الكعبة البيت الحرام والمقام والحجر الأسود وعرفة ومزدلفة ومنى والجمرات والهدي كلها شعائر للحج من زمن إبراهيم، فالطواف والسعي وتقبيل الحجر والوقوف المشروع في تلك المواطن والرمي والذبح أو النحر للهدي واتخاذ مقام إبراهيم مصلى حكمته إعلان التوحيد لله وإقامة ذكره بطاعته كما أمر، لاحياء التوحيد وتعميقه في العالمين بالحج إلى البيت وذكر الله في هذه المعاهد التي هي أقدم معاهد التوحيد المعروفة في الأرض، قال تعالى:(ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات)، وقال: (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم)، وقال: (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا)، وعن عائشة أن النبي قال: (إنما جعل الطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) وعن نبيشة أن رسول الله قال: (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله). أما ما روي عن ابن عباس مرفوعا: من أن هاجر لما عطشت وعطش ابنها سعت من الصفا إلى المروة سبع مرات تنظر هل ترى أحدا، فلذلك سعى الناس بينهما. وما رواه الطبراني والحاكم والبيهقي عن ابن عباس مرفوعا قال: (لما أتى إبراهيم خليل الله المناسك عرض له الشيطان عند جمرة العقبة، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثانية فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثالثة، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض). وفي بعض الروايات أنه تمثل له إبليس عند الجمرات الثلاث فقال له جبريل: كبر وارمه سبع حصيات، فرماه فغاب عنه إبليس. ففيها بيان أسباب تشريع الله لتلك الطاعات هناك وليست بيانا لحكمة تشريعها والاحتجاج بهذه الأحاديث على أن حكمة الرمي هي رجم الشيطان وحكمة السعي تخليد لسعي هاجر فيه خلط بين سبب التشريع وحكمته، فالحكمة هي ذكر الله وإفراده بالعبادة وتعزيز المعاني التي وقع لإبراهيم وهاجر وإسماعيل ما وقع من ابتلاء ظهر فيه صبرهم ورسوخهم في توحيد الله وقوة يقينهم بالله وتوكلهم عليه، فكانت مواقفهم المحمودة أسبابا لتمجيدها في أعمال حكمتها إقامة ذكر الله تعظيما لمعاني التوحيد والاستسلام بالطاعة لله في الناس، فما شرع حكمته تحفيز للعمل بالتوحيد وتخليد لرمزية المقتدى بهم في ذلك، وتخليد لمعالم دعوة إبراهيم لتوحيد الله كغيرها من المواطن التي تذكر بدعوة إبراهيم للتوحيد الخالص، هكذا يجب أن تفهم حكم مناسك الحج التي تعبدنا الله بها، إن جميع أعمال الحج تحمل حكمة معنى إحياء التوحيد الخالص والطاعة لله الذي هو دين كل الأنبياء ودين إبراهيم، فالتذكير بالتوحيد ومعاهده الأولى يخلد ويعمق رسالة التوحيد التي برزت وسطعت في دعوة إبراهيم، وتكرار استحضارها دوما في المناسك فيه تعميق للمعرفة بالتوحيد والحرص عليه، وتأكيد بأن الإسلام هو دين الله الخالص الذي لا يقبل غيره، وقد جاء بيان تلك الحكمة جاء فيما روي عن عائشة أن النبي قال: (إنما جعل الطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) وفي عموم آيات القرآن المتعلقة بأحكام المناسك التي تقدم ذكرها تأكيد لذلك. فالجمرات معاهد للتوحيد لأنبياء الله إبراهيم وإسماعيل، شرع لنا أن نقف عند كل واحدة منها نرمي كل واحدة بسبع حصيات صغيرات نكبر الله مع كل حصاة، لقد جمع الله للمسلم بهذا الذكر وبهذه الكيفية بين إحياء عمل إبراهيم وبين عبادة الله بكيفية لا حظ للنفس فيها ولا محل للهوى استسلاما لله وإتباعا لهدي خاتم المرسلين. فإن قيل إن إبراهيم قد رمى فيها الشيطان على الحقيقة، قلنا ان ذلك غير مسلم ولو سلم لم يكن في حق من بعده من ذلك إلا حقيقة ذكر الله بالتكبير كما جاءت الرواية مع رمزية إحياء عمل إبراهيم ولا حقيقة لوجود الشيطان.