استنكرت دراسة للمجلس العربي للطفولة والتنمية "المشهد المتكرر، في أسواق بلاد عربية عدة، لصبية لا تتجاوز اعمارهم السنوات السبع ينحنون فوق الاطباق النحاسية الصفراء ليحفروا بالازميل عليها نقوشاً دقيقة بكل همة ومهارة من دون ان تبدو عليهم مظاهر سوء معاملة المعلمين حيث تختفي حقائق استغلال الطفولة وراء بهرجة السوق وتعدد نشاطاته". واضافت الدراسة انه لا يخفي تجار السجاد استخدامهم الفتيات في صناعة النسيج، إذ تبدأ الواحدة منهن في العمل في هذه المهنة، وقد بلغت بالكاد اربع سنوات من العمر، يأتي بها الاهل الى التاجر، شاكرين مقدماً، ما سوف يمنحها إياه من زهيد الاجر. واذ تبلغ الفتاة سن الثانية عشرة تكون غالباً قد اكتسبت مهارة لا ترفع من قيمتها كزوجة في المستقبل وحسب، وانما تمكنها ايضا من اضافة دخل منتظم الى الميزانية الضئيلة لاسرتها في الحاضر. وبالمقارنة، يصبح العمل المتواضع في نسيج السجاد بديلاً اكثر جاذبية للمصري البائس مما لو عملت ابنته خادمة لدى غرباء في المدينة البعيدة. وينظر الكثيرون في العالم العربي الى هذا النوع من عمالة الاطفال على انه امر بديهي في بلاد يضطر فيها الاهل، وقد غلبهم الفقر، الى قبول السبيل الوحيد للابقاء على حياة الأبناء والاسرة معاً، الا وهو اخراج الاطفال من المدرسة للعمل لقاء اجر، فالطفل هنا منتج، بينما هو لدى الاسر الميسورة مستهلك. والنتيجة هي جيش من الاميين غير الواعين حقوقهم التي يستغلها اصحاب الاعمال. ومما تذكره الدراسة ان عمالة الاطفال تتوزع على النقش على النحاس او جمع القمامة في ازقة وطرقات المدن المزدحمة في الوطن العربي، اضافة الى ان طابورا من الاطفال يعمل في المطابخ الخلفية للمطاعم الفاخرة، ينظفون ويغسلون أكواما لا حصرلها من الاطباق والاواني، او يقشرون تلالاً من الخضار، فيما يعمل تعساء الحظ حرفيين صغاراً في المصابغ والمدابغ التي تدمر صحتهم في سنوات قليلة بفعل الكيماويات الحارقة. ومن السهل ان نصل الى اسباب تفضيل اصحاب العمل الاطفال على البالغين، كما تقرر الدراسة. فالصغار يتميزون بالذكاء والخفة والطاعة، كما انهم اضعف من أن يعلنوا شكواهم، وهم قانعون بأجرهم الضئيل. إن الربح الذي يحصل عليه صاحب العمل من تشغيل الاطفال يفسر ضآلة الجهد الذي يبذل لمقاومة هذه الظاهرة المنتشرة. وبرغم أن مصر مثلاً اقرت اخيرا قانوناً لتنظيم تشغيل الاطفال، تبقى عمالة الاطفال الى اليوم القضية التي تحظى بأقل نصيب عند مناقشة قضايا الاطفال في العالم العربي. وفي اطار التصدي لهذه المشكلة، اجرى المجلس العربي للطفولة، بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، مسحاً شاملاً لظاهرة عمالة الاطفال في عشرة بلدان عربية هي: مصر والمغرب والاردن وتونس وفلسطين والجزائر وسورية والبحرين والسودان ولبنان، وفّر معلومات وافية عن مدى انتشار هذه الظاهرة. وترتبط بمشكلة عمالة الاطفال قضية اخرى اساسية يدرسها المجلس بعناية، وهي مشكلة اطفال الشوارع التي تعتبر في بعض الاقطار العربية من القضايا الحساسة والمهملة والمؤجل النظر فيها لاسباب متباينة، بعضها سياسي وبعضها اقتصادي واجتماعي. وعددت الدراسة اسباب هذه الظاهرة وابرزها التحضر السريع والعشوائي وغير المخطط او المدروس نتيجة للهجرة من الريف الى المدينة، ففاضت المراكز الحضارية بنسب متزايدة من المهمشين القادمين من الريف من دون خطة، ما ينذر بحدوث اضطرابات بالغة الخطورة في النسيج المجتمعي في المراكز المدينية، فضلا عن اضطراب مناخ التماسك الاسري والرعاية المقدمة الى الاطفال.