محبو الصيد والحيوانات البرية يعتبرون كينيا في الشرق الأفريقي جنة من جنات لهوهم وهواياتهم. والاحصاءات السنوية تقول لنا ان كينيا هي واحدة من البلدان الافريقية التي يزورها السواح اكثر من اي بلد افريقي آخر. اما جومو كينياتا، فأضحى في ذمة التاريخ. زعيم كينيا القوي، والرئيس الذي حكم كينيا طويلا وتمكن من جعلها واحة سلام في منطقة مضطربة، كان، خلال السنوات الاخيرة من حياته، من اصدقاء الغرب، بحيث ان اسمه ارتبط بتلك الصداقة. ولكن، لئن كانت كينيا اضحت جنة للصيد، وزعيمها صديقا للغرب ولبريطانيا على وجه التحديد، منذ بداية سنوات الستين على الاقل، فان هذه الحال لم تكن حالهما، قبل ذلك بسنوات قليلة. اذ قبل حصولها على الاستقلال عن الاستعمار البريطاني، وقبل العديد من الثورات الافريقية الاخرى، كانت كينيا عرفت بثورة صاخبة هي ثورة "الماوماو"، الثورة التي عانى منها التاج البريطاني كثيرا، والتي اوصلت جومو كينياتا في شبابه الى السجن. بدأ اسم الماوماو، واسم جومو كينياتا يلمعان على الساحة العالمية، منذ صيف العام 1951 حين عقد ثوار الماوماو اجتماعا سريا في الغابات اقسموا خلاله على طرد البيض من بلدهم. في ذلك الحين لم يكن احد يعرف عن جمعية الماوماو شيئا، باستثناء ما تسرب من انها بدأت عقد اجتماعاتها السرية منذ عام كامل، وان هدفها الحصول على الاستقلال. مع هذا قال المحللون يومها ان لمثل ذلك القسم مفعول السحر وان مقاتلي قبائل الكيكويو، الذين يشكلون القوة الرئيسية لثوار الماوماو يلجأون الى السحرة لدعم مواقفهم واضفاء الصدقية على قسمهم. يومها اعتقلت الشرطة عددا من اصحاب القسم، لكن كان على السلطات البريطانية ان تقر بأن مثل تلك الاجراءات لن تكون كافية. ومن هنا بدأت حملة قمع ضد كل من يشتبه بانتمائه الى الماوماو، وهذه الحملة وصلت الى ذروتها يوم 17 نيسان ابريل 1953، بعد سلسلة عمليات قام بها مقاتلون من الماوماو ضد المستوطنين البيض، وضد رجال الشرطة. ولقد تلا ذلك كله اعتقال جومو كينياتا الذي بدأ يعرف منذ ذلك الحين بأنه الزعيم الفعلي لحركة الماوماو. وكانت السلطات البريطانية اتهمت كينياتا بأنه وراء مقتل العشرات من البيض ومن رجال الشرطة، واعتقلته في اواخر العام 1952. وحين اندلعت اعمال عنف اثر ذلك اضطرت الحكومة البريطانية الى ارسال قوات كانت مرابطة في منطقة قناة السويس لقمع الانتفاضة، في وقت كان فيه البيض في كينيا قد كفوا عن حياتهم الاحتفالية خوفا من عمليات "ارهابية" يقوم بها الثوار. وهكذا وجدت السلطات البريطانية نفسها امام معركة حقيقية جديدة. وخلال الاسابيع التالية راحت تعتقل العشرات. ووصل الأمر بالحاكم العسكري البريطاني الى اصدار الأمر باغلاق 34 مدرسة في مدن كينية متفرقة، اشتبه بسيطرة رجال الماوماو عليها. غير ان ذلك كله لم يجد نفعا. اذ ان الثوار زادوا من تحركهم وقد بات لهم الآن هدف جديد: اطلاق سراح كينياتا ورفاقه. غير ان السلطات البريطانية لم تستجب لذلك بالطبع، بل امعنت في التصدي فأعلنت عن محاكمة الزعيم الوطني، واصدرت عليه يوم السابع عشر من نيسان ابريل 1953 حكماً بالسجن سبعة اعوام مع الأشغال الشاقة بتهمة "تزعم جمعية سرية ارهابية". كينياتا جابه يومها قضاته مدافعا عن نفسه، فتحدث باسمه وباسم عدد من رفاقه المعتقلين والذين كانوا يحاكمون في الوقت نفسه، معلناً بأنهم ليسوا مذنبين، كل ما في الأمر انهم تعرضوا وشعبهم للاضطهاد من قبل سلطات استعمارية تحاول عبر ضربهم ان تضرب حركة تحرر وطني تريد ان تعيد للشعب الافريقي حقوقه. وانكر كينياتا في الوقت نفسه ان يكون ورفاقه اعداء للبيض. في الوقت الذي كان فيه الحكم يصدر على كينياتا وبقية قيادات الماوماو، كانت السلطات البريطانية تعتقل اكثر من الف شخص بالقرب من نيروبي اشتبهت بانتمائهم الى الماوماو لمجرد انهم كانوا يحتجون على الاحكام الجائرة التي طاولت نخبة من ابناء بلدهم في الصورة: الشرطة الانكليزية تنقل كينياتا ورفاقه من المحكمة الى السجن.