أعلنت احدى شركات النقل الجوي المحلية في بريطانيا الاسبوع الفائت انها تدرس امكانية شراء طائرة "بوينغ 717" من فئة 106 مقاعد، ولكن حين أبدى رئيسها رغبته في قيام عملاق صناعة الطيران التجاري بانتاج طائرات اصغر حجماً من فئة 70 - 85 مقعداً كان كمن يصب الزيت على منافسة ملتهبة بين اثنين من كبار منتجي طائرات الركاب النفاثة من الفئة الصغيرة: "بومبارديه" الكندية ومنافستها البرازيلية "امبريير". وكانت مجموعة "بوينغ" طرحت طائرتها الجديدة، التي ينتظر تدشينها في وقت لاحق من السنة الجارية، بوصفها مصممة خصيصا لنقل الركاب في الرحلات القصيرة، وهي، بحسب مصادر الشركة الاميركية، تتمتع بميزات لا يمكن التقليل من اهميتها في هذا النوع من الرحلات مثل القدرة على القيام بثمان الى 12 رحلة يومياً ومرونة الحركة في المطارات الصغيرة، والاقتصاد في السعر وكلفة التشغيل والصيانة، علاوة على منح الركاب فسحة مريحة داخل الطائرة. وللطائرة "بوينغ 717" قصة، اذ بدأت "ماكدونالد دوغلاس" تطويرها تحت اسم "ام دي - 95" كبديل لطائرتها القديمة "دي. سي - 9". وبعد تملك "بوينغ" شركة "ماكدونالد دوغلاس" في صفقتها المشهورة، طرحتها باسمها الجديد وبلغت حصيلة تسويقها حتى الآن 100 طلب مؤكد في اميركا و15 طلباً خارجها و100 خيار شراء. وتخضع الطائرة حالياً لاختبارات نهائية تمهيداً لحصولها على شهادات التسجيل وادخالها الخدمة من قبل احدى شركات الطيران الاميركية في ايلول سبتمبر المقبل. وذكر "وارن لامب" المتحدث الرسمي باسم "بوينغ" ل"الحياة" ان الطائرة الجديدة ورثت عن سابقتها "دي. سي - 9" هيكلها الأساسي، مع ادخال تعديلات طفيفة لزيادة عدد مقاعدها من 85 الى 106 مقاعد. لكن مكوناتها الاخرى جديدة بمجملها بما في ذلك المحركات انتاج "بي. إم دبليو/ رولز رويس" والكسوة الداخلية وقمرة القيادة وأنظمة الملاحة. وأشار في شكل خاص الى ان عملية اعادة التصميم اخذت في الاعتبار آراء وحاجات شركات طيران في اميركا وأوروبا وآسيا وبينها شركات طيران عربية عدة. ولم تعلن "بوينغ" حتى الآن تلقي طلبات من شركات الطيران العربية لاقتناء الطائرة "بوينغ 717" علماً ان الصفقات لا تعلن الا بعد اتخاذ الجهة المعنية بالشراء قراراً نهائياً. وقال المتحدث باسم "بوينغ" ان السوق المحتملة ستشمل شركات الطيران التي تملك الطرازات القديمة من الطائرة "دي سي - 9" و"بوينغ 727" و"بوينغ 737" فضلا عن شركات الطيران الاقليمية التي تملك طائرات ركاب مروحية وترغب باستبدالها، مشيراً الى طائرات فئة "100" مقعد تستخدم عادة في الرحلات القصيرة التي تراوح بين 550 و925 كلم. وتعليقاً على رغبة "مايكل بيشوب" رئيس شركة "ميدلاند" البريطانية في انتاج "بوينغ" طائرات اصغر حجماً فئة 75 الى 80 مقعداً كشف المتحدث عن وجود نية لدرس امكانات انتاج نسخة معدلة من الطائرة "بوينغ 717" وقال "لدينا دراسات لانتاج طائرة اصغر حجماً لكن لم يتخذ حتى الآن قرار نهائي بشأنها اذ ما زالت الطائرة "بوينغ 717" التي تحمل الرمز التصنيفي" "200" هي الوحيدة قيد الانتاج في الوقت الراهن". وأضاف وارن، في اتصال هاتفي من مقر المجموعة في سياتل، "ما استطيع اؤكده لك ان امكان انتاج طائرة اصغر حجماً من العائلة نفسها هو الآن قيد الدرس، وما زال من السابق لأوانه اعلان ذلك رسمياً، والمرجح ان تكون الطائرة المقترحة من فئة 80 - 85 مقعداً وتحمل اسم "بوينغ 100 - 717" ولكن الحد الأدنى للطاقة الاستيعابية لن يقل بالتأكيد عن 80 مقعداً". وقدرت مجموعة "بوينغ" حاجات السوق الدولية من طائرات الركاب فئة 80 - 120 مقعداً في العقدين المقبلين بنحو 2500 طائرة تراوح قيمتها الاجمالية بين 70 و90 بليون دولار، واعترف المتحدث باسم المجموعة ان عدم توافر النية لانتاج طائرات من فئات تقل عن 80 مقعدا يعطي المنتجين الآخرين مجالاً رحباً للتنافس في سوق عالمية ضخمة، تقدر حاجاتها في الفترة نفسها بنحو عشرة آلاف طائرة فئة 50 مقعداً، تراوح قيمتها بين 160 و180 بليون دولار. وتشكل الطائرة النفاثة فئة 50 مقعداً احدث عنصر في مجال الطيران الاقليمي الذي ظل لعقود طويلة حكراً على طائرات النقل المروحية التقليدية والنوع الأحدث من الطائرات المروحية ذات المحركات التوربينية، لكنها لم تدخل الخدمة بأعداد كبيرة الا في العامين الأخيرين، لا سيما في الولاياتالمتحدة وهي اكبر سوق لهذا النوع المتخصص من طائرات النقل الجوي الذي يدرج في بعض البلدان الاخرى في اطار النقل الداخلي. وذكر "الاتحاد الاميركي للطيران الاقليمي" ان طائرات الركاب النفاثة ستشكل نحو ثلثي اجمالي حاجات السوق الاميركية من الطائرات الاقليمية في العقد المقبل، وقدر هذه الحاجات للفترة المذكورة بنحو 1280 طائرة قيمتها 20 بليون دولار، مشيرا الى ان الطائرة فئة 50 مقعداً ستشكل العمود الفقري لأساطيل الطائرات الاقليمية الاميركية في المستقبل المنظور، وهو موقع تحتله في الوقت الراهن الطائرات المروحية التوربينية من فئة 31 - 40 مقعداً. وتظهر التقديرات الخاصة بحاجات السوق مدى شدة الاغراءات التي يتعرض لها منتجو الطائرات الاقليمية ذات المحركات النفاثة، لا سيما "بومبارديه" و"امبريير". وتعتبر هاتان الشركتان، بهذا الترتيب، اكبر منتجي طائرات الركاب التجارية بعد "بوينغ" و"ايرباص" والمنتجان الوحيدان للطائرات النفاثة فئة 50 مقعداً، علماً ان الشركة الكندية دشنت اول انتاجها من طائرتها الاقليمية "سي آر جي 100/200" سنة 1992 وتبعتها منافستها البرازيلية بطائرة من الفئة ذاتها "اي . آر. جي 145" سنة 1996. وتفتقد الشركتان الى الكثير من الود بينهما كما يتضح من حصيلة المبيعات المعلنة لكل منهما، اذ حصلت الطائرة الكندية على 677 طلباً وخيار شراء 539 طلبات مؤكدة و138 خيار شراء منذ ادخالها الخدمة سنة 1992. وانتج منها حتى الآن 301 طائرة. وفي المقابل حصلت منافستها البرازيلية على 454 طلباً وخيار شراء 239 طلباً مؤكداً و215 خيار شراء منذ 1996 فقط. وانتج منها 106 طائرات. ومما زاد الأمر صعوبة بالنسبة الى "بومبارديه" ان "امبريير" تستعد لتسليم طائرة معدلة فئة 37 مقعداً في تموز يوليو المقبل، بعدما حصلت على 134 طلب شراء مؤكداً و175 خيار شراء. وأدت المفارقات الكبيرة في حصيلة المبيعات الى اتهامات متبادلة طاولت الدعم الحكومي وحتى حقوق الدول الصناعية ممثلة بكندا مقابل حقوق الدول النامية ممثلة بالبرازيل، ودفعت بالبلدين المذكورين الى الاحتكام الى منظمة التجارة العالمية، لكن المثير حقا ادراك الشركتين ان التركيز على انتاج طائرات الفئة 50 مقعداً لن يحقق لأي منهما استفادة كبيرة من تلبية حاجات السوق المرصودة للعقدين المقبلين، بسبب محدودية الطاقات الانتاجية المتوافرة لكل منهما والمقدرة حالياً بنحو سبع طائرات شهرياً. وكما في حال برنامج الطائرة فئة 50 مقعداً، كشفت "بومبارديه" استراتيجيتها في وقت مبكر اذ اطلقت سنة 1997 برنامجاً لانتاج طائرة معدلة فئة 70 مقعداً، وتعمل ورشاتها في مونتريال على اجراء التشطيبات النهائية على ثلاثة نماذج تجريبية تمهيداً لاخراجها الى المدرج الشهر المقبل، وحصلت هذه الطائرة على 96 طلب شراء مؤكداً و138 خيار شراء حتى الآن، مما اعتبرته الشركة نجاحا كبيرا حققه برنامجها الجديد في وقت قصير نسبياً. ويعتمد انتاج الطائرة "سي آر جي 700" على تصميمات سابقتها "سي. آر. جي 100/200" فئة 50 مقعداً، وتنوي "بومبارديه" انتاج نسختين من الطائرة الجديدة الاولى من فئة 70 مقعدا والثانية من فئة 72-78 مقعداً، وستزود كل منهما بمحركين متطورين من انتاج "جنرال الكتريك" يحققان وفراً في استهلاك الوقود بنسبة ثمانية في المئة مقارنة بالطائرة الأصلية. ومن المتوقع ان تبدأ عمليات التسليم في الفصل الاخير من العام المقبل. وأعرب بيرت كيرتشينغ، احد المعنيين بالبرنامج الجديد، عن اعتقاده ان الطائرة "سي. آر. جي 700" ستثير اهتمام شركات الطيران في الدول العربية، مشيراً الى ان "بومبارديه" على اتصال مستمر بزبائن محتملين، لكنه لم يكشف عن هويتهم وقال: "لست مخولاً الكشف عن الأطراف التي أبدت اهتماماً باقتناء الطائرة او الأطراف التي تحدثنا اليها وهذه المعلومات تبقى سرية الى حين يتخذ الزبائن قراراً نهائياً". وامتنع عن التعليق على موقف "بوينغ" من مسألة انتاج طائرة ركاب فئة 70 مقعداً، وقال ل"الحياة": "بالنسبة الينا والى منتجنا فنحن على ثقة بأن لدينا المنتج المناسب بالسعر المناسب"، وأضاف مشيراً الى طائرة الفئة 50 مقعداً: "كان النجاح حليفنا حين تعرفنا على الفرصة المتاحة في السابق وتكرر لنا ذلك مع الطائرة الجديدة". الا ان موقف "بوينغ" حمس بالتأكيد شركة "امبريير" على دخول المنافسة مع "بومبارديه" اذ اعلنت اخيرا نيتها تطوير طائرة من فئة 61 - 80 مقعداً تحت اسم "اي. آر. جي 170"، وقال موريسيو بوتيللو رئيس الشركة في مؤتمر صحافي مفاجئ اخيراً ان قراراً نهائياً بشأن اطلاق برنامج الطائرة الجديدة سيتم اتخاذه قبل نهاية الفصل الثاني من السنة الجارية على ان تبدأ عمليات التسليم الاولى سنة 2002. وكان مسؤولو "امبريير" اعلنوا في مناسبات عدة ان الشركة لن تدخل مجال انتاج طائرات الركاب من فئة 70 مقعداً قبل اتضاح نية "بوينغ" في هذا المجال.
