قال مستشار وزير الداخلية الفرنسي لشؤون الحريات العامة والهجرة باتريك كينكتون، أن المبدأ الذي تعتمده فرنسا على صعيد دمج المهاجرين الموجودين على اراضيها، يستند الى قابلية أي مهاجر يقيم على الاراضي الفرنسية لمدة معينة، للحصول على جنسية وأشار الى أن هذا المبدأ يركز على الفرد، وأنه لا يقضي بدمج جالية بأكملها وإنما بدمج كل من أفراد جالية معينة بصفة شخصية. وأقرّ بأن الإندماج يواجه صعوبات بسبب الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تولد لدى بعض المهاجرين ولدى بعض الفرنسيين المنبثقين عن الهجرة شعورا بالعزلة، لكنه أكدّ أن هذه الصعوبات ليست دليلا على فشل نهج الاندماج المعتمد. وكشف كينكتون عن صيغة تجريبية يجري البحث في شأنها مع المغرب ومالي والسنغال، للسيطرة على الهجرة بالتعاون على تطوير الاوضاع الاقتصادية في مصادر هذه الهجرة. وحدّد كينكتون أساسين للهجرة الى فرنسا هما المستعمرات الفرنسية السابقة، وبعض الدول الاوروبية ومنها مثلا في فترة ما بعد الحرب العالمية الاولى ايطاليا وبولندا وبعد الحرب العالمية الثانية كل دول جنوب اوروبا، وخصوصا اسبانيا والبرتغال. وأشار الى أن الهجرة المنبثقة عن أحد هذين المصدرين، وهو اوروبا، بدأت تذوب تدريجيا في المجتمع الفرنسي، نتيجة بناء الوحدة الاوروبية، التي أدّت الى حالة من المساواة بين الفرنسيين وبين المهاجرين الاوروبيين، وحتى المهاجرين الاوروبيين المتمسكين بجنسيتهم الفرنسية. ورأى أن ما ساعد على هذا الذوبان نمط الاندماج المعتمد في فرنسا وهو من النوع السياسي، مما يعني أن المهاجرين مهيئين من حيث المبدأ للحصول على جنسية فرنسية بعد مرور بضعة سنوات على وجودهم على الاراضي الفرنسية. وأوضح أن نمط الاندماج هذا يشكّل خصوصية فرنسا ويجنّبها طرح الاسئلة المطروحة حاليا في دول اوروبية اخرى مثل المانيا ووبريطانيا، حول كيفية تنظيم الجاليات المهاجرة وتحديد العلاقة معها وحل المشكلات التي تواجهها لكي تتجانس مع سكان البلد. وأضاف ان الموقف الفرنسي يستند الى قابلية غالبية المهاجرين للحصول على الجنسية الفرنسية، وأن إكتساب هذه الجنسية يشكّل بحدّ ذاته بادرة سياسية تترتب عليها مجموعة من النتائج الملموسة التي تسهّل الاندماج. وأشار الى أن من بين هذه النتائج الملموسة هو الحؤول دون انتظام المقيمين الاجانب ضمن اطر خاصة بهم، دون أن يمس ذلك بحرية انشاء المنظمات المنصوص عليها في القوانين الفرنسية. والمهم على حد قول كينكتون هو ألا تتحوّل هذه المنظمات الى ممر الزامي للسلطات العامة الفرنسية في علاقتها مثلا مع الماليين اوالجزائريين او سواهم من المهاجرين. وتابع أن الاندماج يتحقق عبر مجموعة من المؤسسات، منها الضمان الاجتماعي، والمساواة في سوق العمل والمدارس العامة التي تتعامل مع كل فرد عبر علاقة شخصية وخاصة، وذلك بدلا من أن يكون هناك سعي لدمج جالية كاملة، كالجالية الجزائرية دفعة واحدة. وذكر ان هذا التوجه قائم في فرنسا منذ القدم وأن الحكومة الحالية ارتأت الحفاظ عليه، بعد ان تعرّض للاجتزاء من قبل الحكومات التي توالت على الحكم منذ سنة 1993، وخصوصا بعد القوانين التي ألغت تلقائية اكتساب الجنسية للمواليد على الاراضي الفرنسية، والذي استعيد معدلا من قبل الحكومة الحالية، بحيث باتت الجنسية تعطى تلقائيا لهؤلاء المواليد لدى بلوغهم سن الثامنة عشرة، ما لم يعبّروا عن رغبة معاكسة، وتعطى لهم عند بلوغهم سن الثالثة عشرة بطلب من ذويهم. وعبّر كينكتون عن اعتقاده بأن المبدأ الذي يحكم صيغة الاندماج في فرنسا واعتباره أن كل أجنبي يقيم على الاراضي الفرنسية لمدة معيّنة من الزمن يكون مهيّئا للحصول على الجنسية يظهر مدى سخافة المشكلات التي تبرز من حين الى آخر حول الحجاب. وقال أن هذه المشكلات على الرغم من عدم وجود حلول سهلة لها، فلا معنى لها إلا في إطار الرغبة، التي يصعب فهمها أحيانا، والتي تقضي بأن نظهر للرعايا الاجانب أوجه الاختلاف القائمة بينهم وبين الفرنسيين بدلا من ان نظهر أوجه التشابه. وأقرّ بأن المبادرة الى اكتساب الجنسبة الفرنسية لا يكفي لتحقيق اندماج تام وبالتالي لا يلغي المشاكل المطروحة حاليا والناجمة عن الاوضاع السائدة في بعض الضواحي حيث غالبية السكان من المهاجرين أم من الفرنسيين المنبثقين عن الهجرة. وقال ان هؤلاء يواجهون نوعاً من العزلة نتيجة الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تثير لديهم شعوراً بعدم المساواة، وبالطبع فإن الجنسية الفرنسية بحد ذاتها غير كفيلة بحل هذه المشكلة. وأكدّ ضرورة مواجهة هذا الواقع، عبر تجنيب سكان هذه المناطق أي تمييز في مجال العمل اوالسكن، مبني على أفكار مسبقة عنصرية، مشيراً الى أن توجيهات واضحة أعطيت في هذا الشأن من قبل وزير الداخلية الى رؤساء دوائر الشرطة المعنية. وشدّد كينكتون على أنه رغم الصعوبات القائمة فإن الصيغة الفرنسية للاندماج لا ينبغي ان تكون موضع اعادة نظر، وأنها ليست دليلا على فشل نهج، وإنما يتوجب استخلاص النتائج العملية المترتبة عنه. وقدّر كينكتون عدد المهاجرين في فرنسا بحوالى 3 ملايين و700 ألف شخص، وقال ان هذا الرقم مستقر نسبيا منذ حوالي عشر سنوات، لكن استقراره ظاهري لأن هناك مئة ألف شخص يحصلون على الجنسية الفرنسية سنويا، وهناك بالمقابل مئة ألف آخرين يفدون الى فرنسا سنويا للاقامة. وذكر ان من بين هؤلاء المهاجرين هناك 564 ألف جزائري و 460 ألف مغربي و160 ألف تونسي ويستثنى من هذا العدد بالطبع المجنّسين. وعن التمركز الجغرافي للمهاجرين في فرنسا قال كينكتون انها موزعة على المناطق الصناعية السابقة في شمال وشرق فرنسا وعلى ضواحي المدن الكبرى، لأن الهجرة المنهجية الى فرنسا هي تاريخا هجرة عمالية. وأكدّ على صعيد آخر، أنه ليس هناك "كوتا" تحكم الهجرة الى فرنسا من هذا البلد أو ذاك، وأن هذه الفكرة طرحت في وقت من الاوقات لكنها استبعدت من قبل الحكومة الحالية لأنها تتنافى مع القانون الفرنسي المبني على العدالة والمساواة. وأضاف ان اعتماد مبدأ "الكوتا" ممكن عندما تكون أبواب البلد مشرّعة أمام الأجانب، وليس في فترات التشدّد. وعن قضية المهاجرين غير الشرعيين التي لا تزال تتفاعل في فرنسا نتيجة عدم حصول حوالى 70 ألف منهم على اقامة رسمية، قال ان الحكومة الفرنسية تعاملت مع هذه القضية من الزاوية التي تسمح بإنهاء الحالات الشاذة التي أدّت أحيانا الى تفريق أفراد العائلة الواحدة من جرّاء القوانين والاجراءات التي اعتمدتها الحكومات السابقة. وأشار الى أنه تم إعطاء إقامات للمهاجرين الذين لديهم روابط عائلية تبرّر استمرارهم بالإقامة في فرنسا ولأشخاص يتعذّر طردهم لأسباب متعدّدة منها مثلا أنهم مقيمون منذ مدّة طويلة وباتوا يفتقرون لأي روابط في بلدانهم الاصلية. وأوضح أن الهدف من هذه العملية لم يكن إنهاء الهجرة غير الشرعية، النابعة عن حالة عدم التوازن القائمة في العالم، بل كان لا بدّ من فرز من يحق لهم الحصول على إقامات ومن لا يحق لهم الحصول عليها، وقد طلب من هؤلاء مغادرة فرنسا، وعرضت عليهم مساعدة مالية لتشجيعهم على الرحيل، لكنه من المؤكد أنهم لم يغادروا جميعا. ونفى أن يكون للعامل الديني أي دور في اعطاء الاقامات، مؤكدا ان الاولوية في القرارات التي تتخذ في هذا الشأن هي دائما لمبدأ المساواة. لكنه اضاف أن هناك تدقيقاً يجري في طلبات الاقامة التي يتقدّم بها أشخاص لهم مواقع دينية، حرصا على ابقاء اسلام فرنسا بعيدا عن التأثيرات الخارجية. وكشف كينكتون عن محادثات تجرى حالياً بين فرنسا وثلاث دول هي المغرب ومالي والسنغال، من أجل التوصّل الى سيطرة أفضل على موجات الهجرة عبر ما يسمّى "بالتطوّر المشترك" الذي سيعتمد كصيغة تجريبية تعمم لاحقاً على دول اخرى. وأوضح ان هذه الصيغة ستؤدي عملياً الى تطوير الاوضاع الاقتصادية في مناطق الهجرة الاساسية في هذه الدول وإرساء نمط تبادل معها، وتحديد سبل مساهمة المهاجرين الشرعيين في تطوير بلدانهم الاصلية.