تعتبر المرأة أقل مرتبة من الرجل، وعلى ذلك فإن العنف ضدها يعتبر في كثير من الأحيان التصرف الطبيعي، بل إن مجتمعاتنا وقيمها الحاكمة تمنح الرجل الحق في تأديب زوجته أن لم تطعه". وفي مضمون الدراسة التي اختارت الباحثة المناطق الشعبية ميداناً لها، نجد أن 30 في المئة من نساء العينة يتعرضن للضرب بشكل يومي، و34 في المئة مرة في الاسبوع، في حين تتعرض 22 في المئة فقط للضرب على فترات متباعدة، عدا الشتائم التي اعتبرتها كل النساء "ظاهرة عادية"، وعلقت واحدة منهن قائلة إن "كل الرجال يسبون زوجاتهم". وفي إجاباتهن على السؤال الأول في الدراسة، والخاص بالمرة الأولى التي تعرضن فيها للضرب من الزوج، ولماذا؟ قالت سامية 45 عاماً ان المرة الأولى التى ضربها فيها زوجها كانت عندما تشاجرت مع شقيقته، وكانت حاملاً في شهرها السادس، وعندما علم الزوج بالمشاجرة أحضر شقيقته لتضربها على بطنها بقضيب حديد الى أن سقطت مغشياً عليها. وروت أخريات أن خروجهن من المنزل من دون رغبة الزوج كان سبب "العلقة" الأولى. وتنوعت وسائل الإيذاء بدءاً بالضرب باليد، وانتهاء بقضبان الحديد، مروراً بالأسلاك والعصي والأحزمة والأحذية بحسب الدراسة، من بينهم واحد تقول عنه زوجته عايدة 27 سنة: "يضربني بيده صفعاً على وجهي فقط، لأنه ليس مثل الرجال الآخرين الذين يضربون زوجاتهم بالخراطيم". وتبين الدراسة ان الخلاف لدواع جنسية يحتل المرتبة الاهم في اسباب تعرض الزوجة للعنف، بشهادة 75 في المئة من نساء العينة. ويأتي مصروف البيت، بعد العلاقة الخاصة، كثاني أبرز سبب لعنف الزوج بحق زوجته. ثم يليه ما يعتبره الزوج إهمالاً من الزوجة في رعاية أموره. أما في ما يتعلق بالمتسبب في العنف، فاعترفت 6 في المئة من الزوجات بأنهن السبب في عنف الرجل، مقابل 41 في المئة ألقين بكل اللوم على كاهل الازواج، والباقيات لم يجبن. تقول فاتن 30 سنة التي ترى أن زوجها هو سبب العنف: "أنا لا أقصر في أي شيء ... لكن تركيبته غير مفهومة، أحياناً ينفجر لأتفه الاسباب وأحياناً اخرى يتغاضى عن أشياء كثيرة". اما منيرة 55 سنة، فرأيها في زوجها بعد 30 سنة من الحياة الزوجية أنه "قليل الأدب". وترى فاتن 38 سنة ان زوجها "جاهل ومفتر ولا يتحمل مسؤولياته"، بينما تعزي زينب 22 سنة عنف زوجها الى "الادمان" الذي يعاني منه، وإيمان 39 سنة الى مرض زوجها "النفساني". وقد يؤدي تكرار الاعتداء مع عجز الزوجة عن الرد 53 في المئة يصمتن، إلى إقدام بعضهن على الانتحار، خصوصاً إذا لم يكن للمرأة أهل أو أقارب يتصدون للزوج العنيف، أو على الأقل يستضيفونها عندما تترك منزل الزوجية. بينما تلجأ 13 في المئة منهن الى الشرطة للإبلاغ عن زوجها المعتدي. وفي البعد النفسي للظاهرة، يأخذ اختصاصي الطب النفساني الدكتور محمد شعلان على الباحثة حصر عينة الدراسة في المناطق الشعبية، "ما أفقدها قدراً كبيراً من موضوعيتها، لا سيما أنها لم تذكر أن العينة المختارة ليست شاملة، وإنما انتقائية". وينتقل للحديث عن العنف كسلوك إنساني وازدياده في المجتمع المصري وأسبابه، فيقول: "من بين التغيرات العميقة التي طرأت على المجتمع المصري في العقود الثلاثة الاخيرة، ارتفاع درجة العنف في سلوك الأفراد. فالمؤسف أن ثقافة العنف الواردة من الولاياتالمتحدة تجد لها متسعاً في عقول المصريين، نتيجة التأثر أولاً بفكرة البطل التي تقدمها السينما الاميركية، ثم ضغوط الحياة الكثيرة التي أدت، الى جانب زيادة الأعباء على الأفراد، الى تراجع فرص الترويح والتنفيس عن الكبت، سواء العاطفي أو النفسي. وهكذا تظل مشاعر الغضب كامنة في النفوس، وتزداد يوماً بعد يوم إلى أن تأتي لحظة تنفجر فيها على الطريقة الاميركية. فنجد الشخص إما يضرب أو يقتل أو يشوه، وما إلى ذلك من سلوك عنيف. وما يقال عن الرجل ينطبق على المرأة، إذ أن مراجعة معدلات الجريمة النسائية في السنوات الأخيرة يكشف زيادة مفرطة فيها عما كان موجوداً قبل 30 أو 40 عاماً". ويضيف إن ظاهرة رد الزوجة على عنف زوجها المعتدي بدأت تلاحظ على نطاق أوسع، وهو أمر لم يكن مألوفاً في السابق، ويدل على زيادة إقبال النساء على العنف، من ناحية، ويعكس تراجع دور الأهل في تسوية المشاكل الزوجية من ناحية أخرى. ففي الماضي كانت أسرة الزوجة تسارع بالتدخل لرأب أي صدع في هيكل العلاقة الزوجية، وهو ما كان يغني الزوج في أحوال كثيرة عن اللجوء الى العنف. أما اليوم، فكل مشغول بحاله، والزوج يعرف ذلك، فيستعرض عضلاته. والزوجة تعرف ذلك ايضاً، فلتجأ الى يديها لأخذ حقها، فتتحول البيوت الى حلبة مصارعة دون حكام".