نيويورك يسمونها التفاحة ويشبهونها بها. البعض يستخدمها رمزاً للثمرة المحرمة التي يقال إنها كانت السبب في الخروج من الجنة، ولكنها تبقى مدينة غريبة تشكل فيها الاقليات غالبية تقارب 90 في المئة من عدد السكان. وهي، الى ذلك، مدينة كبيرة والأكثر شهرة بين جميع المدن التي مَثَلت، أو لا تزال تمثل، في أفلام هوليوود. المسافرون اليها كانوا يعتبرونها بوابة أميركا، وتمثال الحرية كان المشهد الأكثر الهاباً للمخيلة لمن يمخرون عباب المياه ويبحرون في المحيط الشاسع قاصدين أرض الهجرة الجديدة. تمثال الحرية لا يزال ماثلاً في أعين السياح، لكنه الآن يبدو في الأسفل جزءاً من المشهد الذي يقفز الى الأحداق عندما يلتفت المسافرون من كوّات طائراتهم إلى مشهد المدينة التي تحب اللون الرمادي والأسود والأزرق. نيويورك وجوارها مؤلفان من خمسة أقضية شاسعة. الطرق السوداء شاسعة تتوالى مثل الافاعي وتلتف حول الجسور وخطوط الزفت الأسود التي تمتد فوق العارضات الحديدية المعلقة فوق الجونات والخلجان والمسارات المائية التي تخترق مساحة المدينة وجسدها البارد. ثلاثة مطارات رئيسية تستقبل الوافد الى نيويورك: مطار جي. أف. كنيدي ومطار لاغوارديا ومطار نيوارك. مطار كنيدي هو أكبر هذه المطارات وأكثرها اهمية، وهو أيضاً أكثر المطارات ازدحاماً في القارة الاميركية بالرحلات الدولية. أطلق عليه اسم الرئيس الاميركي الراحل كنيدي بعد اغتياله، وتغير بالتالي اسم المطار الضخم الذي يخضع لعملية تحديث وتطوير منذ مطلع التسعينات، والذي كان يطلق عليه في السابق اسم مطار "آيدلوايلد" حينما جرى بناؤه قبل 51 عاماً. هناك مسافات لا بد من قطعها. الولاياتالمتحدة مساحة خرافية، شاسعة، يتحرك فيها البشر بسرعة مستخدمين الآلات الطائرة أو تلك التي تدرج على عجلات، والأمر نفسه ينطبق على التنقل من مطار إلى آخر وسط نسيج عمراني مملوء ازدحاماً وحركة. الانتقال هنا قضية تخطيط وانتظار يعيشها المسافرون في أغلب هذه المطارات التي تشبه خلايا نمل تشهد حركة دائبة لا تكل ولا تقيم وزناً لمواعيد الغروب والشروق. هناك انتظار طويل قبل الخروج من هذه المطارات، قد يصل الى خمس ساعات أو أكثر احياناً. الرحلات هنا أيضاً، كما في واشنطن، غالباً ما تنتظر، في الاقلاع أو الهبوط. فإذا كان الرئيس يزور المدينة تتعطل بالتالي حركة الملاحة في المطار لدواع أمنية. وقد تتأخر الطائرة ايضاً إذا كان هناك ازدحام في حركة الملاحة الجوية تغص معه المطارات، ولا سيما مطار جي. أف. كنيدي، وحينها يضطر العاملون إلى تحويل الطائرات القادمة التي تنتظر الأذن بالهبوط الى مطارات أخرى في الولايات المجاورة. لعبة الانتظار مملة. هناك دائماً إعصار أو عاصفة رعدية أو رملية أو ثلجية تدس بأنفها في حركة الملاحة وتشل المطارات في هذه الولاية أو تلك. الانتظار يستمر لوقت قد يدوم ساعتين أغلب الوقت في المطارات الاميركية المجاورة التي تُحوّل اليها الطائرات، ثم داخل الطائرات بعد هبوطها في مقصدها النهائي ريثما يمنح لها برج المراقبة الاذن بالوقوف والبدء بافراغ الركاب. الانتظار بعد النزول من الطائرة إلى حرم المطار وكاونترات جوازات السفر يستمر القدر نفسه. وإذا كان المرء ذا منشأ عربي أو من إحدى الدول المدرجة في جداول استثناء يحملها موظفو الجوازات، فعليه حينها أن يتوقع استنساخ صور جوازه كاملة، وربما تعرضه إلى بعض الأسئلة الإضافية. وهذا يضطره الى الانتظار فترة قد تدوم قرابة ساعتين. وهناك فظاظة يبديها موظفو الجوازات في نيويورك تحمل الكثيرين من المسافرين العرب على بدء رحلتهم في الولاياتالمتحدة من ولاية أخرى. هذا الازدحام كان سبباً في حملة إصلاحات وتغيرات كبيرة بدأتها "هيئة مرافىء نيويورك"، وهي مؤسسة عريقة تدير خمسة مطارات في نيويورك، بالتعاون مع عمدة نيويورك وحاكم الولاية جورج باتاكي. قيمة الدخل السياحي في نيويورك 15 بليون دولار سنوياً، وصناعة السياحة والسفر هي، بالتالي، إحدى الصناعات الأكثر ازدهاراً في مدينة ناطحات السحاب والمشاهد المتناقضة. مدينة السحر البشع الذي لا يحبه إلا من أدمن عليه. ويفسر هذا الامر حجم الاستثمارات التي ينتظر أن يتم توظيفها في مشروع تطوير مطار جي. أف. كنيدي والبالغة تسعة بلايين دولار، والتي ستسمح بتحقيق ربط افضل بين المطار الدولي الكبير وأنحاء المدينة وولايتي نيويورك ونيوجرسي، علاوة على تحديث المحطات الجوية فيه وشبكة الطرقات والمرافق الأساسية. بعد انهاء معاملات الهجرة والجمارك، يعاني المسافرون من مشقة ترتيب رحلتهم بسيارة التاكسي أو باصات النقل العام او سيارات الفان الخاصة. وليس سائقو سيارات الأجرة في نيويورك الأفضل في العالم، لكن المتوقع أن تكون الرحلة ميسرة وسهلة، وأغلبهم لطيف أو عادي السلوك. إلا أن هناك بعضهم الذي يثير التساؤل حول الكيفية التي أتاحت له الحصول على رخصة مزاولة المهنة من دون أن تتوافر له الفرصة حتى لتعلم قراءة الخرائط والتجول في أقضية المحافظة. بين مطاري كنيدي ولاغوارديا تبلغ المسافة 5،16 كيلومتر يمكن قطعها في 30 الى 45 دقيقة وبكلفة تقارب 22 دولاراً بالتاكسي، وبين لاغوارديا ونيوارك 6،25 كيلومتر تقطع في 60 إلى 90 دقيقة وبكلفة تناهز 60 دولاراً بالتاكسي، وبين كنيدي ونيوارك 32 كيلومتراً تقطع في 75 إلى 90 دقيقة وبكلفة تبلغ 65 دولاراً. وقد يكون الأفضل استخدام الحافلات العامة وخدمة سيارات الفان الخاصة التي تقدمها شركات لها مكاتب داخل المطارات. وتكلف الحافلات العامة عشرة دولارات في حين تختلف كلفة التنقل بسيارات الفان والليموزين الخاصة. أما المسافة من وسط نيويورك التجاري في مانهاتن وحتى لاغوارديا فتصل إلى 15 كيلومتراً، مقابل 25 كيلومتراً إلى نيوارك في نيوجرسي، و24 كيلومتراً إلى مطار كنيدي. في 16 ايلول سبتمبر الماضي بدأ مشروع ضخم، طال انتظاره عقوداً عدة، لبناء قطار عصري ومتطور لنقل الركاب بين مطار كنيدي و مدينة نيويورك ومحطات المترو الكبيرة فيها. إحصاءات "هيئة مرافىء نيويورك" تقول إن عدد الركاب الذين استخدموا المطارات الثلاثة السنة الفائتة بلغ 2،86 مليون مسافر، من بينهم 32 مليوناً استخدموا مطار كنيدي وحده، واضطروا إلى اللجوء إلى وسائل نقل تستخدم الطرقات المزدحمة التي تربط بين المطار وبقية أنحاء الولاية. وعلى غرار لندن التي تزودت بقطار سريع يربط مطار هيثرو الدولي بمحطة بادنغتون للقطارات، وبقية العواصم الأوروبية التي تستخدم قطارات فائقة السرعة لنقل الركاب، سيتمتع مطار كنيدي بقطار سريع أطلق عليه "آرتراين" تبلغ كلفته الاجمالية 5،1 بليون دولار. وستجمع هذه الاموال من دون الاعتماد على أموال البلدية أو ولاية نيويورك، على أن تنتهي الأشغال عام 2002 ويفتح الخط السريع للجمهور. ويصل عدد المحطات الجوية في مطار كنيدي، الواقع في قضاء كوينز، إلى ثماني محطات، تم تجديد المحطة الأولى بينها العام الماضي. ولدى انتهائه، سيسمح القطار السريع والجديد بالمرور على محطات المطار الجوية الثماني، وقطع مسافة ال 5،3 كيلومتر التي تفصل بينها، في مدى ثماني دقائق، بدلاً من 45 دقيقة كما يحدث أحياناً مع الحافلات المكوكية التي تنقل المسافرين مجاناً بين محطة وأخرى. كما يتيح القطار إيصال المسافرين إلى محطة جامايكا التي تبعد خمسة كيلومترات الى الشمال، لتربطهم بشبكة المترو والطرقات الخاصة بالولاية، وذلك في ثماني دقائق. أما الوصول الى مانهاتن فيتم في 45 دقيقة، مهما كانت حالة الطقس او درجة الازدحام الخانق الذي تعاني منه نيويورك في ايام كثيرة من السنة. وهناك توصيلة طولها 5،5 كيلومتر من المحطة المركزية الوسطى في المطار تتيح للمسافرين استخدام المترو والقطار وطرق المواصلات البرية، وتصل إلى محطة هوارد بيتش للمترو. ويشكل تطوير خطوط المواصلات إلى المطار الدولي الأول في اميركا الشمالية أكبر تحدٍ تواجهه مدينة نيويورك التي نجحت في مكافحة الجريمة في بعض شوارعها وساحاتها الرئيسية، وتمكنت من خفض عدد الجرائم وعمليات النشل وسرق الحقائب في مطار كنيدي بنسبة 5،25 في المئة. إلا أن التحديات الأساسية تبقى تطوير الخدمات والمرافق االاساسية، لمنع تقدم مطارات أخرى في الولايات المجاورة لسرقة مكانة الريادة التي يتمتع بها المطار النيويوركي الكبير.