تتبّعنا في مقالتين سابقتين أهم حقائق معالم مكةالمكرمة على ضوء القرآن الكريم والتاريخ والعلم وبشريات الكتب، هنا في هذه المقالة الاخيرة نستعرض بقية الحقائق. شرع الله وأصحاب النفوس المريضة أثبتت لنا الحقائق السابقة في الحلقتين الماضيتين بأن الحج كان منذ تشريعه االأول على الفطرة التوحيدية، الذي نادى بها ابراهيم عليه السلام وكما أمرهُ بذلك الله سبحانه وتعالى، وأن الوثنية دخلت على مفهوم الحج من بعد ابراهيم بسنين، وهي من الحقائق الثابتة في التاريخ، حيث أن الأنصاب والأوثان سواء في مكة أو التي نصبت على الصفا والمروة وما حولهما، دخلت في فترات لاحقة وبعيدة نسبياً عن عصر التوحيد في مكة، كهبل الذي جلبه عمرو بن لحيّ من مآب من أرض البلقاء الى مكة، ونصبه في جوف الكعبة وأمر الناس بعبادته وتعظيمه، وغيرها كثير مما لا يسع المجال على ذكر حقائقها هنا... وعلى الرغم من كُل ذلك كانت توجد هناك بقية ممن احتفظوا عبر الأجيال في جزيرة العرب بموروث التوحيد الإبراهيمي الخالص. يقول الأب جرجس داود في كتابه "أديان العرب قبل الإسلام": "لقد كان لإبراهيم أتباع فيما بين عرب الجاهلية، ولم يعتنقوا اليهودية ولا المسيحية ... وكانوا كثرة محسوسة ... وتحت اسم مستقل هو "الحنفاء" وهم من احتفظوا بدين ابراهيم من الجاهليين"، والحنيف هو من بقي على دين ابراهيم ولم يشرك في عبادة ربه، وكان منهم قبل الإسلام على سبيل المثال لا الحصر أمية بن الصلت، وقيس بن ساعدة، وزيد بن عمرو بن نفيل الذي أسند ظهره يوماً الى الكعبة وهو يقول: "يا معشر قريش، والذي نفس زيد بيده، ما أصبح منكم أحد على دين ابراهيم غيري". هذا وان دلّ على شيء، فإنه يثبت بدليلٍ قاطع بأن دين ابراهيم والمناسك التي شرعها للناس، من حج وسعي ووقوف على عرفة ورمي جمار وهدي وغيرها كانت خالصة على دين التوحيد، وأن الشرك والأوثان أدخلت عليها لاحقاً، الى أن بعث الله خاتم أنبيائه ورسله ليطهّر هذه المناسك من دنس ورجس الشرك والمشركين، وليحيي عقيدة ومناسك فطرة التوحيد التي نادى بها الأنبياء في تشريع جديد، وهذه الحقائق تخرص بعض أصحاب النفوس المريضة الضالة التي لا همّ لها إلا ببث السموم وصديد القيح بين المهتدين بسمو نفوسهم في معرفة وعبادة الله جلّ جلاله، ممن تدعي بأن مناسك الحج من بقايا الوثنية قبل الإسلام. ولنا في الرد عليهم ما توصل إليه أحد المصنفين من أهل الغرب من خلال تحرياته وتحقيقه عن عظمة الإسلام وحقيقة مناسكه، إلا وهو لامارتين الذي يقول في كتابه "تاريخ الأتراك" ما نصه: "ان محمداً رسول ونبي ومشرع وفيلسوف وخطيب وقاهر نظريات ومحيي العقائد الحقيقية الخالية من الشرك والتجسيد والأصنام والتماثيل". وممن توصلوا الى حقائق فطرة الحج الى الكعبة الحرام والتي على ضوئها اهتدوا الى الإسلام الأب القس البروفيسور ديفيد بنجامين الذي أفرد فصلاً لهذه الحقائق في كتابه "محمد في كتاب اليهود والنصارى". الصفا والمروة قال تعالى: ]ان الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت او اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف بهما ومن تطوع خيرا فان الله شاكر عليم[. وقد عرّفنا الرسول عليه الصلاة والسلام حكمة السعي بينهما في حديث يتحدث فيه عن هاجر والدة إسماعيل عليهما السلام وهي تبحث عن الماء: "فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر: هل ترى أحداً؟. فلم ترى أحداً، فهبطت من الصفا حتى جاوزت الوادي ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحداً، فلم ترى أحداً؟. ففعلت ذلك سبع مرات. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: فذلك سعي الناس بينهما". وفي صحيح مسلم، ان رسول الله عليه الصلاة والسلام لما فرغ من طوافه بالبيت عاد الى الركن فاستلمه ثم خرج من باب الصفا وهو يقول: "ان الصفا والمروة من شعائر الله"، ثم قال: "أبدأ بما بدأ الله به". لذا وَجَّهَ رسول الله عليه الصلاة والسلام المسلمين للسعي بينهما بقوله: "اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي". أما حكمة تذكر وتمثل الحاج بسعي هاجر بينهما التي جعلها الله شعيرة للناس فهي كثيرة، منها لكي يستحضر الحاج فقره وذله أمام سلطان الله، وحاجته الى الله دون سواه ومهما بلغ به الأمر من جاه أو سلطان علم أو مال أو ممالك أو فقر حال، ولهداية قلبه باليقين به، وصلاح حاله، وغفران ذنبه، وأن يهذب نفسه ويعلمها على ضوء ذلك التواضع والرحمة والصبر والسكينة وحسن التوكل واللجوء الى الله عزّ وجلّ دون سواه في أتعس الحالات أو أحسنها، لتفريج ما هو به عند كُل مصيبة وكرب وشدة، ولإصلاح حاله وبعدها عن التكبر والتجبر عند تهافت النعم عليه. َ شواهد النبوءات عن السعي بين الصفَا والمروَةَ فها هو الأب القس البروفسور في علم اللاهوت واللغات القديمة والمنقرضة ديفيد بنجامين من خلال بحثه ودراسته للتوراة والإنجيل، واكتشافه للحق عن طريق النبوءات الكثيرة التي اختصت بنبي الرحمة والحق للناس أجمعين محمد دون غيره، والتي على ضوئها أعلن إسلامه، قام بتأليف دراسة مستفيضة في كتابه "محمد صلى الله عليه وآله وسلم في كتاب اليهود والنصارى"، ذكر منها فيما يختص عن الصفا والمروة ما نصه: "وقد وصفت لنا الرؤى - أي رؤى الأنبياء في التوراة والإنجيل - بشكل عجيب كيف سترتفع القدس الجديدة من بعد المسيح من أرضها وتزرع في بلاد جنوبية. فما أروع تلك المنجزات التي تمّت بوساطة خاتم الأنبياء. ان القدس الجديدة لم تكن إلا مكة التي تقع جنوباً والمرتفعان اللذان تضمهما وهما: "المروة" و"الصفا" يحملان الإسمين نفسهما "موريا" و"زيون" للمرتفعين في القدس ولهما نفس المعنى... كُل هذا يُثبت بمنتهى الروعة أن تلك كانت إلهاماً إلهياً عن الأحداث الإسلامية التي سوف تتحقق في المستقبل البعيد، فهل استطاعت كنيسة روما أو بيزنطة أن تدعي أنها هي القدس الجديدة - الواقعة جنوبفلسطين-؟ وهل يستطيع البابا أو أي بطريرك أو كاهن آخر أن يدّعي ذلك...". وإذا علمنا من أسماء مكة القديمة "القادس" كما بيّنا ذلك في الحلقة الأولى. جبل الرحمة: "عرفات" ان اسم الرحمة من الأسماء التي تطلق على جبل عرفات، اشتهر بكونه أحد مناسك المسلمين الذي يحج اليه الحجاج بعد الطواف في مكة، ويقع على بعد 12 ميلاً شرقي مكة، ويصل ارتفاعه الى مائة وخمسين قدماً. وهو يمتلىء بالحياة والحركة المليونية من الناس يوماً واحداً من السنة التاسع من ذي الحجة في شعيرة "الوقوف". وقد وردت نبوءات كثيرة فيما يختص بجبل الرحمة عرفات في أسفار التوراة والإنجيل منها: "هذا ما سمعه النبي إشعيا في رؤيا: يكون في الأيام الآتية، أن جبل بيت الربّ يكون ثابتاً في رأس الجبال، ويرتفع فوق التلال، اليه تتوافد جميع الأمم، ويسير شعوب كثيرون ويقولون: لنصعد الى جبل الربّ". إشعيا 2/1. والمنسك الذي يسعى فيه الناس الى الجبل المرتفع فوق التلال، وتجري اليه الأمم من مختلف أنحاء العالم، وتسير اليه الشعوب المختلفة الكثيرة وتأتيه من أقاصي الأرض، ويصعدون الى الجبل ويقولون لنصعد الى جبل الربّ أي جُعل فرضٌ عليهم متوجهين الى بيت الله الحرام هو الحج في الإسلام" إذ يصعد المسلمون الى جبل عرفات ويطوفون بالكعبة الشريفة، وهو ما أكد عليه الرسول الكريم محمد صلّى الله عليه وسلّم حين قرن الحج بجبل عرفات حيث قال: "ان الحج عرفة" - وكرّرها ثلاثاً-. وأيضاً إذا علمنا بأن اليهود ليس لديها منسك حسب عقيدتها لكُل الأمم والشعوب وعلى اختلاف أعراقهم وأشكالهم وألوانهم، بل مناسك عقيدتها مختصة بعرقها دون غيره، وليس هناك من أمّة على الأرض لديها هذا المنسك سوى الإسلام، وهذا قد تم في آخر الأيام أي في آخر الأديان. وهذا كله يطابق دين الإسلام وتبشير صريح بنبي الإسلام ومناسكه الطاهرة التي شرعها للناس أجمعين... ولعلهم يهتدون... فهل يمكن أن تكون هذه الرسالة دعوة إنسان؟... أم لا بد أنها رسالة من الله؟... وان حاملها هو الحق المبين الذي بعث رحمة وهداية للعالمين. وسبحان الله الذي بشر بخاتم النبيين والرسل رسوله ابن مريم عليهما السلام: ]وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومُبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا: هذا سحرٌ مبين[. ]إن الله وملائكته يصلّون على النبي يا أيّها الذين آمنوا صلّوا عليهِ وسلّموا تسليما[. هدي الحج قال تعالى: ]ولك أمة جعلنا منسكاً ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام[، ]والبُدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صَوَآفْ فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القلنع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون، لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبّروا الله على ما هداكم وبَشّرِ المحسنين[. الهدي هو الحيوان الذي يسوقه الحاج ليذبحه بعد أداء مناسكه في جبل عرفات قربان شكر لله، وإطعام المسكين والضعيف منها، يقول تعالى: إنما شرع لكم نحر هذه الضحايا لتذكروه عند ذبحها ولتعويد أنفسكم على شكر نعم الله، فإنه الخالق الرازق لا يناله شيء من لحومها ولا دمائها، فهو الغني عما سواه. من فضائل وخواص مكةالمكرمة الحقيقة فضائل وخواص مكةالمكرمة التي تفردت وتميزت بها كثيرة وكثيرة جداً لا تعد ولا تحصى، لقد وقعتُ على الكثير والكثير من الحقائق التي اختص بها هذا البلد الحرام، سواء من رحمة هذا الدين أو العلم أو أسفار التاريخ أو من خلال دراستي المستفيضة لأسفار التوراة والإنجيل التي لا يعلم في جهد ساعات لياليها إلا الله، والتي أوردنا شيء بسيط منها في دراستنا هذه، وبإذنهِ تعالى سوف نوردها بتحقيق وننشرها تباعاً تصديقاً لقوله تعالى: ]الذين يتبعون الرسول النبي الأُميّ الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزّروه ونصروه واتبعوا النور الذي أُنزل معه أُولئك هم المفلحون[. ومن فضائلها وخواصها أيضاً اكتشف أحد الباحثين المختصين في بحث علمي أن "مكةالمكرمة" هي مركز الأرض، أي تقع بالنسبة للكرة الأرضية في مركز الوسط تماماً، وقد توصلوا الى ذلك بوسائل علمية قامت على نوع من الإسقاط المساحي الخاص فتوصلوا الى هذه النتيجة، وذلك أنه بعد وضع الخطوط الأولى لتصميم جهاز علمي يساعد على تحديد القبلة، تمّ اكتشاف أن مكةالمكرمة تقع في وسط العالم بالضبط. ولهذا فقد اختارها الله سبحانه وتعالى لتكون مقراً لبيته الحرام ومنطلقاً للرسالة السماوية، حيث إنها مركزاً لدعوة تعمّ العالم، وتخاطِب الأمم بأجمعها وهي دعوة خاتم النبيين الذي بُعث الى الناس كافّة. والأخبار المتواترة التي انتقلت عبر ذاكرة الأجيال في دحو الأرض من تحت الكعبة كثيرة جداً، وفي ذلك ما يشير الى هذه الحقيقة. ومن أسمائها التي تناقلتها بالتواتر "الرأس" ورأس كل شيء هو نقطته الأولى أو مركزه، و"أم القرى" أنظر أسماء مكة في الحلقة الأولى. كذلك من فضائلها وخواصها وبعد اكتسبت أهمية تجارية وأصبحت مطمع الإمبراطوريات والممالك التي كانت تحيط بها، بأنها البلدة الوحيدة التي حفظها الله في تاريخها كله من دنس فجور كل غزو أو سيطرة استعمارية وسيطرة كل من يُريد أن يفجر بها، مصداقاً لدعوة نبي الله ابراهيم عليه السلام: ]رب اجعل هذا بلداً آمناً[، وقد أشار سبحانه وتعالى الى هذه البينة للناس في كتابه العزيز، لعلهم يتعظون ويتدبرون في أمر هذه الحقيقة وهي مكانة حرمة البيت عند الله، بعد أن جعلها للناس حرماً آمناً مباركاً وهدى للعالمين، على الرغم من تخاطف وتقاتل الناس والأمم فيما بينهم، وغزو بعضهم أراض ومدن بعض إلا حرم الله الآمن في مكة، وحتى العرب الذين كانوا يعيشون حولها في التغاور والتناهب فيما بينهم أو بين الممالك التي كانت تحيط بهم، فإنهم توارثوا منذ القدم حرمة هذا البيت ويحترمونه ولا يتعرضون لمن أقام بحرم الله الآمن. قوله تعالى: ]أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم، أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون[، وناسب هذا التحريم أيضاً لأنه سبحانه وتعالى أرادها بلداً طاهرة لعموم الناس، لعبادتهم وطاعتهم ونسكهم يطوفون به ويصلون اليه ويعتكفون بعبادتهم عنده أو بتولية وجوههم نحوه وفي أي بقعة من الأرض يوجدون بها. حيثُ في عهد الإسكندر المقدوني 336 - 323 ق.م وبعد أن دانت له غالبية الشعوب، تطلع الى غزو وسط الجزيرة العربية، ولكن لم يتح له الفرصة فقد عجل به الموت قبل أن يعّد نفسه لما حدّث به نفسه، وانقسمت امبراطوريته الى أربعة أجزاء. وفي عهد "أغسطس" الروماني 31 ق.م - 14م سيّر جيشاً بقيادة أليوس جالوس حاكم مصر الروماني في حملة للاستيلاء على وسط الجزيرة، فأهلكهم الله بالحر والمرض، ورجعت الحملة تجر أذيال الخزي والخيبة من حيث أتت، وهذه الحقيقة أشار اليها وِل ديورانت في كتابه قصة الحضارة حيث قال ما نصه: "ومضى على جند الروم أكثر من ستّة أشهر تائهين بين جبال ووديان وصحارى العرب دون أن يصلوا الى بلد يحتلونه أو رجال يقاتلونهم ... وأهلكهم الحر والمرض، وعجزت الحملة عن تحقيق غرضها... ورجعت تجر أذيال الخيبة". وكذلك أقسم أبرهة ليهدّم بيت الله الحرام بمكة... وجاء أبرهة بجيش يتقدمه فيل وكان له ما كان وأهلكه الله ومن معه وبقي بيت الله الحرام قائماً يشهد مولد خاتم الرسل والأنبياء ... ويشهد دعوة الله التي بُعث بها. وقبل أبرهة بزمان أيضاً خرج تبع بجيشهِ من اليمن قاصداً مكة ليهدم الكعبة، بعد أن غرر به قوم من هذيل، ولكن سرعان ما تأثر بما لبيت الله من رهبة وقدسية، وأحجم عن هدمها، بعد أن حصل له ما حصل وهو في سيره لهدمها، بل حج اليها وكساها ونحر عندها، ويذكر المؤرخون هذا التحول بهبوب ريح وعواصف هُوج شديدة كانت لقوتها تقتلع خيام الجيش اليمني وتهدم الأبنية وتكفأ القدور، مما أثار مخاوفهم ففروا من شدة ما أصابهم، ورأى تبع أن ذلك من مظاهر سخط الله عليه فخشي العواقب، وعاد تبع يجر أذيال الخيبة، بل رأى أن يعاقب بني هذيل الذين خدعوه وغرروا به لهدم الكعبة فقتلهم. وبقيت حرم الله الآمين مكةالمكرمة في قلب الجزيرة لا سلطان لشرق أو غرب عليها... وبعث الله منها خاتم النبيين والرسل بشيراً ونذيراً للعالمين. ومن فضائلها أيضاً جعل الله قصد بيته للحج مكفراً لما سلف من الذنوب، ماحياً للأوزار، حاطاً للخطايا، وكما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه، ولم يرضى لقاصده من الثواب دون الجنة"، وثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة". وقد ظهر سر هذا التفضيل والاختصاص في انجذاب قلوب الناس لهذا البلد الأمين... وتتدافع الناس اليها من كل مكان... والتي تهفو اليها نفوس البشر... وتفد اليها من جميع الأقطار ومن أقاصي الأرض ومن كُل فجٍ عميق... ملبّين دعوة الله التي أذّن بها خليله إبراهيم بالحج الى بيته الحرام... ويثوبون اليه على تعاقب الأعوام... من جميع الأقطار ولا يقضون منه وطراً، بل كلما ازدادوا له زيارة ازدادوا له اشتياقاً. لا يرجع الطرف عنها حين ينظرها / حتى يعود اليها الطرف مشتاقا * باحث وكاتب في الفكر الإسلامي والدراسات التاريخية.