ايدت غالبية الاحزاب المشاركة في الائتلاف الحاكم في ايطاليا خلال جلسة برلمانية عاصفة، توجيه نداء عاجل لايقاف الغارات الجوية الاطلسية ضد يوغوسلافيا. وخيمت أجواء الحرب في كوسوفو على قمة الاتحاد الأوربي التي عقدت خلال اليومين الماضيين في برلين وانتهت صباح امس. وصرح المستشار الألماني غيرهارد شرودر بأن "الحرب فُرضت على الحلف الاطلسي بسبب تعنت القيادة الصربية بزعامة سلوبودان ميلوشيفيتش" الذي حمله مسؤولية استمرارها مطالباً إياه بالمبادرة إلى إنهائها من خلال التوقيع على خطة السلام بشأن كوسوفو التي خرجت بها مفاوضات رامبوييه. ووجه المستشار شكره إلى الجنود الألمان الذين أبدوا استعدادهم للتضحية بأرواحهم لتجنب "كارثة إنسانية"، حسب تعبيره. ودعا مواطنيه إلى تفهم وتأييد المشاركة الألمانية في الأعمال القتالية. وعلى هذا الصعيد أعلنت مصادر وزارة الدفاع الألمانية أن ثلاث طائرات "تورنادو" شاركت أمس بقصف مواقع عسكرية في يوغسلافيا قبل ان تعود إلى قواعدها سالمة. في هذا الوقت استمرت ردود الأفعال حول الحرب ونتائجها على مختلف الأصعدة الرسمية والشعبية. وتراوحت المواقف بين التأييد والتأييد الحذر والمعارضة. وظهر أن أقوى المؤيدين ينتمون لأحزاب اليمين وعلى رأسها الحزب المسيحي الديموقراطي الذي يعتبر أقوى أحزاب المعارضة. فقد اعتبر ارنولد فاتز الوزير السابق وعضو الحزب أن الحرب مبررة من النواحي الحقوقية والأخلاقية. فعدم القيام بها يعني "أن أوربا توافق على إبادة الأبرياء بسبب انتمائهم العرقي" وكان أكثر الردود جدلاً ما صدر عن سياسيي الخضر واليسار. إذ عبر كريستيان شتروبل أحد نواب حزب الخضر في جلسة البرلمان الفيديرالي أمس عن خجله من موقف حزبه المؤيد للحرب والمشاركة فيها. وردت عليه انجيليكا بيير مسؤولة الدفاع في الحزب بسؤاله: هل ان لديه خيار آخر! واعتبر كريغور كيزي رئيس كتلة الحزب الديموقراطي الاشتراكي الشيوعي سابقاً أن الاشتراك في الحرب يتعارض مع مبادئ الدستور الالماني الذي لا يسمح بذلك الا في حالات الدفاع عن النفس. وفي وقت لاحق من بعد ظهر أمس تقدم الحزب بدعوى للمحكمة الدستورية العليا يطالبها بإصدار حكم يعتبر قرار المشاركة غير دستوري. وجاء قرار المحكمة برد الدعوى معتبرة أن القرار شرعي لأنه يستند على موافقة سابقة للبرلمان الاتحادي بهذا الخصوص. واعتبر العديد من المحليين أن قرار الاشتراك في الحرب يعتبر فاتحة لتغيرات عميقة في تفكير الشارع الألماني الذي لم ينشغل بقضية كهذه منذ أكثر من نصف قرن. كما عبروا عن خشيتهم من امتداد النار إلى خارج البلقان. فقد اعتبر روبرت لايشت المحلل في جريدة "تاغس شبيغل" أن الحرب تعود لتصبح جزءاً من تفكيرنا اليومي... وتكمن المشكلة في أنها لعبة شيطانية مجهولة المخاطر". ويقول فالتر يينز رئيس أكاديمية الفنون لبرلين - براننبورغ سابقاً: "كان على الألمان أن يصروا على القيام بأعمال عسكرية من خلال مجلس الأمن الذي قام الناتو بسحب البساط من تحت أرجله". وفي الشارع الألماني يتزايد الجدل حول نتائج الحرب. ويستدل من استطلاعات الرأي أن عدد المتخوفين والمتحفظين من إطالة أمد الحرب في تزايد. وعبر الكثير منهم عن ذلك من خلال تظاهرات ضمت الآلاف وشملت مدن بينها فرانكفورت ولايبزغ وهانوفر وميونيخ وغيرها. وقالت سيدة شاركت بتظاهرة فرانكفورت "إن عودتنا للمشاركة في الحروب تعني أننا سنفقد أولادنا وأزواجنا من جديد". وقال أحد المتظاهرين بمدينة لايبزغ إن "المشكلة ليست في إشعال نيران الحرب وإنما في كيفية إطفائها". واعتبر كريستيان بوميروس المحلل المعروف بجريدة "برلينر تسايتونغ"أن المعركة في الشارع الألماني ستبدأ بشكل فعلي عندما يسقط أحد الجنود الألمان في حرب كوسوفو. ايطاليا وفي ايطاليا وافق الحزب الشيوعي على اجراءات الحكومة بعدما هدد اول من امس بالانسحاب من حكومة ماسيمو داليما في حالة مشاركة ايطالية في الغارات الاطلسية التي تنطلق من قواعد الحلف في ايطاليا. الا ان كلاً من فرانشيسكو كوسيغا رئيس الجمهورية السابق وجورجو امالغا رئيس الحزب الجمهوري، اعترضا على الاتفاق بحجة ان موقف الحكومة يعكس التزامات ايطاليا تجاه شركائها في حلف الاطلسي من اجل اتباع خيار السلام ووقف المآسي الانسانية ومنع وقوع حرب جديدة في البلقان. ويأتي الاتفاق البرلماني في ضوء مداخلة رئيس الوزراء ماسيمو داليما في برلين اول من امس قال فيها: "حان الوقت لكي يلعب الحوار والديبلوماسية دورهما في هذه الازمة. والمعلومات التي بحوزتنا تؤكد ان الهجمات التي قام بها حلف الاطلسي، ادت الى نتائج مهمة جداً لانها اضعفت القدرة العسكرية للصرب وارغمتهم على ما يبدو على تعليق هجومهم على المدنيين في كوسوفو". واعلن مجلس الوزراء الايطالي حال طوارئ استعداداً لمواجهة موجات جديدة من اللاجئين بعد الضربات الاطلسية. واعلن مجلس الوزراء عن استعداده لاستقبال 25 الف من اللاجئين من كوسوفو، اتخذت كل الاجراءات اللازمة لاستقبالهم. وقدرت المصادر الامنية الايطالية عدد النازحين باتجاه اوروبا باكثر من نصف مليون شخص على الاقل. وطلبت ايطاليا من حلفائها في الاتحاد الاوروبي مساندتها ودعمها. واستثنت وزارة الاعلام الصربية عدداً من الصحافيين الايطاليين من اجراءاتها طرد صحافيي الدول الاعضاء في حلف الاطلسي او تلك الدول التي استخدمت اراضيها لشن غارات. وطافت تظاهرات الاحتجاج التي نظمها اليساريون والقوى الدينية، شوارع المدن الايطالية. وطالبت بوقف الحرب ضد الصرب، كما اعلنت "رابطة الشمال" عن قيام انصارها ومؤيديها بتظاهرات احتجاجية على ما وصفه اومبيرتو بوسي بپ"الاعتداء الغاشم الاميركي على صربيا". فرنسا وفي تعبير بارز عن التشكيك الفرنسي في جدوى غارات حلف شمال الاطلسي على يوغوسلافيا، نشرت صحيفة "لوموند" امس على صفحتها الأولى رسماً كاريكاتورياً يظهر فيه الرئيس العراقي صدام حسين، وهو يخاطب نظيره اليوغوسلافي سلوبودان ميلوشيفيتش: "اصمد يا سلوبودان فانهم سيتعبون قبلك". وفي محاولة لتدارك هذا التشكيك الذي برز في الوسط السياسي حيال العمليات، ضم الرئيس الفرنسي جاك شيراك صوته الى صوت رئيس الحكومة ليونيل جوسبان في محاولة لتطويق المعارضين وتأمين الالتفاف الداخلي حول العمليات. وقال شيراك في كلمة القاها خلال الاستقبال السنوي التقليدي لرؤساء دوائر الشرطة الفرنسية ان الضربات العسكرية هدفها افهام ميلوشيفيتش ان "طريق السلام افضل من طريق التوتاليتارية". وأضاف انه حرص على اثارة هذا الموضوع امام دوائر الشرطة "لكي يعملوا من جانبهم على توضيح المشاركة الفرنسية في عمليات الاطلسي". وتابع شيراك "ينفذ طيارون فرنسيون ما قررته فرنسا بسيادة تامة، بالاشتراك مع حلفائها من اجل خدمة السلام وأتمنى ان تعرب امتنا كلها عن التضامن". وفيما كان شيراك يدلي بكلمته هذه كان جوسبان يلقي كلمة بالمعنى نفسه امام الجمعية الوطنية الفرنسية البرلمان في حين تولى وزير الخارجية هوبير فيدرين تلاوة الكلمة نفسها امام مجلس الشيوخ. وحاول جوسبان من خلال كلمته ابراز الطبيعة الحتمية للعمليات، بعد تمسّك الصرب ومن ورائهم ميلوشيفيتش برفض خطة السلام التي عرضت عليهم في رامبوييه ثم في باريس، فقال "ان بلدنا كما تعرفون بذل كل ما امكن من اجل التوصل الى مخرج سياسي لأزمة كوسوفو، ولكن من دون جدوى، ما جعل اللجوء الى القوة يفرض نفسه بنفسه، الا اذا اردنا الظهور في موقع العاجز او المتخاذل".