فاجأ وزير العدل والحريات المغربي مصطفى الرميد متابعي محاكمة ناشطين في «حركة 20 فبراير» الشبابية أمام محكمة في الدارالبيضاء بحضوره وقائع المحاكمة، في سابقة لم يقم بها أي مسؤول في قطاع القضاء. وقال شهود إن ذوي المعتقلين الشباب التفوا حول الوزير وصاح أحدهم بأن المحاكمة ترتدي طابعاً سياسياً، في إشارة إلى ما نسب إلى الرميد من أن لا وجود لمعتقلين سياسيين في البلاد. وتزامنت زيارة الوزير التي اكتست بعداً رمزياً في وقت تعكف لجنة استشارية تضم قضاة ومحامين وخبراء وشخصيات عامة على إعداد منظومة جديدة لإصلاح القضاء في المجالات والتخصصات كافة. وألقت تصريحات للوزير عن صدور أحكام قضائية ضد مطلوبين لم يتم تنفيذها بسبب التقادم وغياب المتهمين، بظلالها على ملفات سياسية. وعاود «الاتحاد الاشتراكي» طرح ملف زعيم «الشبيبة الإسلامية» عبدالكريم مطيع الذي يعيش في المنفى منذ نحو أربعة عقود على خلفية تورطه المحتمل في اغتيال المعارض الاشتراكي عمر بن جلون. وقال السكرتير الأول السابق للحزب محمد اليازغي رداً على تصريحات للوزير الرميد عن إمكان إعادة محاكمة مطيع والسماح بعودته من المنفى، إن قضية بن جلون «اغتيال سياسي». ورأى أن محاكمة المتورطين في الحادث الذي شهده المغرب في العام 1975 غاب عنها مطيع والنعماني»اللذان تمت مساعدتهما من طرف مؤسسات الدولة آنذاك للفرار ومغادرة البلاد» نحو ملاذات آمنة. وأضاف: «في حال أراد مطيع العودة إلى وطنه فمن حقه ذلك، وطالما أنه حكم غيابياً فعلى القضاء أن يعاود محاكمته، ويمكنه تقديم معطيات ومعلومات جديدة لإجلاء الحقيقة في هذا الملف». وشدد اليازغي، وهو وزير دولة سابق، على أن «لا تقادم في الجرائم والاغتيالات السياسية». لكنه انتقد أن تحظى القضية بأولوية وزارة العدل، في إشارة إلى تصريحات سابقة للوزير الرميد جاء فيها أن ملف اغتيال المعارض المهدي بن بركة «ليس أولوية». وكانت الكتلة النيابية لحزب «العدالة والتنمية» الإسلامي استجوبت وزير العدل إزاء مآل مثل هذه الأحكام القضائية، ما فهم منه أن أعضاء «الشبيبة الإسلامية» القدامى بصدد إعداد الأجواء لإفادة عبدالكريم مطيع من ظروف تساعد في عودته من المنفى. غير أن «الاتحاد الاشتراكي» الذي يعتبر نفسه معنياً بقضية تطاول اغتيال أحد قيادييه التاريخيين رد على ذلك بأن باب القضاء «يفضي إلى الساحة السياسية، ويجب أن يكون مشرعاً على مصراعيه من أجل معرفة الحقيقة» في ملابسات اختفاء بن بركة واغتيال بن جلون على حد سواء. إلى ذلك، كشف الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان محمد الصبار أن الجهود التي بذلت بهدف التعرف على مصير المختفين شملت 191 حالة. وأوضح أن المجلس يفحص حالات 210 متوفين جراء الاحتجاز في الجنوب الشرقي، فيما اعتبر 315 ضحايا أحداث القلاقل الاجتماعية خلال أعوام 1965 و1981 و1984 و1990. وأقر بوجود حالات معقدة عالقة «لم تحصل قناعة نهائية بمصيرها». غير أن المجلس سيسعى إلى جانب الضحايا وهيئات المجتمع المدني إلى وضع خريطة طريق من أجل إغلاق الملف برؤية معيارية سليمة. وكانت هيئة الإنصاف والمصالحة التي أحدثها الملك محمد السادس أقرت خطة جبر الضرر لتعويض ضحايا الاعتقال التعسفي خلال الفترة الممتدة من مطلع الاستقلال إلى العام 1999. على صعيد آخر، أفادت مصادر قضائية وأمنية بأن تحقيقات واسعة النطاق تجري مع مسؤولين متنفذين في الأمن والدرك والجمارك على خلفية اعتقال السلطات أعداداً منهم تورطوا في تجاوزات تضمنت تلقي رشاوى وسوء معاملة مهاجرين مغاربة في نقاط الحدود والمعابر. وأفاد بيان للديوان الملكي بأن الملك محمد السادس أمر بفتح تحقيق في تلك التجاوزات بعد تلقي السلطات شكاوى عرضت إلى مظاهر الابتزاز واستغلال النفوذ التي تعرض لها مهاجرون مغاربة قدموا إلى البلاد لقضاء العطلة الصيفية. وأفضت التحريات التي يرعاها القضاء إلى توقيف عدد أكبر من المسؤولين في معابر سبتة ومليلية وطنجة التي تشهد حركة إقبال واسعة صيف كل عام، إضافة إلى مسؤولين في مطار محمد الخامس الدولي في الدارالبيضاء. وانتقد بيان البلاط الملكي «السلوكات غير اللائقة ذات الصلة بالرشوة وسوء المعاملة» التي صدرت من عناصر تعمل في المراكز الحدودية، مؤكداً أن الملك محمد السادس «سيقوم شخصياً بمتابعة الملف الذي يسيء إلى صورة المغرب والمغاربة» لتفادي تكرار هذه الممارسات. وترأس الملك جلسة عمل في هذا الصدد في حضور وزيري الداخلية محند العنصر والاقتصاد والمال نزار بركة، إضافة إلى قائد الدرك الملكي حسني بن سليمان ومدير الأمن الوطني بوشعيب الرميل ومسؤولين في الجمارك والضرائب.