مونتريال - كشفت شركة "بومبارديه ايروسبيس" الكندية أخيراً أحدث مشاريعها في مجال انتاج الطائرات الخاصة برجال الأعمال، وهي مشروع طائرة نفاثة اطلقت عليها اسم "بومبارديه كونتننتال جيت" واختارت للتعريف بها مناسبة انعقاد المؤتمر السنوي لاتحاد منتجي طائرات الأعمال في لاس فيغاس. ويأتي المشروع الجديد بعد أسابيع قليلة من بدء الشركة تسليم طائرتها الحديثة "ليرجيت - 45" وقبل نحو سنة من الشروع في تسليم الوحدات الأولى من أحدث طائراتها المرخصة "غلوبال اكسبريس". و"بومبارديه ايروسبيس"، التي تنتج كذلك طائرات اقليمية مروحية ونفاثة، واحدة من خمس شركات تملكها مجموعة "بومبارديه" وتديرها من مقرها الرئيسي في مدينة مونتريال وهي من أكبر شركات الصناعات الجوية الكندية المقدر عددها بنحو 400، وتحتل المركز الثالث بين كبار منتجي الطائرات المدنية في العالم بعد مجموعة "بوينغ" الأميركية و"ايرباص اندستري" الأوروبية. وبلغت الشركة مكانتها الحالية في فترة زمنية قصيرة نسبياً لا تزيد على 12 عاماً. ويعزو المهتمون بالصناعات الجوية هذا "الانجاز" إلى عوامل عدة تبدأ من الحظ والاستثمارات الكندية الضخمة في الصناعات الجوية وتنتهي إلى القدرة على تحويل النظرة الاستراتيجية إلى قرارات جريئة تتوافر لها مصادر تمويل سخية. أما لوران بودوان، رئيس المجموعة وصهر مؤسسها جي ارماند بومبارديه، فيعزو نجاح الشركة إلى تبني سياسة انتاجية تقوم على الاستجابة السريعة للتغيرات في متطبات السوق. وقال: "استثمرنا على مدى 12 عاماً أكثر من أي منتج آخر لتقديم منتجات جديدة في مجال تخصصنا. ومنذ عام 1992 ادخلنا إلى السوق طائرة مرخصة كل عام وسنحافظ على هذا المعدل حتى سنة 2000". وأعطى مدير الاتصالات ليو كنابن مزيداً من التفاصيل إذ قال ل "الحياة": "تضم سجلاتنا طائرة جديدة كل عام اعتباراً من إدخال الطائرة الاقليمية النفاثة ريجنال جيت - 200 الخدمة سنة 1992، وعلاوة على لير جيت - 45 وغلوبال اكسبريس والطائرة الجديدة التي سنكشف عنها الاسبوع المقبل هناك من طائرات الأعمال كندا اير - الاصدار الخاص وتشالينجر - 604 وأخيراً الطائرة الاقليمية المروحية داش 8-400". وتشكل الطائرات الاقليمية وطائرات الأعمال نحو 75 في المئة من مبيعات "بومبارديه" الحصة الباقية للطائرات البرمائية والخدمات، وتختلف شهرة وحصة كل منهما باختلاف الأسواق، إذ تطغى طائرات الأعمال على المبيعات في الشرق الأوسط وتنفرد الطائرات الاقليمية بالصفقات الضخمة في السوق الأميركية، لكنهما تشتركان في اعطاء "بومبارديه" موقعها في صناعة الطائرات المدنية. ريجنال جيت وتعترف صناعة الطائرات ل "بومبارديه ايروسبيس" بانجاز ثان هو الريادة في تطوير الطائرة الاقليمية النفاثة "ريجنال جيت" التي كانت أول مشروع ضخم تنفذه الشركة بعد تأسيسها عام 1986 وأصبحت اليوم تشكل القسم الأكبر من مبيعاتها ومشاريعها المستقبلية. بدأت قصة "بومبارديه" مع مشروع "ريجنال جيت" بصفقة عقدتها مع الحكومة الكندية لشراء صناعة الطائرات "كندا اير"، وبلغت قيمة الصفقة 90 مليون دولار أميركي وشملت أمرين مهمين: موافقة الحكومة على تحمل ديون متراكمة تناهز بليون دولار وطائرة أعمال من نوع "تشالينجر - 600" أنفقت الحكومة على تطويرها نحو 900 مليون دولار. وحتى ذلك الحين، كانت الطائرات المروحية الوسيلة الوحيدة المتوافرة للتنقل جواً بين المدن القريبة من بعضها بعضاً والانتقال من المدن الصغيرة إلى مطارات الرحلات الدولية في المدن الرئيسية. وفي 1987 أجرت "بومبارديه" دراسة ميدانية حول الجدوى الاقتصادية لانتاج طائرة نفاثة مخصصة لخدمة الخطوط الداخلية. وجاءت نتيجة الدراسة مشجعة بما فيه الكفاية لاطلاق مشروع "ريجنال جيت". وتضمن المشروع، الذي تم تنفيذه في مصانع "كندا اير" الواقعة في ضواحي مونتريال، إعادة تصميم طائرة "تشالينجر" لزيادة طاقتها الاستيعابية من 12 إلى 50 راكباً، وبلغت نفقاته نحو 200 مليون دولار. لكنه منح "بومبارديه ايروسبيس" مدخلاً واسعاً إلى سوق متخصصة يقدر حجم الطلب فيها بنحو 150 بليون دولار على مدى العقدين المقبلين. وبدأت الطائرة الاقليمية التي اطلق عليها اسم "ريجنال جيت - 200" أولى رحلاتها المنتظمة على الخطوط الداخلية لشركة "لوفتهانزا" في تشرين الأول اكتوبر 1992. وهناك اليوم 256 طائرة تعمل ضمن أساطيل 16 شركة طيران في 11 بلداً، فضلاً عن طلبات مؤكدة لشراء 131 طائرة وخيارات لشراء 198 طائرة، ما حدا الشركة المنتجة إلى رفع طاقة الانتاج تدريجاً لتصل حالياً إلى 77 طائرة سنوياً. وتؤكد "بومبارديه ايروسبيس" ان مبيعات "ريجنال جيت - 200" كانت الدافع وراء قرار أعلنته بداية العام الماضي لانتاج نسخة معدلة تتسع لپ70 راكباً وقرارها الشهر الماضي درس حاجة السوق إلى طائرة اقليمية تتسع لپ90 راكباً. وقال رئيس الشركة روبرت براون في بيان صحافي إن "سوق الطائرات الاقليمية في ازدهار مستمر. لقد عملنا على خلق هذه السوق ونريد الاحتفاظ بمركزنا". "تاغ ايرونوتكس" ويعتقد المهتمون بصناعة الطائرات والمشتغلون فيها، ومن بينهم مهندسون عرب يعملون في مصانع "بومبارديه"، طلبوا عدم ذكر اسمائهم، ان برنامج "ريجنال جيت" قام على نظرة استراتيجية تطلبت قراراً جريئاً بسبب شكوك جدية غير معلنة حول مستقبل هذه الصناعة والوجود الطاغي لعمالقة صناعة الطيران المدني "بوينغ" و"ماكدونيل دوغلاس" و"ايرباص اندستري". وأكدت التطورات اللاحقة ان "ريجنال جيت" كانت مغامرة درست بعناية. وعلى رغم أنها أدت إلى دخول لاعب كبير إلى هذه السوق المتخصصة وقيام منافسة حادة دفعت المتنافسين للاحتكام إلى منظمة التجارة الدولية العام الماضي، إلا أن "بومبارديه" عملت بسرعة على دعم وتطوير موقعها المهم في صناعة طائرات الأعمال، جنباً إلى جنب مع صناعة الطائرات الاقليمية. وتبرز من استراتيجية طائرات الأعمال ثلاث خطوط رئيسية. إذ إضافة إلى شركة "كندا اير" وطائرة "تشالينجر - 600"، أضافت "بومبارديه" إلى أصولها شركة "شورت براذرز" عن طريق صفقة مع الحكومة البريطانية عام 1989 ثم شركة "لير جيت" في العام التالي، وأخيراً "دي هافيلاند" عام 1992. لكن أهم تطور تضمنته الاستراتيجية، خصوصاً في ما يتعلق بالشرق الأوسط، كان اتفاقاً يعود إلى 1977 ويمنح، بوضعه الحالي، شركة "تاغ ايرونوتكس" تمثيلاً حصرياً لتوزيع منتجات "بومبارديه" في 22 دولة إسلامية وعربية. وتتأكد أهمية هذا الاتفاق من واقع نجاح "تاغ ايرونوتكس" في تسويق 53 طائرة في المنطقة المذكورة حتى العام الماضي. وتعتبر "تاغ ايرونوتكس" وتتبع مجموعة "تاغ غروب" التي يرأسها رجل الأعمال السعودي منصور اوجيه أحد أكبر اللاعبين في مجال خدمات طائرات الأعمال في دول الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط. وتملكت في تشرين الأول اكتوبر الماضي معرض "فارنبورو" في بريطانيا وقبله بأشهر عدة مجموعة تأجير الطائرات السويسرية "ايروليسينغ غروب". وأكد رئيس وحدة طائرات الأعمال في "بومبارديه ايروسبيس" مايكل غراف اهمية الدور الذي تلعبه "تاغ" في أسواق الدول الاسلامية والعربية. وقال: "كانت تاغ على الدوام شريكاً مهماً ونتطلع معاً الى المزيد من السنين المثمرة". وأشار الى أن "تاغ" دشنت مبيعات غالبية طائرات الأعمال خصوصاً "تشالينجر - 600" التي أدخلت الخدمة عام 1981 ثم "كندااير" الاصدار الخاص و"تشالينجر - 604" وأخيراً "غلوبال اكسبريس". وكانت "تاغ" تعاقدت مع "بومبارديه" في تشرين الثاني نوفمبر الماضي لشراء عشر طائرات مناصفة من تشالينجر - 604 وغلوبال اكسبريس، وبلغت قيمة الصفقة 250 مليون دولار وجاءت بعد صفقة مماثلة اعلنت مع اطلاق مشروع "غلوبال اكسبريس" عام 1993. وتشكل "تشالينجر" التي ستدخل الخدمة في وقت لاحق من السنة الجارية و"غلوبال اكسبريس" نهاية 1999 نحو 60 في المئة من اجمالي مبيعات طائرات "بومبارديه" في منطقة امتياز "تاغ". منافسة ووصفت "بومبارديه" الجانب المتعلق بطائرة "غلوبال اكسبريس" من صفقتها الأخيرة مع "تاغ" بأنها أكبر صفقة في تاريخها. وقالت ان الصفقة رفعت عدد طلبات الشراء المؤكدة في حينها الى 70، لكن أهميتها الفعلية ترتبط بموقف الشركة التنافسي ازاء شركات مشهورة تمتلك حصصاً كبيرة من سوق طائرات الأعمال في الشرق الأوسط مثل "غالف ستريم ايروسبيس". ويمتنع المسؤولون في "بومبارديه" عادة عن الاجابة على اسئلة تتعلق بالتسويق والمنافسة في المنطقة، لكن ليو كنابن زعم ان "غلوبال اكسبريس" مكنت شركته من التغلب على منافستها الرئيسية غالف ستريم، على رغم امتناعه عن اعطاء أرقام مفصلة سوى الاشارة الى ارتفاع اجمالي عدد الطلبات المؤكدة في الوقت الحالي الى 80 طائرة لكل الأسواق. وقال: "مكنتنا غلوبال اكسبريس من التغلب على غالف ستريم في كل المنافسات المباشرة التي دخلناها معاً وأصبحنا الآن أهم مصدر لطائرات الأعمال في المنطقة". وتعتبر هذه واحدة من اللكمات التي تتبادلها "بومبارديه" مع منافساتها بين الحين والآخر، وتأتي بعد فترة وجيزة من اطلاق أحد مسؤولي "غالف ستريم" تصريحات علنية تشكك بأرقام "بومبارديه" حول مبيعات "غلوبال اكسبريس". وبعيداً عن اللكمات أخذت المنافسة بين "بومبارديه" و"غالف ستريم" بعداً جديداً حين نجحت الأخيرة في الحصول على أكبر صفقاتها في الشرق الأوسط من مجموعة من المتمولين تخطط لطرح برنامج "الملكية السهمية" في المنطقة بالتعاون مع شركة "اكزيكيوتيف جيت". وتتألف الصفقة، التي وقع اتفاقها في معرض دبي الأخير وجرى تسليم الدفعة الأولى منها الشهر الماضي، من 12 طائرة غالف ستريم -4 قيمتها 335 مليون دولار. وأكدت "غالف ستريم" أهمية صفقة الملكية السهمية بالنسبة الى مستقبل مبيعاتها في الشرق الأوسط. وقال كينيث موردوف مدير العلاقات العامة في اتصال هاتفي من مونتريال: "نرى في هذه الصفقة اختراقاً مهماً سيساهم بالتأكيد في دعم موقعنا في أسواق المنطقة". وكشف في الوقت نفسه عن حصول الشركة على عقد يعتبر الثاني من نوعه السنة الجارية بعد اتفاقها مع الخطوط الجوية الكويتية في اذار مارس حول صفقة تتألف من ثلاث طائرات قيمتها 115 مليون دولار. وقالت "غالف ستريم" ان هذه الصفقة رفعت اجمالي مبيعاتها في الشرق الأوسط الى 67 طائرة. ولا يبدو أن "بومبارديه" تشعر بارتياح للتطور الجديد. وعلى رغم انها أبدت تحفظاً ازاء قدرة برامج "الملكية السهمية" على تنشيط المبيعات في كل الأسواق، لم يستبعد ليو كنابن احتمال القيام بمبادرة في الشرق الأوسط. وقال: "نركز جهدنا في الوقت الحالي على زرع بذور البرنامج في دول الاتحاد الأوروبي كخطوة أولى ومبادراتنا في المناطق الأخرى تتوقف على توافر مبررات الجدوى الاقتصادية". وتمتلك "بومبارديه" برنامجاً خاصاً بها أطلقته قبل ثلاثة أعوام في الولاياتالمتحدة تحت اسم "المشاركة الوقتية" ويتألف حالياً من 36 طائرة سيتم زيادتها نهاية السنة الجارية الى 60 طائرة يمتلكها 200 مشترك. ويأتي برنامج "بومبارديه" الذي تديره شركة "فليكس جيت" في المرتبة الثانية بعد شركة "اكزيكيوتيف جيت" وبرنامجها "نيت جيت". لكن "بومبارديه" لم تخف دعم أطقم المبيعات في مكتبها الاقليمي في دبي. وقال ليو كنابن: "ما نحاول عمله الآن تركيز مبيعات كل طائرات الأعمال في دبي ومن هناك يتم تنسيق عمليات تسويق المنتجات الرئيسية غلوبال اكسبريس، تشالينجر - 604، ليرجيت - 45 في الأسواق الأخرى. دبي مركز مهم ومفترق طرق بالنسبة لنا". وأشار الى أن أطقم المبيعات تقوم بمهامها بالتعاون الوثيق مع "تاغ".