"سرقة الكحل من العين". هذا التعبير العربي يمكن أن يصف ما تفعله تجارة الاتصالات البديلة المشهورة بأسماء "معاودة النداء" و"بطاقات المكالمات" و"إعادة البيع". تسبب هذه التجارة للدول العربية خسارة ملايين الدولارات سنوياً. ويستغل الهاتف البديل، الذي يمثل قوى العولمة وهي تعمل الثورة التكنولوجية في الاتصالات والمعلومات للالتفاف على شبكات الهاتف العربية واستخدامها كمحطة "ترانزيت" لتحويل المكالمات الخارجية عبر شبكات تعود في الغالب الى شركات أميركية. ويعتبر المتحمسون للاتصالات البديلة نشاطاتها مشروعة ومفيدة للمستهلك العربي الذي يعاني من ارتفاع اجور الهاتف الدولي ويشكو من عدم توافر خدمات كافية. لكن هذه النشاطات تشفط جزءاً كبيراً من موارد الهاتف الدولي، التي تعتبر من أهم مصادر النقد الأجنبي بالنسبة لكثير من الدول العربية. قفزت تجارة "الاتصالات البديلة" من صفر في بداية التسعينات الى نحو 600 مليون دولار عام 1996 والى ما يزيد عن بليوني دولار في الوقت الحالي. وتقدم "الاتصالات البديلة" صورة عما تفعله قوى العولمة في العالم. فهي نشأت عن ترابط عوامل التكنولوجيا والمال والاقتصاد. يقر بذلك تقرير خاص بالاتصالات البديلة صادر عن "الاتحاد الدولي للاتصالات"، وجاء فيه أن تكنولوجيات كبلات الألياف البصرية تحت البحار والكومبيوتر وخطوط النطاق العريض ضاعفت مئات المرات قدرات الاتصالات وخفضت عشرات المرات نفقات الارسال الهاتفي. وأوجدت قوة الكومبيوتر بدالات هاتف قادرة على شق طريقها عبر أيسر الطرق وأسرعها وبلمح البصر. وأطلقت العولمة المالية وتحريرالأسواق منافسة ضارية بين مشغلي الاتصالات الدوليين ومقدمي الخدمات وهيأت الفرصة لتطوير الأسواق الخاصة بشركات "معاودة النداء" و"بطاقات المكالمات" و"إعادة البيع" التي تتاجر بملايين الدقائق من المكالمات الهاتفية يومياً. ونشأت سوق دولية بديلة للاتصالات تماثل في حركتها اليومية وقفزاتها غير المتوقعة أسواٍق الأسهم المالية. واستغلت الشركات التي تعمل في معاودة النداء عدم تطابق اجور الهاتف الدولي مع الكلفة. وعمل هذا ضد البلدان العربية، حيث حافظت خدمات الاتصالات على أسعارها العالية في حين تقدم الاتصالات البديلة خدمات تقل مرات عدة عن مستوى اجور المكالمات الهاتفية الدولية. حدث ذلك على مسمع ومرآى من إدارات الاتصالات العربية التي تابعت بأنفاس مكتومة كيف تنتقل ثمار استثماراتها في الثمانينات الى جيوب الغير في التسعينات. ويذكر مسؤولون عرب في "الاتحاد الدولي للاتصالات" أن الادارات العربية التي اعتادت على التفاوض مع إدارات حكومية تماثلها في الحجم وطرق العمل وجدت نفسها تواجه لاعبين تجاريين أكبر حجماً منها وضغوطاً من أجل تبادل الحسابات على اسس جديدة لا قبل لها بها واتصالات بديلة تخالف القواعد التنظيمية الدولية. ويقر المسؤولون بأن "الاتحاد الدولي للاتصالات"، الذي يضم ممثلي إدارات الاتصالات من جميع البلدان لا يستطيع "أن يتخذ أي تدابير بشأن الاتصالات البديلة سوى أن يوصي الذين يعانون من هذه الإجراءات بخفض تعريفاتهم" لمواجهة المنافسين الجدد. لكن الى أي مستوى يمكن أن تذهب الادارات العربية في خفض تعريفاتها الدولية من دون أن تقضي على صناعتها الوطنية؟ هذا السؤال ما يزال يبحث عن جواب طوال عقد التسعينات. وتقدّر خسارة مؤسسات الاتصالات في البلدان العربية بما بين 10 و20 في المئة من موارد المكالمات الهاتفية الدولية، وهذه النسبة في ازدياد متواصل. وتؤثر الخسارة الكبيرة على ميزان المدفوعات في كثير من البلدان العربية التي تشكل لها موارد الهاتف الدولي مصدراً ثابتاً للحصول على النقد الأجنبي. وذكر السيد سامي البشير مدير المكتب الاقليمي للدول العربية في "الاتحاد الدولي للاتصالات" أن التجارة بطرق معاودة النداء" و"بطاقات المكالمات" وغيرها من وسائل الاتصالات البديلة تعتبر مخالفة للقانون في البلدان العربية وصدرت قرارات عدة بحظرها على مستوى الجامعة العربية ومجلس تعاون الخليج ومجلس وزراء الاتصالات العرب، وتلاحق وزارات الداخلية في الدول العربية تجارة الاتصالات البديلة وتفرض عقوبات على الضالعين فيها. وقال السيد سامي البشير ل"الحياة" أن وقف هذه النشاطات التجارية التي يزيد حجم سوقها العالمية على بليوني دولار سنوياً غير ممكن من دون اتفاقات دولية متعددة الأطراف واعادة هيكلة النظام المحاسبي للتعريفات. وبسبب صدور معظم هذه النشاطات عن الشركات الأميركية أبلغت الدول العربية حكومة الولاياتالمتحدة بقراراتها وطلبت منها التعاون في وضع حد لهذه النشاطات المخالفة للقانون. ويبلغ عدد الدول التي تحظر تجارة الاتصالات البديلة نحو 60، بينها 10 دول عربية. وتقود البلدان العربية تياراً قوياً داخل "الاتحاد الدولي للاتصالات" يطالب باعادة هيكلة نظام الحسابات الخاص بتعريفة الاجور وسد الثغرات التي تستغلها الشركات الأجنبية. لكن السؤال المطروح، كما في جميع المشاكل التي تعاني منها الدول العربية، هو : كيف يمكن لإدارات الاتصالات العربية مواجهة عمالقة الصناعة العالمية؟ وغالباً ما يُلقى باللوم على إدارات الهاتف العربية التي تفرض تعريفة اجور عن الهاتف الدولي تزيد عن ضعفي الاجور في البلدان الصناعية. وتستغل شركات "معاودة النداء" هذا الوضع المفارق. فمستوى اجور خدمات الهاتف التي تقدمها تقل مرات عدة عن التعريفة العربية. ويرد السيد سامي البشير على منتقدي المستوى العالي لاجور الهاتف الدولي في العالم العربي بالقول أن الدول العربية ليست ضد المنافسة وخفض الأسعار، لكن ذلك ينبغي أن يتم بطرق شرعية متفق عليها بين الدول، ولا ينزل أضرار بأنظمة الاتصالات العربية. فطرق "معاودة النداء"و""إعادة البيع" تسبب مشاكل تقنية للشبكات العربية وتؤدي الى تدهور عملها. ويعرقل حجز الخطوط من قبل شركات "معاودة النداء" سير الاتصالات ويشل خدمات الهاتف المحلي. "هل إعادة البيع"و"معاودة النداء" سرطان أم علاج؟". هذا هو العنوان الذي اختارته مؤسسة الأبحاث الدولية "أوفوم" Ovum للتقرير الخاص بطرق الاتصالات البديلة. وذكر التقرير أن تقنيات معاودة النداء تقسم العالم الى بلدان الطلب، حيث تعريفة الهاتف عالية والطلب على الخدمات أكبر من العرض، وبلدان العرض، حيث التعريفة منخفضة والعرض كبير. ويقر تقرير "اوفوم" بانقسام الرأي في تقييم خدمات "معاودة النداء". فالبعض يعتبرها مفيدة، ويعتقد أنها ساعدت على خفض الكلفة بالنسبة للمستهلك الى أقل من نصف أسعار خدمات الهاتف التي تحتكرها الحكومات في الغالب. ويعتبر كثيرون الاتصالات البديلة من أفضل طرق للضغط على خدمات الهاتف المملوكة للقطاع العام في كثير من الدول من أجل خفض أسعارها وتقديم خدمة أفضل للجمهور. ويشير تقرير "اوفوم" الى أن ميزان الاتصالات الواصلة والصادرة بين الولاياتالمتحدة وهونغ كونغ الذي كان متعادلاً تقريباً مالَ 4 مرات لصالح الولاياتالمتحدة عند ادخال خدمات "معاودة النداء". ويمكن تصور حجم المشكلة التي تواجهها الدول العربية والنامية عموماً إذا صحت توقعات "اوفوم" في مضاعفة حجم السوق العالمية لمعاوة النداء 10 مرات خلال السنوات العشر الحالية لتبلغ عام 2005 نحو 31 بليون دولار. فجميع الدول العربية والنامية تقع في قائمة بلدان الطلب، فيما تسيطر على أسواق العرض الولاياتالمتحدة. يملك جميع الشركات الأميركية الناشطة في هذا الميدان صفحات على الانترنت يمكن من خلالها اجراء المكالمات الهاتفية ودفع اجورها بواسطة البطاقات المصرفية. وتشرح هذه الصفحات للجمهور طرق التحايل على الشبكات المحلية. ويكمن اغراء الخدمات البديلة في الكلفة القليلة لاقامة الأعمال الخاصة بها والتي لا تتجاوز في الغالب نحو 10 ألاف دولار يدفعها صاحب المشروع لشراء جهاز كومبيوتر وبعض برامج توجيه المكالمات واستئجار قليل من خطوط الهاتف. وكلفة المشروع الحقيقية تذهب الى تسويق الخدمات وليس انتاجها. وتلعب بريطانيا دور الخرطوم hub في ضخ هذه الأعمال، حيث يعقد الاسبوع المقبل المؤتمر الدولي للاتصالات البديلة Resale99. ويعرض المؤتمر الذي يعقد في المركز التجاري The Merchant Centre في لندن جميع أنواع الاتصالات البديلة وأحدث التقنيات المستخدمة فيها، ويناقش مشاريع اصلاح أنظمة المحاسبة والتعريفات وفرص إقامة تحالفات استراتيجية بين مشغلي الهاتف والصناعات العالمية. موقع الاتصالات البديلة في الاتحاد الدولي الاتصالات على الشبكة العالمية: http://www.itu.int/itudoc/itu-t/com3/callback.html موقع مؤتمر الاتصالات البديلة Resale في لندن: www.iir-conferences.co