كان يفترض ان اكتب زاوية هذا اليوم قبل اسبوع او عشرة أيام، الا انني اخّرتها عمداً، حتى لا أشجع قارئاً وقارئة على محاولة انجاب اول طفل يرى النور في الألفية الثالثة. كان منتصف هذا الشهر افضل وقت للحمل، اذا كان للأم ان تضع طفلها في أول كانون الثاني يناير من السنة الفين، وهناك سباق في الغرب على انجاب مثل هذا الطفل لأن بعض الصحف "التابلويد" وشركات التلفزيون والاعلان وغيرها وعدت بدفع الملايين لطفل الألفية القادمة. ورأيت على التلفزيون المستقل في بريطانيا برنامجاً مدته ساعتان كان شبه دليل للحمل في الساعة المناسبة ليتم الوضع في اول كانون الثاني القادم. غير ان خبراء الصحة حذروا من اقبال ازواج كثيرين وهذا لا يعني بالضرورة في الغرب انهم متزوجون على محاولة انجاب طفل بغرض الكسب المادي، لا لأن الأبوين يريدانه فعلاً. وزاد الخبراء ان الاحصاءات تدل على ان خمسة في المئة فقط من النساء الحوامل يضعن طفلهن في الموعد المختار له. وزادوا ان واحدة من اربع محاولات حمل تنجح اصلاً، وان 20 في المئة من حالات الحمل ينتهي بالاجهاض. كل هذا الكلام وتحذيرات رسمية وطبية اخرى لم تمنع الوف الغربيين من الاقبال على محاولة الحمل في نهاية الاسبوع الثاني من هذا الشهر، املاً بالوضع في مطلع العام الجديد. وثارت ضجة اضافية عندما اعلن طبيب توليد ايطالي انه يستطيع بأساليب التخصيب الاصطناعي ان يضمن الحمل وبعده الوضع خلال ثوان من منتصف ليل 31 كانون الأول ديسمبر وأول كانون الثاني. وزعم الدكتور سيفرينو انتينوري انه أشرف على تلقيح 14 امرأة اصطناعياً للوضع في اللحظة المطلوبة. وربما كان من القراء من يذكر اسم هذا الطبيب، فهو نفسه الذي مكّن امرأة ايطالية في الثانية والستين من الحمل بأسلوب التلقيح الاصطناعي، ثم قدم الخدمة نفسها لامرأة انكليزية في التاسعة والخمسين وضعت توأمين. وكان الاعتراض المهني والاخلاقي على حمل المسنّات انهن لن يستطعن العناية بأطفالهن كما يجب، وربما متن او أقعدن والطفل لا يزال بحاجة الى عناية أمه. ولكن كنت سمعت مرة من نصح ان ننجب والأهل شباب، حتى يعتنوا بأطفالنا، وبلغنا زمناً الأهل فيه ينجبون، وهم بحاجة الى من يعتني بهم. حمل المسنّات كان قبل خمس سنوات، اما الضجة الحالية فأكبر، لأن الانجاب كمسابقة تحط من قيمة اهم ما في حياة الزوجين. هذان الزوجان، والارجح مرة اخرى انهما "شريكان" غير متزوجين، حظهما قليل، فلو ان نهاية القرن تأخرت اربع سنوات او خمساً فقط، لربما كان وصل الطب الى ما يكفي من تقدم للحمل والانجاب حسب الطلب. وكان رائد هذا الحقل في بريطانيا هو الدكتور اللورد روبرت ونستون الذي اعلن قبل اشهر ان الرجل سيستطيع الحمل في المستقبل، ثم الانجاب بعملية قيصرية. لا أدري لماذا يريد رجل ان يحمل، بل اعترف بأنني لم افهم الشرح الطبي المرافق فقد قرأته مراراً وفهمت من بدايته ان الرجل الراغب يحقن بهرمونات انثوية... ثم ضعت في تفاصيل كلمات طبية ومصطلحات لا أدري اذا كانت لها ترجمة عربية. والترجمة غير ضرورية، فلا عربي عاقلاً سيقبل على الحمل بعد خمس سنوات او خمسين. ومع اعتقادي بعدم وجود عربي يريد ان يوقّت حمل زوجته ليكون الوضع أول ثواني السنة القادمة، فقد فضلت ان الزم جانب الحذر، وأن أتحدث عن الموضوع بعد مضي الوقت المناسب، حتى لا يأتي من يحملني المسؤولية بعد تسعة شهور. ما أدري اليوم هو ان افضل ما يمكن ان يقدمه الانسان لأبنائه هو الا ينجبهم، وان الجنون وراثي، فالانسان يصاب به من ابنائه. غير ان هناك من يريد ان ينجبهم كعملية جنسية لكسب الفلوس، مع انه يقال ان الفرق بين الجنس بفلوس والجنس مجاناً ان الجنس بفلوس ارخص. هل ينجب الغربيون اطفالاً في مطلع العام المقبل. ثم يقررون انهم لا يريدونهم؟ وإذا قرروا ذلك فالى اين يعيدونهم؟ نعرف ان ثمة ملاجئ تقبل القطط والكلاب التي تقدم في الاعياد هدايا لا يريدها المهدى اليهم، ولكن هل هناك شيء مقابل للأطفال. اختتم بطرفة ذات دلالة، فالطبيب قال لزائرته بعد فحصها: عندي خبر سار لك يا سيدة سميث. وردت الزائرة: انا لست السيدة سميث، بل الآنسة سميث. وقال الطبيب: في هذه الحال عندي خبر سيئ لك يا آنسة سميث.