أحمد غايت، شاب في الخامسة والثلاثين من العمر، وُلد في فرنسا في أسرة مغربية في حي "باربيس" حي الهجرة العربية في العاصمة الفرنسية باريس. وهو لا يزال يقيم في الحيّ نفسه رغم توليه لمنصب مستشار لدى رئيس الحكومة الاشتراكي ليونيل جوسبان لشؤون الهجرة وهو عضو في مكتب وزيرة الشؤون الاجتماعية مارتين اوبري، الوزيرة الثانية من حيث الاهمية في حكومة جوسبان. وغايت لديه مكتب في وزارة الشؤون الاجتماعية رغم أنه قلّما يستخدمه لأنه يتحرّك باستمرار في المدن الفرنسية وضواحيها للاهتمام بقضايا الهجرة. قبل عام قلّد محمد براده السفير المغربي في فرنسا، محمد برّاده، أرفع وسام من الملك الحسن الثاني في المغرب بحضور أوبري ووزيرة العدل اليزابيت غيغو وأصدقاء قدموا من المغرب لهذه المناسبة. احمد غايت نموذج للمهاجر العربي الذي استطاع الاندماج في المجتمع الغربي وبقي متعلقّاً بجذوره الاجتماعية مع تواضع ولطف ملفتين رغم المنصب الرسمي الرفيع الذي يحتله. يروي أحمد غايت كيف تحوّل من مراهق مجهول الى مستشار حكومي ويقول: "كنت طالبا أدرس لأصبح مرشدا تربويا في مدينة فرساي. ولدت في فرنسا وأهلي كانوا يعملون منذ مدّة طويلة في فرنسا وأبي حارب في الهند الصينية ضمن مجموعة من المغاربة شاركت في الحرب". ويضيف "بدأ نضالي الحقيقي سنة 1983 عندما كنت أدرس لأصبح مرشدا تربويا، وكانت أثناء هذه الفترة موضة الاذاعات الحرّة وكان هناك في باريس "راديو بور" على موجة "اف ام". فكنت أدرس واستمع في نفس الوقت الى هذه الاذاعة. وفي أيلولسبتمبر 1983 علمت عبر الاذاعة ان هناك مبادرة من شباب الهجرة من منطقة ليون لتنظيم مسيرة على مستوى فرنسا إحتجاجا على العنصرية بعد سلسلة من الجرائم العنصرية وقعت آنذاك وأثّرت كثيرا في نفوس شباب الهجرة. من هذه الجرائم، اثنتين أثرتا فيّ بعمق جريمة قتل الشاب الصغير حبيب كرمزي ، كان سائحاً شاباً جزائرياً، أُلقي من نافذة القطار من قبل أربعة أشخاص من ليون، ونقلت هذه الحادثة الى السينما في فيلم بعنوان "قطار جهنّم"، ثم جريمة قتل قرب مكان سكني في "لاكورنوف" ذهب ضحيتها الطفل توفيق الذي كان عمره 9 سنوات ، كان يلعب بالمفرقعات في سطل رمل وهو تقليد فرنسي عادي في ذكرى الثورة الفرنسية في 14 تموزيوليو، فقتله أحد سكان الحيّ الذي أطلق عليه رصاص بندقيته من نافذة مطبخه. ويتابع أن هاتين الجريمتين "ايقظتا فيّ واقع العنصرية. فشاركت في المسيرة في سنة 83، وعلّقت لمدة ثلاثة أشهر دراستي وسُميّت هذه المسيرة منذ تلك الفترة "مسيرة البور" أي مسيرة الشباب المنبثق عن الهجرة من دول المغرب العربي. ويقول غايت عن علاقته ببلده المغرب، أنه متعلّق بعمق بجذوره المغربية وهو يمضي منذ طفولته كل صيف في المغرب. ويضيف غايت "شعرت بأني اندمجت بالفعل لأنني مغربي فأنا مقتنع انه ليس بإمكان أحد أن يندمج في مجتمع إذا لم تكن لديه جذور ويعرف من أين جاء. وأنا مقتنع أنني أشعر أني مرتاح في المجتمع المغربي". وعن كيفية وصوله الى منصبه يقول أنه خلال فترة نضاله من خلال الجمعيات بعد مسيرة الشباب عاد الى باربيس وأنشأ جمعية مع شباب مغاربة أطلقوا عليها اسم "لازون" وهي التسمية الشائعة لحي "باربيس"، و"رغبت آنذاك في لقاء المنتخبين عن الحي في الدائرة ال18 من باريس، فالتقيت شخصيتين هما الان جوبيه رئيس الحكومة السابق الذي كان رئيس بلدية الدائرة وليونيل جوسبان النائب آنذاك حالياً رئيس الحكومة واختار قلبي اليسار، فاستأنفت طريق نضالي مع جوسبان ولكنني لم أتخذ قرار الانتقال الى العمل السياسي بسهولة، فقد استغرق ذلك ثلاث سنوات، وما زلت حتى الان متعلّقاً جداً بالنضال من خلال الجمعيات". ويشير الى انه واجه صعوبة "في إقناع أصدقائه بأنه سيبقى مثلما عرفوه، وكنت أقول لهم أنني في السياسة سأصبح جسراً وأنا مسرور لأنني تمكنّت من إظهار أن ذلك ممكن". ويضيف "إذن بقيت في محيط ليونيل جوسبان وبديله آنذاك دانيال فايان الذي أصبح رئيس بلدية الدائرة ال18 ثم نائباً وهو اليوم وزير العلاقات مع البرلمان". ويتابع "وهكذا تعرفت واستلطفت شخصيات سياسية من الاشتراكيين وبالأخص الوزيرتان مارتين اوبري والبزابيت غيغو وكاترين تروتمان وزيرة الثقافة، فغيغو مغربية ولدت في مراكش وعاشت طفولتها هناك فكنّا نتحدّث عن المغرب باستمرار، وصداقتي مع مارتين اوبري أتت من عنايتها الخاصة بشؤون الهجرة وكانت تترأس منظمة "لوفاس Le Face" للتحرك والنضال ضد الحرمان الاجتماعي والاستبعاد. وصداقتي مع كاترين تروتمان أتت من أنها كانت كليا ضد الجبهة الوطنية اليمين المتطرف ولأن النساء في السياسة لديهن حساسية مختلفة عن الرجال". وعن نشاطاته المرتبطة بالهجرة مع جوسبان وأوبري يقول غايت لقد كنت مستشار جوسبان لشؤون الهجرة عندما كان أميناً عاماً للحزب الاشتراكي وأنا مستشار لمارتين اوبري منذ حوالي 19 شهراً، أما غيغو فأنا أناضل الى جانبها في مدينتها افينيون جنوبفرنسا. عن وصفه لدوره يقول غايت "أنني مستشار مختلف عن المستشارين التقليديين، فأنا قليلاً ما ألازم هذا المكتب ولا أرتدي البدلة والكرافات وأنا أناضل على الأرض. فكل أسبوع أنتقل من ضاحية فرنسية الى أخرى وأحيانا أعود لنفس الضاحية وأنا أعرف بعمق ضواحي المدن الفرنسية لأني تجولت فيها كلها في اطار الحملات الانتخابية سواء كانت رئاسية أو بلدية او نيابية". عن عمله في الضواحي يقول غايت أن هذا العمل له وجهان: الوجه الرمزي ومرده الى أن اسمي أحمد وشعري مزعتر وكبرت في باربيس وأتكلم العربية وأعرف معنى العيش في حيّ شعبي ولا أحب القول أنه حي صعب فهو شعبي. فأنا إذن بمثابة أخ كبير لسكان الضواحي وهم بحاجة الى قيم وبحاجة لأن يعرفوا أن بإمكان من يحمل اسم "احمد" أن يصبح مستشار وزير يعد ثاني أهم وزير في الحكومة. فحتى لو لم يصبحوا كلهم أبطالاً مثل زين الدين زيدان أو مستشارين وزاريين فعلى الاقل لديهم امكانات للنجاح". ويضيف أن "هناك جانباً آخر وهو صداقة حقيقية فأنا أحب كثيراً شبّان الضواحي وفي الحقيقة أحاول دائماً الحفاظ على واقعية وتواضع وهم يثقون بي لأني لم أغشّهم يوما حول ما أفعله. فدائما أقول لهم ما افعل ولماذا اعمل في المنصب الذي أنا فيه، وهم يطلبون الكثير من الخدمات، وأساعد على إنشاء جمعيات ولو وافقت لكنت أصبحت الان عرّابا لعشرات الجمعيات. وانا أحاول مساعدتهم في إنشاء الجمعيات وأن أوصل صوتهم الى الوزيرة مارتين اوبري التي أنقل لها طلباتهم وتوقعاتهم وأعمالهم ومشاكلهم، وأعمل بالاتجاه المعاكس، فأخبر الشبّان بما تريد القيام به اوبري بشأنهم وما هي القيود القائمة في عملها. وأساعد أيضاً في ملفات خاصة أحياناً وهو عمل دؤوب يتعلّق بملفات شخصية جداً منها مثلاً شاب يريد الحصول على جنسية في وقت معيّن لأنه يريد تقديم امتحان معيّن في مدرسة معينة او عائلة تنتظر منذ أشهر لمّ الشمل العائلي في الواقع لديّ الانطباع أنني أعمل كمرشد تربوي على المستوى الوطني وليس على مستوى الحي. وعن وضع الهجرة حالياً في الضواحي الفرنسية يقول غايت أنني انحاز للطرف المعاكس لما يُقال في الاعلام عن صورة هذه الضواحي. فلدي صورة متفائلة جداً عنها، وفيها يعيش وينمو ويتطور شباب فرنسا". وفي أمثلة على واقع الحركة التنظيمية للضواحي، الذي يديره شباب جميعهم منبثقون عن الهجرة، يذكر غايت بلدة "اورياك" وهي البلدة الاكثر جموداً في فرنسا، ويقول ان هناك شاب اسمه حسين غارنج يقوم بأشياء عظيمة، وهو مغربي الاصل، وقرب "مو" هناك جمعية "atout jeunese" تقوم بأشياء رائعة. فكل المنظمات المحلية يديرها شباب من أصل مهاجر ويقومون بأشياء جيدة من أجل الهجرة. وهناك فنانون جيدون مثل فوديل وخالد وفي الرياضة الكروي الذهبي الاوروبي زين الدين زيدان فهو جزائري الاصل البالون الذهبي الافريقي مصطفى حجي وهو من أصل مغربي ولكليهما شعبية كبيرة لدى الشباب. ويتابع "لقد ذهبت الى مارسيليا لمشاهدة مباريات الكرة بين المغرب وفرنسا وكان زيدان الجزائري وحجي المغربي وكان الشباب كلهم في الملعب يهتفون "زيزو" و"حجي" "حجي" وهذا أقوى من كل الخطابات حول القمع وحول الشباب الهمجيين. وعن تيار الجبهة الوطنية الذي يعادي الهجرة يقول غايت هناك نواة تعادي الاجانب في هذا البلد وهي موجودة وتقترن بالذين خاب املهم أو بالذين يعيشون مآسي أو بالذين يعيشون جيراناً لشباب مختلفين بالشكل عنهم. وبالرغم من ذلك، لدى غايت رؤية متفائلة ازاء شباب الهجرة في فرنسا ويقول أن المقيمين منهم في الضواحي عاقلين رغم كل شيء لأنه بإمكانهم ان يكونوا أعنف بكثير. وعن اندماج الشباب المنبثق عن الهجرة يشير الى أنه مقتنع وأن اوبري توافقه الرأي بأنه "يجب التوقف عن الحديث عن الاندماج لأنه لا يمكن ان يكونوا أكثر اندماجا مما هم. فلا يمكن ان تقطع هؤلاء الشباب من أصلهم وجذورهم انهم مندمجين كلياً الا انهم على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي موجودون في مناطق معزولة وخاضعة للتمييز في مجال العمل والتسلية. ويقول "لذا طلبت مثلاً من صديقي مصطفى حجي ان يواكبني في بعض الجولات في الضواحي وقلت له اذا أردت الدخول الى مكان سهر ليلي يمكنك ذلك لأنه بطل الكرة ولكن لو كنت شاباً مغربياً من الضواحي غير معروف، لما تمكنت من ذلك دائماً". ويعتبر ان النجوم مثل زيزو وحجي وفوديل يجب ان يناضلوا، فهذه مسؤوليتهم سواء قبلوها أم رفضوها ولديهم قدرة على القيادة والنضال".