"ان الغزاة المتعجرفين يهربون اليوم كالفئران، لكن الأرض ساخنة ملتهبة تحت اقدامهم. دمروا سفنهم، اسقطوا طائراتهم. لا تتركوا لأي جندي من جنود العدو فرصة للهرب" بهذه العبارات خاطب ستالين جنوده والمقاتلين السوفيات بشكل عام، حين بدا له واضحاً ان الاتحاد السوفياتي قد ربح حرب القرم. والغريب في الأمر ان حصول السوفيات على الانتصار التام في القرم، لم يستغرق في مرحلته الاولى والأساسية سوى خمسة أيام. وهو ما لم تكن القيادة الألمانية تتصوره ولا في احلك كوابيس زعمائها. والحال انه كان انتصاراً كبيراً وساحقاً، اراد ستالين لاحقاً ان يستفيد من دلالاته، ولم يخف ذلك بالطبع، حين اختار مدينة يالطا على البحر الأسود، وفي منطقة القرم بالذات، لكي تكون مكان اجتماع قادة الحلفاء به، في ذلك المؤتمر الشهير الذي كان جوهره الأساسي تقسيم العالم الى مناطق نفوذ بين منتصري الحرب العالمية الثانية. اختار ستالين يالطا، لكي يذكر حلفاءه ويذكرهم دائما، بذلك، الانتصار الكبير الذي تحقق بشكله الصارم يوم 16 نيسان ابريل 1944، في مدينة يالطا بالذات. ففي ذلك اليوم، وفيما كان ستالين يلقي بيانه الصاخب المليء بنشوة الانتصار، كانت قوات الجيش الأحمر، تنجز احتلال يالطا، وتسيطر تماماً على سيباستبول، وذلك بعد مرور خمسة ايام فقط على بدء الهجوم الذي كان يرمي أصلاً الى استعادة القرم، لكنه كان من المفترض به ان يدوم بعض الوقت. من هنا كانت قيادة الجيش الاحمر، في طليعة الذين ادهشهم انهزام الألمان بسرعة، وسقوط جنودهم بعشرات الألوف بين قتيل وجريح وأسير. وتقول مصادر تلك الأيام انه مع حلول اليوم الخامس للقتال، وسقوط يالطا بعد أوديسا، وانهيار مقاومة الألمان في سيباستيول، كان عدد قتلى هؤلاء قد بلغ نحو 120 ألف قتيل. في يوم 16 نيسان، اذن، وفيما كانت القوات السوفياتية تطارد فلول القوات الالمانية والرومانية المرابطة في سيباستيول والتي كان عددها يقدر بمائة الف جندي، كان السوفيات في طول بلادهم وعرضها يحتفلون بالانتصار الكبير. كان السوفيات بدأوا هجومهم لاستعادة القرم يوم 9 من الشهر نفسه، بدفعهم ثلاث فرق مدرعة هاجمت القوات الألمانية قوية الاستحكامات عندما يسمى بعنف شبه جزيرة القرم. على الفور سقط ميناء اوديسا على البحر الاسود، وفي اليوم التالي سقطت مدينة كيرش، وهي الواقعة الى اقصى الشرق من شبه الجزيرة، وكذلك تمكن الجيش الاحمر من الاستيلاء على مركز تقاطع لخطوط السكك الحديد في دجانخوي. والحقيقة ان استعادة اوديسا كانت نقطة الذروة في هجوم شامل طاول جبهة عرضها يزيد عن عشرين كيلومتراً، ونتج عنه في ساعاته الاولى مقتل نحو 5500 جندي الماني.. اضافة الى تدمير كمية هائلة من الاعتدة الحربية الألمانية. بعد ذلك، اذ حل دور يالطا على الساحل الجنوبي، بدأت القيادة الالمانية محاولة يائسة لانقاد ما يمكن انقاذه، ودعم قواتها المحاصرة هناك، بين البحر والمدرعات السوفياتية الزاحفة. كانت القيادة الألمانية تعرف ان لا بد لها الآن من اخلاء المنطقة، فالسوفيات اذ سيطروا على اجواء شبه الجزيرة وحاصروا الموانئ بحراً، لم يتركوا اي امل للألمان بالبقاء. لذا كان الاخلاء وانقاذ اكبر عدد ممكن من الجنود والاعتدة هو الهدف الوحيد الآن، لذلك ارسلوا قوات دعم لتنزل في المرافئ القليلة التي كانوا لا يزالون يسيطرون عليها، غير ان القاذفات السوفياتية راحت تهاجم السفن ناقلة قوات الدعم بشكل مرعب وقاتل، ما جعل القسم الأكبر من القوات الالمانية عاجزاً عن فرار تمكن منه فقط بعض القادة العسكريين الكبار وبعض المدنيين. وراح مرفأ سيباستبول يمتلئ بحطام السفن وبجثث القتلى، فيما راح طيران الجيش الأحمر يكثف طلعاته غير تارك للألمان وحلفائهم اي مجال للهرب. وهكذا بات تحرير كامل القرم مسألة ايام وساعات، وصار في وسع ستالين ان يحث قواته على مطاردة رجال العدو كالفئران. وهو حين استقبل تشرشل وروزفلت بعد شهور في مدينة يالطا، لم يفته ان يقول كم ان معركة القرم كانت حاسمة بالنسبة الى الحرب العالمية الثانية، معتبراً نفسه - بفضلها - المنتصر الأكبر في تلك الحرب.