واشنطن - أ ف ب - في الذكرى الخمسين لتأسيسه، حدد حلف شمال الاطلسي لنفسه سبباً آخر لوجوده يتمثل في ادارة الازمات في اوروبا، من دون ان يترافق ذلك مع اعادة توزيع عادلة للمسؤوليات بين الحلفاء الاوروبيين والاميركيين الذين لا تزال الغلبة لهم. فالولايات المتحدة تتحكم عملياً وعلى جميع المستويات بالقيادة العسكرية المشتركة التي تشكل قوة الحلف. وهي تؤكد في كل العمليات المهمة تفوقها العسكري الساحق كماً ونوعاً على الاوروبيين. ويملك الاميركيون ثلثي الطائرات الالف المشاركة في الحرب التي بدأت في 24 اذار مارس الماضي ضد يوغوسلافيا. ويفوق عدد القوات الاوروبية التي نشرت في مقدونيا 12 الف رجل وتصل في البانيا الى حوالى ثمانية الاف. وللاطلسي في البوسنة قوة سلام قوامها 30 الف عسكري، معظمهم من دول اوروبية. ويقف على رأس كل هذه القوات رجل واحد هو الجنرال الاميركي ويسلي كلارك الذي يشغل في الوقت نفسه منصب القائد الأعلى للقوات الحليفة في أوروبا وقائد القوات الاميركية المنتشرة في اوروبا. واعادة هيكلة القوات العسكرية للحلف بعد زوال التهديد السوفياتي، لم يكن في مصلحة الاوروبيين. فالولايات المتحدة قلصت وجودها العسكري الدائم في اوروبا. ولكن عندما طالبت فرنسا بأن تتولى اوروبا احدى القيادات الاقليمية للحلف المتمثلة في قيادة الخاصرة الجنوبية ومقرها نابولي، اصطدمت بمعارضة شديدة. وتتبدى السيطرة الاميركية كذلك في المجال السياسي. ويقول مسؤول في الاطلسي طلب عدم الكشف عن اسمه ان "معظم الافكار الجديدة تأتي من الاميركيين"، مبدياً أسفه لأن الاوروبيين ليسوا خلاقين. فمنذ سقوط جدار برلين 1989 الذي كان يهدد بحرمان الاطلسي من سبب وجوده، كان الاميركيون السباقين في اعادة إحيائه ومد اليد الى الخصوم القدامى في حلف وارسو، عبر رسم مهمات جديدة للحلف. وكنتيجة للحضور الاميركي القوي فإن المفهوم الاستراتيجي الجديد الذي تم تبنيه اول من امس السبت، يؤكد الالتزام بالمسيرة كما رسمتها واشنطن: عمليات سلام وتعاون مع اوروبا الشرقية وحوار مع دول المتوسط وتصعيد لمكافحة انتشار اسلحة الدمار الشامل وبدء التفكير في تكييف جيوش الاطلسي ومعداتها لمواجهة المخاطر الجديدة. هذا في حين لم يتحقق اي تطور مهم في ما يتعلق ب "الهوية الاوروبية للدفاع والامن". فتشكيل "قوة اوروبية" داخل الحلف قادرة على القيام وحدها بعملية لا يريد الاميركيون المشاركة فيها مباشرة، لا يزال وهماً. وقال الرئيس الفرنسي جاك شيراك انه "ليس هناك في التاريخ جماعة بشرية استطاعت ان تقاوم طويلا من دون قوة دفاع ذاتية. واوروبا ليست خارجة عن هذه الحقيقة وسيكون من الحكمة ان تتسلح" بمثل هذه القوة. وقال الرئيس بيل كلينتون انه حتى تكون هناك قوة دفاعية اوروبية، ينبغي على الاوروبيين ان يتفقوا أولاً. وحذر كلينتون من ان مثل هذه القوة يجب ألا تشكل منافسا لحلف الاطلسي. وقال انه طالما عملت القوة الدفاعية الاوروبية مع الحلف أياً تكن الطريقة التي يشكلها بها الاوروبيون، "اعتقد انها ستعزز قدرة الاطلسي وستساعد على تقوية الدور الاميركي داخله". ولا يزال امام الاطلسي، الذي يشكل قوة محورية للحفاظ على الامن في اوروبا، مهام كثيرة يقوم بها. فقوة الدفاع الاوروبية لا تزال غير مكتملة. وفي حال نجح الاطلسي في التغلب على الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوشيفتيش فإنه من البداهة ان الانتصار لن يكون في صالح فكرة قوة الدفاع الاوروبية بالدرجة الاولى.