صمتت اسرائيل الرسمية لأيام قبل ان تقول، رأياً في "حرب كوسوفو". كان وزير الخارجية ارييل شارون أول المتكلمين فحذر من قيام دولة اسلامية في اوروبا قد تتحول الى "قاعدة ارهابية" ورفض سابقة تدخل الأطلسي معتبراً ان اسرائيل يمكنها ان تكون هدفاً ثانياً. وبما ان الحجتين مضحكتان بعض الشيء فان هناك من رأى في التصريح المنسوب الى الرجل غزلاً علنياً مع "اليهود" الروس لأسباب انتخابية. اضطر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الى التدخل فدان العدوان الصربي وأيد عمليات الحلف. لكنه، هو الآخر، لم ينس الهموم الانتخابية فخاطب مواطنيه داعياً اياهم الى التمسك بالدولة القوية والزعيم القوي هذا هو شعاره في الحملة حتى لا يصيب الاسرائيليين ما أصاب البان كوسوفو. اما ايهود باراك فغلب البعد الاستراتيجي على ما عداه معتبراً انه طالما ان الولاياتالمتحدة في حرب فان على اسرائيل ان تكون الى جانبها. وتشاء "الصدف" ان يكون هذا هو مطلب واشنطن من تل ابيب. التأخر الاسرائيلي في اعلان موقف ملفت بخاصة ان الاطلسيين والصرب تبادلوا الاتهامات بالنازية. حاول بيل كلينتون الايحاء بأنه تشرشل في مواجهة "هتلر" البلقان ورد ميلوشيفيتش بأنه تيتو يوغوسلافيا في مواجهة "هتلر" الأطلسي. وتزامن قصف بلغراد مع ذكرى الانتفاضة الصربية ضد الحلف مع الرايخ الثالث فتعززت الدعاية التي تخلط بين التطهير العرقي وحرب الانصار. لم ينتظر الرأي العام الاسرائيلي مواقف قادته. بادرت أكثرية منه الى اعلان التضامن مع البان كوسوفو وشكلت قوة ضغط لعبت دوراً في دفع الدولة نحو المشاركة في عملية الاغاثة للاجئين، ومصدر هذا الانحياز التماهي الذي قامت به أوساط اسرائيلية، غربية عموماً، مع الضحايا وفي شكل استعاد ذكريات مؤلمة لقطاع واسع متحدر من اوروبا الشرقية والوسطى. واندلع نوع من الصراع الخفي بين الرأي العام الاسرائيلي والرأي العام الفلسطيني، او لنقل نوع من المنافسة على التماهي مع الضحية. وكان سهلاً على الفلسطينيين القيام بذلك بخاصة بمناسبة مرور الذكرى 51 لمجزرة دير ياسين. فهذه الذكرى تحيل الى مقارنات ذات صلة بالصراع الاسرائيليپ- الفلسطيني وليس بما يحاوله الاسرائيليون من قفز فوقه لوقف التاريخ عند مرحلة تناسبهم دعاوياً وتطمس الانقلاب في الأدوار. فمجزرة دير ياسين جزء من خطة تطهير عرقي قام بها الصهاينة وسبقت، بعقود، تلك التي شهدتها منطقة البلقان في التسعينات. وهي كانت تستند الى النظرية المعروفة "شعب بلا أرض وأرض بلا شعب". وشكلت هذه النظرية احد الأعمدة الراسخة للسلوك الصهيوني الذي اندفع نحو تفريغ الأرض من شعبها. وكانت حجته في ذلك هي، تماماً، مثل الحجة الصربية اليوم وتقول "ان هذا هو موطننا الروحي ولا بد من طرد الاغيار منه". ان التماهي الفلسطيني مع البان كوسوفو جدي، لكنه يقود الى موقف مشكل من القوى المتدخلة في الحرب ضد يوغوسلافيا او على الأقل. بعض هذه القوى. فالولاياتالمتحدة عارضت، منذ البداية، ان تكون للفلسطينيين الحقوق التي تقاتل الآن لمنحها للألبان. وهي ضغطت، حتى اللحظة الأخيرة، من أجل منع اعلان الدولة رابطة ذلك بنتيجة المفاوضات حتى لكأنها تمنح ميلوشيفيتش حق "الفيتو" على أي قرار لألبان كوسوفو. وهي تتعامى، نهائياً عن وضع الأقلية العربية في اسرائيل والتي تعاني تمييزاً يرسم حدوداً قاطعة للديموقراطية الاسرائيلية ويجعلها اقرب ما تكون الى "الابارتايد". تماهي الرأي العام الاسرائيلي مع البان كوسوفو يعني انه يريد ان يضع جانباً الذكريات التاريخية للموقف الصربي ضد النازيين. واذا كان ذلك ممكناً فهو علامة تحول جديرة بالملاحظة. وهو ممكن بقدر النجاح الاسرائيلي في تمثل انقلاب الأدوار، اما الرأي العام الفلسطيني فان هذا التماهي نفسه يفتح لديه جروحاً لها علاقة بحاضره ومستقبله