عدم بث برنامج "الاتجاه المعاكس" من المغرب الثلثاء الماضي، لا يزال يتفاعل من دون ان يتوقف عند الجدل التقني الذي ثار بين التلفزيون المغربي وقناة "الجزيرة". والارجح ان النقاش حول المسألة الاعلامية في المغرب سيرتدي طابعاً اكثر احتداماً، ففي الوقت الذي رحل الفريق التلفزيوني ل "الجزيرة" بعد تحقيق مكسب اعلامي لبرنامج لم يقدم ، بدا كأن الحادث سيتجاوز الطابع التقني الذي حال دون بث الحلقة التلفزيونية، الى طرح اشكاليات سياسية. ويسأل صحافي في "الجزيرة" ألم يضع المغاربة في الاعتبار ان البرنامج ذاته يمكن ان يبث في وقت لاحق من الدوحة؟ لكن مسؤولاً في الاعلام المغربي يرد بأن ذلك سيعفي المغاربة من حرج استخدام التلفزيون المغربي لإثارة حساسيات سياسية، وسيثبت ان الخلل كان تقنياً نتج عن سوء تفاهم، ما يعني ان الملابسات التي احيطت بالجانب التقني لم تكن بعيدة عن السياسة. وحين يعبر مقدم البرنامج عن اعجابه بحيوية التجربة السياسية في المغرب التي يطبعها الجدل والانتقاد بكل حرية، يستغرب التوقف عند حيثيات تقنية شكلت "ثغرة" امام التعريف بالتجربة، تحديداً في المشرق العربي. لكن اعلاميين وسياسيين يطرحون المزيد من الاسئلة حول دلالات عدم البث باعتبارها واقعاً، ويقول منتسبون الى الاتحاد الاشتراكي الذي يتزعمه رئيس الوزراء السيد عبدالرحمن اليوسفي ان بعض التأويلات ازاء استضافة البرنامج السيد احمد بن جلون الناطق باسم حزب الطليعة المنشق عن الاتحاد الاشتراكي ليست صحيحة، وان الحزب لا يتهرب من الحوار. ونقل عن صحيفة "ليبراسيون" التي يديرها السيد محمد اليازغي الرجل الثاني في الاتحاد الاشتراكي انها على استعداد لادارة حوار بين اي من الفعاليات السياسية، ويبدو ان الموقف جاء بعدما تردد ان اليازغي الذي كان مقرراً ان يشارك في "الاتجاه المعاكس" الى جانب محند العنصر زعيم الحركة الشعبية عزا عدم المشاركة في مواجهة احمد بن جلون الى ارتباطات خارجية، كونه سافر في اليوم نفسه في مهمة رسمية الى الولاياتالمتحدة الاميركية، بيد ان منتسبين الى الحزب ركزوا على ضرورة قيام تكافؤ في المواجهة السياسية، فتبلور اقتراح النائب ادريس لشكر في مواجهة احمد بن جلون. فكلا الرجلين يعرف الآخر منذ كانا معاً ينتسبان الى الاتحاد الاشتراكي، قبل انشقاق الطليعة، اثر ازمة 1983 التي يعتقد انها كانت تشكل محوراً بارزاً في المواجهة لمقدم البرنامج. ويقول مراقبون انه في حال طرح القضية امام البرلمان، على اساس ان لها علاقة بالانفتاح السياسي، فإن ذلك قد يساعد في تسليط الاضواء على خلفيات المسألة تقنياً وسياسياً. وسيكون على وزير الاتصال الاعلام المغربي محمد العربي المساري المسؤول عن التلفزيون ان يضع الرأي العام امام حقيقة الأمر. وبحسابات الربح والخسارة حازت "الجزيرة" دعاية لبرنامج لم يبث، وتخلص التلفزيون المغربي من انتقاد كان يوجه ضده عادة، لكنه تحول هذه المرة الى قضايا تخص دور "الجزيرة" والفضاء الاعلامي الذي تحتله في الساحة العربية. كذلك كسب حزب الطليعة الذي كان ينعت بأنه حزب محدود التأثير موقعاً متميزاً في مواجهة الحكومة.