في الوقت الذي يعيش العراق وضعاً صعباً على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية، تحاول مجموعة من العراقيين في غربتهم القسرية عقد ندوات وتنظيم حلقات دراسية لالقاء الضوء على حضارة بلادهم العريقة. ومن تلك الندوات العلمية واحدة حول مدينة كربلاء ودورها الحضاري عقدت في لندن خلال شهر آذار مارس العام 1996 ونظمتها نخبة من العلماء والمثقفين الذين انجبتهم المدينة وساهم فيها عدد غير قليل من الخبراء والعارفين بتأريخ هذه المدينة العريقة. الندوة وكل ما القي فيها من دراسات وبحوث وكلمات حاولت ان تبرز القيم الروحية والعلمية للمدينة، نشرت في كتاب مهم صدر عن دار الصفوة للطباعة والنشر تحت عنوان: "دراسات حول كربلاء ودورها الحضاري". وطبع الكتاب الوثائقي على نفقة مؤسسة الزهراء الخيرية في الكويت، وجاء في اكثر من سبعمئة صفحة ضم بين دفتيه اكثر من ثلاثين موضوعاً قيماً مقسمة على ستة محاور كما نظمتها الندوة وكذلك على ملخص باللغة الانكليزية. كتب المرحوم الدكتور محمد مهدي، وهو ابن المدينة البار الذي دافع عن العرب والاسلام في اميركا وغيرها، كلمة قصيرة ولكن غنية بمعانيها: "هناك في الغربة، في اميركا وأوروبا الآلاف من المهندسين البارعين والمفكرين العباقرة ينتمون الى ترابها، الى نخيلها الشامخ، الى فكرها وتفانيها نحو المثل العليا". من ضمن اعمال الندوة، بحث في تأريخ المدينة منذ القدم الى العصر الحاضر وضعه عدد من الباحثين، منهم الدكتور علي بابا خان عن دور المدينة في تأسيس الدولة العراقية، مستعرضاً دورها في العهد العثماني ومدى مقاومتها للاحتلال التركي. وعن التطور العمراني وما أصاب المدينة من تخريب متعمد من قبل السلطات الحالية، قدم الدكتور رؤوف الانصاري الى الندوة بحثه المدروس، وكذلك بحثاً آخر عن دور المدينة العلمي الذي القى الضوء على مؤسساتها التعليمية ومدارسها وهو موضوع مهم لما للمدينة من دور علمي وريادي في مجال انتشار المدارس في العالم الاسلامي. وكانت لكربلاء شهرتها لدى المسلمين في ارجاء العالم، واتجهت اليها انظار الرحالة والمستشرقين الغربيين، وقد ساهم في هذا الجانب في الندوة الدكتور جليل العطية بموضوعه "كربلاء في عيون الرحالة الغربيين" الذي سلط فيه الضوء على زياراتهم لمدن العراق ومنها كربلاء خلال القرون الخمسة الماضية، وكان في طليعة من زارها الرحالة البرتغالي بيدرو تكسيرا في سنة 1604م، وتبعه آخرون من اشهرهم كارستن نيبور الذي بدأ رحلته بتكليف من الملك الدنماركي في العام 1761م. وفي الموضوع نفسه قدم للندوة الباحثان الدكتور قيس العزاوي والدكتور نصيف الجبوري دراستين عن كتابات المستشرقين الفرنسيين. لعبت مدينة كربلاء دوراً مهماً في تأريخ العراق في الماضي والحاضر، وكان لها دور طليعي في مكافحة الاحتلال البريطاني للعراق بعد الحرب العالمية الاولى. وكانت في طليعة المدن الثائرة في بداية العقد الثاني من هذا القرن. وتطرقت الى هذا الموضوع بحوث قيمة، منها بحث للدكتور بيير لويزارد المستشرق الفرنسي، والسيد عبدالحليم الرهيمي في "كربلاء والثورة العراقية سنة 1920"، والسيد عدنان عليان عن الدور الريادي للمدينة في ثورة العشرين. كتاب "كربلاء ودورها الحضاري" يمكن اعتباره مرجعاً غنياً عن المدينة المقدسة لما احتوته صفحاته من مساهمات الكتّاب والباحثين الجادة حول جميع اوجه الحياة الدينية والاجتماعية والسياسية والثقافية والعلمية للمدينة والتعريف بالشخصيات الذين انجبتهم. يمكن الحصول على الكتاب من: Karbala Centre for Research and Studies P.O. Box 8292, London W9 1WZ, U.K.