ابتدأ ملتقى مسقط للفن التشكيلي العربي نشاطه منذ العاشر من شباط فبراير، وذلك ضمن المهرجان الثقافي للعام 1999، وشهدت قاعات فندق "أنتركونتيننتال" معرضه وندوته النقدية. شارك في الثانية كل من نبيل رزوق سورية وعزالدين نجيب مصر ونزيه خاطر لبنان وابراهيم الصلحي السودان. اما محورها فكان حول الفن العربي المعاصر، وساهم في المعرض قاعة جبرين اثنتا عشر دولة عربية، وغابت بعض المحترفات على تقاليد ازدهارها، وهي لبنان والعراق وفلسطين والسودان وموريتانيا، وغابت المغرب عملياً لأن اللوحات لم تصل واضطر عادل الربيع ان ينجز ثلاث لوحات بسرعة ليشغل الجناح. وقد تزامن المهرجان مع المعرض المحلي السنوي مما سمح، الى جانب مساهمة جناح المنظمين البالغ العناية في رسم "بانوراما" لخصائص المشهد التشكيلي العماني الشاب، ونال عبدالله الحنيني جائزة الملتقى الاولى، ونال بالمقابل جائزة المعرض السنوي الفاضل محمد الفاضل، ويعكس الاثنان ظاهرة التسارع الملحوظ في تقدم تجاربهما وهو ما يتسم به فنانو مسقط عامة منذ حوالي العقدين من تاريخ تأسيس الفن المعاصر. علينا رغم ذلك الاعتراف بأن ابرز الاجنحة كان الجناح الخاص بالمحترف البحريني على رغم حرمانه من قائمة الجوائز، ليس فقط بسبب اختيار فنانين بارزين، بل وايضاً لأن هؤلاء قدموا افضل ما لديهم من انتاج من مثال لوحات بلقيس فخرو التي حازت على "الدانة الكبرى" في بلدها قبل ايام والتي تمثل مدناً طوباوية تشارف حدود التنزيه الموسيقي، واختار عباس موسوي افضل تجريداته المشرقية المقزّحة، اما الحفاران جبار الغضبان وعباس اليوسف فكانت اعمالهما الطباعية من انضج ما انتجا من ناحية احكام اللون وخامات السطوح وخرائط التكوين. تلا جناح البحرين جناح الامارات الذي عانق تجارب رائدة على غرار التعبيري عبدالرحيم سالم الذي اختزل شخوصه المأسوية الى شبح احادي يقع بين جدارين شموليين، تحوم في نسيجة تهشيرات لغزية، تبعه موسى الحليان ليدخل اشباحه التعبيرية في نفس الحلم، كما مثل ازدهار النحت الحداثي محمد عبدالله أحمد في هياكله الأنبوبية السوريالية، وغابت بعض التجارب المتميزة مثل ما يمثله أحمد ابراهيم. فاجأتنا اسماء لامعة في الجناح التونسي من مستوى تجريدات الحبيب بيده ذات المقامات اللونية المرهفة، ونورالدين الهاني المسكون بهاجس توقيعات "المفردة التشكيلية". واعتمد جناح الاردن على عدد من اسمائه المعروفة: عبدالرؤوف شمعون والحفار رفيق اللحام في طباعاته الهادئة الطبع، وأصيب التجريدي خالد خريس بأزمة قلبية نقل على اثرها الى المستشفى، مما سبّب قلق زملائه من الذين سافروا قبل ان يطمئنوا عليه. وحاولت قطر تقديم ما هو متين في محترفها على غرار التجارب الحروفية التي عرفت بتميزها من مثال يوسف أحمد الذي بلغت مجموعته ذروة النضج، وغابت هيئة اسراب الحروف لتنقلب الى تهشيرات تجريدية في جدار مهندس ترسمه الملصقات بحيث تتمركز شظاياها في الفراغ. وقدّم زميله علي حسن افضل ما رأينا له من حروفيات، او تكوينات مجهرية من حشوده الكرافيكية السابقة، مستخدماً اداءات بالغة الحساسية في إفناء معالم الحروف باللون الابيض ومشتقاته. اما بخصوص جناحي سورية ومصر فلا نعثر فيهما على اي ناظم في الاختيار خاصة وان المحترفين يعانيان من كثافة سكانية كبيرة، مما يضاعف من مسؤولية التمثيل. نعثر مثلاً في الجناح السوري على الاسم الاصغر في عائلة دحدوح الفنية التي عرفنا من فنانيها خمسة أولهم وأبرزهم فائق دحدوح يليه بسام وآخرون. يقف الى جانب هذا الشاب فنانون معروفون يسبقونه بجيلين مثل النحات مجيد جمول والحفار التدمري علي خالد. ونلاحظ غلبة فن الحفر على سواه، فقد عرض الى جانب طباعات الاخير نبيل رزوق وإحسان صدّوق، وقد اثارت موهبة اصغرهم سنّاً ثائر خازم الانتباه، واستحق الجائزة التقديرية أنور الرحبي بسبب قوة انتساب تجربته الى خصائص التعبيرية السورية، معتمداً على تحولات متتالية لوجه فتاة فراتية ملسوعة بحرائق الشمس ولازورد السماء المتوسطية. وحتى يتجنب الجناح اليمني مغبة هذا التباعد في الاختيار فقد اقتنع بتمثيله من خلال فنان واحد معروف هو فؤاد الفتيح، الذي ينهل دوماً من اشارات الذاكرة السحرية التي تحتفي بالانثى المشرقية، ولا شك بأن الطابع الكرافيكي قد ورد من نشاطه المعروف في هذا المجال. يقع الجناح المصري بين الحالتين، اي بين تخمة الجناح السوري وتقشّف الجناح اليمني، وذلك باختياره ثلاثة فنانين متباعدي الاجيال ايضاً، اكبرهم عدلي رزق الله المعروف بعقيدته اللونية المائية جائزة تقديرية وحفار شاب حقق الكثير من النجاحات في السنوات الاخيرة هو محمود بركات لعله من اعمق المشاركين في المعرض يمتاز بأصالة تداعياته من التبصيمات والأنسجة السحرية المقتصرة على ليلية اللون الاسود ثم النحات الآبدي طارق الكومي من الجيل المتوسط بين الاثنين. وعلى رغم ما يتمتع به الثلاثة من مستوى حرفي عالٍ فإن التباعد بين اعمارهم وأساليبهم يطرح من جديد السؤال عن ناظم الاختيار؟ كيف يمكن ان نقارب تجارب يفصل بينها نصف قرن من دون ان نقع في التعسف، او بالاحرى في الجحود او التواطؤ؟ لذلك فإن التظاهرات الغربية المماثلة تقتصر في جوائز التحكيم على من هم دون سن الاربعين، وتكرّم من هم اكبر عمراً. وذلك احتراماً لخبرة الرواد وحفاظاً على روح التجدد في الشباب. سنعثر على درجة اكبر من التشتت في جناحي الكويت والمملكة العربية السعودية لأننا ننتقل من التشرذم في الاساليب الى التعثر في مستوى العرض، ويبدو جناح الكويت اقل ارتباكاً من الثاني بسبب اختيار تجربة المعلم خليفة قطّان، ضمن حشد الاسماء، مما اعطى صورة غالبة على الجناح وهي السردية المجازية القريبة من رمزية الستينات على غرار عبدالهادي الجزار. ولا شك ان العملية تمت بالصدفة. وغابت عن جناح المملكة العربية السعودية كل الاسماء المعروفة التي تشكل ازدهاره، ما خلا تمثال مرمر صغير لأحمد طخيس، مما يؤكد غياب تقاليد الاختيار نهائياً عن بعض الاجنحة. قد يكون من الافضل - كما هي المهرجانات الغربية المماثلة - منح الجوائز الى الاجنحة وليس الى الافراد، مع ترك هامش للاقتناء سواء من اجل اخصاب مجموعات القطاع العام او الخاص. في مثل هذه الحالة ندرك اهمية دور "الكوميسير" المفوض العام الذي يتحمل مسؤولية اختياره لفناني الجناح الواحد والدفاع عن وجهة نظرهم، سواء في الطباعة النقدية ام المحاضرات المباشرة. لنأخذ مصر مثلاً، لو كان ناقد بخبرة عزالدين نجيب قد اختار عدداً من فناني "الجيل الواحد" لتحقق في الجناح صورة تواضع تمثيله الى شريحة من المحترف المصري وليس كله، وهو ما فعله نزيه خاطر قبل ايام قريبة في مسقط فقد اختار باقة من فناني المحترف اللبناني المعاصر، وقدم محاضرة عن خصائصه عموماً. ان مهمة الكوميسير تؤكد جانب الحياد النسبي في مواقف اعضاء لجنة التحكيم بدلاً من العصبية الآلية لبلد انتسابهم. لا شك ان منبر مسقط التشكيلي الجديد يعتبر كسباً كبيراً، خاصة وانه اقتصر في نشاطه على البعد العربي، في الوقت الذي تسعى فيه التظاهرات العربية المماثلة الى العولمة المربكة. كذلك فقد كان فرصة لمعرفة اضاءات المحترف العماني الشاب، وعودة الاحتكاك المباشر بين الفنانين العرب بعيداً عن التمسرح الاعلامي، والمحاباة الثقافية، ولكن الرهان الطموح يتمثل في الا يقع في ما وقع فيه الآخرون من تعثرات مكابرة، اصبحت مع الايام تقاليد مزمنة.