في سابقة هي الأولى أطلقت السلطات المصرية أمس 1200 أصولي اعتقلوا بموجب قانون الطوارئ خلال السنوات الست الماضية. وكان اللافت أن جميع هؤلاء من المحسوبين على تنظيم "الجماعة الإسلامية". وجاء الإجراء بعد نحو شهر من قرار التنظيم وقف العمليات المسلحة داخل البلاد وخارجها. كما يأتي في ظل سياسات متشددة تتبعها الحكومة ضد أعضاء "جماعة الجهاد" التي يقودها الدكتور أيمن الظواهري الذي كان أعلن رفضه "وقف العمليات"، واعتبره "مهادنة للأميركيين والإسرائيليين". ارتفع عدد الإسلاميين المصريين المعتقلين على ذمة قانون الطوارئ الذين اطلقتهم السلطات منذ بداية العام الماضي الى نحو سبعة آلاف شخص بعدما خرج أمس 1200 معتقل في إجراء هو الأبرز منذ اعتمدت وزارة الداخلية المصرية سياسة تقوم على تصفية مواقف المعتقلين والتي اتبعها وزير الداخلية السيد حبيب العادلي بعد توليه مهمات منصبه عقب حادثة الأقصر الشهيرة التي وقعت في تشرين الثاني نوفمبر 1997. وقالت مصادر مطلعة إن غالبية الذين اطلقوا أمس ينتمون الى "الجماعة الإسلامية" في محافظات الصعيد وان الباقين ينتمون الى التنظيم نفسه في محافظاتالقاهرة والجيزة والوجه البحري، مشيرة الى أن الإجراء جاء بعد دراسات متأنية لمواقف هؤلاء والتأكد من أنهم لن ينخرطوا في أعمال العنف مستقبلاً. ونفت المصادر أن يكون الإجراء تم في إطار صفقة بين الحكومة و"الجماعة الإسلامية" تقضي بأن يقوم التنظيم بوقف العمليات في مقابل إطلاق اعضائه المعتقلين. وفسرت الإجراءات المتتالية التي تصب في اتجاه تهدئة الصراع مع "الجماعة الإسلامية" بأن حملات الاعتقال "كانت تتم بهدف الوقاية من عمليات محتملة وأن توقف التنظيم عن ممارسة العنف كان لاپبد أن تستتبعه تصفية لمواقف كل من يثبت أنه لن ينخرط في اعمال مخالفة للقانون"، مؤكدة أن الاعتقالات "ليست هدفاً في ذاتها وإنما سياسة اضطرت إليها الحكومة لفترة للسيطرة على الموقف الأمني في البلاد". ونفى المصدر أن يكون إطلاق المعتقلين "يعني بأي حال أن هناك حواراً مع الاصوليين"، موضحاً أن الإجراء "شمل عناصر من الجماعة الإسلامية أمضوا فترة العقوبة الصادرة في حقهم في قضايا مختلفة ثم اعتقلوا على ذمة قانون الطوارئ وآخرين اعتقلوا مباشرة عقب القبض عليهم من دون أن يتهموا في قضايا بعينها". ووصف محامي "الجماعة الإسلامية" في مصر منتصر الزيات الإجراء بأنه "إيجابي"، واعتبر أنه "يبعث على التفاؤل ويصب في خانة تقويض اسباب العنف". وقال الزيات ل"الحياة": "إن قضية المعتقلين ظلت أحد أهم أسباب أزمة العنف ومن الطبيعي أن يكون عدد المعتقلين كبيراً ويتناسب مع إعلان قادة الجماعة الإسلامية في الخارج تأييد مبادرة وقف العنف، التي اطلقها القادة التاريخيون للتنظيم بوقف العمليات المسلحة"، وشدد على ضرورة أن تستمر الحكومة في سياسة إطلاق المعتقلين بموجب قانون الطوارئ والصادر في حقهم أحكام قضائية باطلاقهم. وكان القادة التاريخيون ل"لجماعة الإسلامية" الذين يقضون عقوبة السجن في قضية اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات اطلقوا في تموز يوليو العام 1997 مبادرة سلمية من جانب واحد تقضي بوقف العمليات المسلحة داخل مصر وخارجها، لكن قادة التنظيم في الخارج اعترضوا على المبادرة وتسببت حادثة الأقصر في تفاعلات شديدة داخل التنظيم بعدما أيدها بعضهم ورفضها آخرون. وأصدرت "الجماعة" بياناً في شباط فبراير العام 1998 أعلنت فيه أنها تدرس التعاطي بإيجابية مع المبادرة السلمية، ثم عادت وأصدرت في 24 آذار مارس الماضي بياناً أعلنت فيه موافقتها على المبادرة واصدرت قراراً بوقف العمليات المسلحة. وطالب الزيات الحكومة بوقف إحالة المدنيين على المحاكم العسكرية، مؤكداً أن اتخاذ مثل ذلك القرار سيساهم بدرجة أكبر في تجفيف أسباب العنف. وأشاد المحامي سعد حسب الله بالقرار وتمنى على وزارة الداخلية مراجعة مواقف بقية المعتقلين السياسيين. ومن جهته وصف مدير "المرصد الإعلامي الإسلامي" في لندن ياسر توفيق السري القرار بأنه "حق لمن اطلقوا وليس منة من الحكومة"، وقال، في اتصال هاتفي مع "الحياة" في القاهرة أمس: "من اطلقوا اعتقلوا أساساً على ذمة قانون الطوارئ وغالبيتهم صدرت في مصلحتهم أحكام تقضي باطلاقهم ولم تنفذ وأن يعاد الحق الى أصله شيء إيجابي وهذا هو حقهم". وكانت السلطات المصرية اطلقت على دفعات نحو ستة آلاف معتقل ينتمي غالبيتهم الى "الجماعة الإسلامية" أيضاً منذ توقف عمليات التنظيم تماماً مع بداية العام الماضي لكن عدد الذين اطلقوا أمس فهم أكبر دفعة يتم اطلاقها منذ ذلك التاريخ. ولاحظ مراقبون أن الحكومة تتبع سياسة متشددة ضد عناصر "جماعة الجهاد" التي يقودها الدكتور أيمن الظواهري وعكست الأحكام التي اصدرتها أخيراً المحكمة العسكرية في قضية "العائدون من ألبانيا" التي اتهم فيها 107 من أعضاء التنظيم ذلك الاتجاه، والمعروف أن الظواهري كان أعلن رفضه المبادرة السلمية ووصفها بأنها "مهادنة للأميركيين والإسرائيليين". من الصعب معرفة اسماء عناصر "الجماعة الإسلامية" الذين اطلقتهم السلطات المصرية اذ أن الإعلان الرسمي لم يتضمن الأسماء، كما ان الذين اطلقوا ينتمون الى محافظات عدة يصعب الاتصال بأسرهم، ووضع تصور لتفاصيل اللائحة. غير أنه من المعروف أن عشرة من قادة الاصوليين ممن اتهموا في قضية اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات. وأصدرت السلطات قرارات إدارية باعتقالهم بعدما نفذوا عقوبة الاشغال الشاقة لمدة 15 سنة، على أساس أنهم "من الخطيرين على الأمن"، وبين هؤلاء أربعة ينتمون الى "الجماعة الإسلامية" ايدوا المبادرة السلمية لوقف العمليات المسلحة وستة ينتمون الى "جماعة الجهاد" التي رفضت المبادرة السلمية، هم: ابراهيم محمد محمود حلاوة وصالح جاهين واسماعيل أنور البكل ونبيل عبدالفتاح أبو بكر ومحمد إمام محمد حسن وحسن عبدالغني شنن، والأخير هو الوحيد من بين عناصر "الجهاد" الذي كان له موقف مختلف من المبادرة السلمية، إذ أعلن تأييده لها. أما الأربعة الذين ينتمون الى "الجماعة" فهم: محمد ياسين همام وحمدي عبدالرحمن وعلي أحمد عبدالنعيم وهمام عبده عبدالرحمن. وتوقع مراقبون أن تضم لائحة المفرج عنهم واحداً أو أكثر من الأربعة. وقبل تفجر الصراع بين الحكومة المصرية والاصوليين وتحوله الى ظاهرة شبه يومية في 1992 اعتادت السلطات إطلاق من قضوا فترة العقوبة في قضية السادات، لكنها توقفت عن ذلك الإجراء منذ ذلك التاريخ، وبين أبرز الذين اطلقتهم السلطات في بداية التسعينات الشيخ اسامة حافظ وهو أحد مؤسسي "الجماعة الإسلامية"، وكان صدر ضده حكم بالسجن عشر سنوات في قضية السادات، غير أن السلطات عادت واعتقلته قبل نحو ثلاث سنوات، ولا يستبعد أن يكون خرج ضمن من اطلقوا أمس.