"قضت المحكمة العسكرية العليا بالإعدام غيابياً شنقاً على المتهم أحمد ابراهيم السيد النجار المقيم في بريطانيا لإدانته الانضمام وإدارة تنظيم سري عسكري محظور يهدف الى محاولة قلب نظام الحكم بالقوة، والاتفاق الجنائي على ارتكاب أعمال القتل والشروع فيه، وإصدار تكليفات من مقر إقامته في بريطانيا الى عناصر التنظيم داخل البلاد للقيام بأعمال إرهابية". هكذا نشرت الصحف المصرية والعربية الخبر في شباط فبراير العام 1997 في اليوم التالي لجلسة المحكمة التي نظرت قضية "خان الخليلي"، واتهم فيها أكثر من 60 من عناصر "جماعة الجهاد" بالتخطيط لتفجير حافلة في الحي السياحي وسط القاهرة. وحتى حزيران يونيو من العام التالي ظل الاعتقاد السائد أن النجار مقيم في بريطانيا ثم تبين أنه لم يدخل الأراضي البريطانية أبداً. في ذلك الشهر وصل النجار الى مطار القاهرة وتسلمته السلطات المصرية قادماً من ألبانيا. ووحده كان النجار يقف بين أكثر من 40 متهماً في قضية "العائدون من ألبانيا" مرتدياً لباساً أحمر مخصصاً لمن ينتظرون تنفيذ عقوبة الإعدام. ولأن وقائع القضية تأسست على الاعترافات التي أدلى بها أمام المحققين المصريين، تحوّل النجار الى "نجم" ترقبه عدسات المصورين وعيون الصحافيين أثناء جلسات القضية التي ستصدر فيها الأحكام في غضون أيام، ويرجح أن تتضمن إعداماً ثانياً للنجار. قدم النجار نفسه الى المحققين قائلاً: "اسمي أحمد ابراهيم السيد االنجار، أعمل مدرساً في المؤسسة الخيرية في ألبانيا، وعنواني في مصر قرية "ناهيا" محافظة الجيزة شارع الشيخ المصري، وأنا من مواليد 5/10/1962". وروى بالتفصيل تاريخه مع "جماعة الجهاد" منذ أن سمع عنها للمرة الأولى العام 1979 وحتى تم تسليمه: "بدأت في المواظبة على الصلاة منذ العام 1978 أثناء فترة الدراسة الثانوية وكان هناك نشاط في ناهيا لجماعتي "التبليغ والدعوة" و"الإخوان المسلمين" وتكونت لديّ من خلال التردد على مساجد الجمعية الشرعية والرحمن وأبو سنة، العقيدة الدينية التي يجب تنميتها في إطار جماعة. وفي أحد الأيام وأثناء وجودي في السوق شاهدت جراراً زراعياً يقل عدداً من الشباب وبه مواد بناء فسألتهم: "بتعملوا إيه؟، فردوا أنهم بصدد بناء مسجد جديد في البلدة ودعاني أحدهم واسمه عباس شنن للمشاركة في البناء. وشاركنا جميعاً في بناء المسجد الذي صار اسمه لاحقاً "المسجد الغربي"، ولم أكن أعلم أن شنن يعتنق فكر "الجهاد"، لكنه لاحقاً بدأ يحدثني عن عدم شرعية فكر "الإخوان المسلمين" وشرح لي مدى قصوره وبدأ يشيد بفكر "جماعة الجهاد". وخلال تلك الفترة تعرفت على الشيخ محمد عبدالسلام فرج الذي وضع كتاب "الفريضة الغائبة" وأعدم في قضية اغتيال السادات. وكان فرج يأتي الى القرية ويعقد لقاءات معنا ويلقي علينا دروساً في الشريعة، وقبل أن يكتمل بناء المسجد انتقلت اللقاءات الى مسجد عمر بن عبدالعزيز في بولاق الدكرور. وبدأت مجموعات أخرى من "جماعة الجهاد" تنضم إلينا. وعلى رغم قناعتي بفكر الجهاد وارتباطي بعناصر التنظيم، وحضوري لقاءات فرج لم أنضم بشكل فعلي الى التتظيم إلا العام 1980، بناء على دعوة من محمد إمام أبو حديد بعد أن أفهمني أن الفترة الماضية كانت فترة اختبار للتأكد من أنني مقتنع تماماً بمبادئ التنظيم وقادر على الوفاء بالتزاماته، والتكليفات التي أكلف بها". وتنقل النجار من مسجد إلى آخر واتسعت دائرة علاقاته بعناصر التنظيم. وحينما تحدث عن بداية التحول الى الممارسات العنيفة، قال: "بعد أحداث الزاوية الحمراء العام 1981 أيقنا أن على المسلمين أن يستعدوا للجهاد، وتم تكليف أبو حديد بتدريب مجموعة قرية ناهيا وأنا بينهم لإعدادهم بدنيا وتلقي تدريبات على كيفية استخدام الأسلحة، وتدربنا بالفعل على ممارسة الرياضات العنيفة واستخدام الأسلحة، وكانت التدريبات تتم في صحراء منطقة "أبو رواش" وتلقيت تدريباً على أعمال الزحف في نادي الشمس في مصر الجديدة. وفي تلك الفترة تعرفت على عبود الزمر، وعدد آخر من قادة وعناصر التنظيم، وبعدها بدأ التنسيق بين فرج باعتباره زعيماً لتنظيم "الجهاد" وكرم زهدي كزعيم لپ"الجماعة الإسلامية" لدمج التنظيمين، الذي اسفر في وقت لاحق عن اغتيال السادات. وبعد أن كشفت السلطات التنظيم وألقت القبض على المئات وأنا منهم، دب الخلاف داخل السجن بين عمر عبدالرحمن والزمر ما أدى الى فض الائتلاف بين التنظيمين وحكم عليّ بالسجن لمدة ثلاث سنوات خرجت بعدها ومعي بعض "الإخوة" ولدينا الرغبة في وضع خطة للعمل على إعادة إحياء نشاط التنظيم من خلال الشق الدعوي مع التزام مبدأ السرية للحفاظ على عناصر التنظيم. وبمرور الوقت خرج بعض قادة التنظيم من السجن وبينهم أيمن الظواهري، لكن غالبيتهم غادروا البلاد للمشاركة في أعمال الجهاد في افغانستان. وخلال الفترة منذ خروجي من السجن العام 1984 وحتى العام 1991 اقتصر نشاطي على العمل الدعوي، كنت أقوم خلالها بإلقاء الدروس والخطب الدينية في المسجد الغربي وأي مسجد آخر أدعى إليه. وفي ذلك العام عاد مجدي سالم من الخارج وطلب مني أن أنشط في مجال الدعوة، وربطني بعبدالمنعم جمال الدين وعادل عوض، وطلب مني الأخير تجهيز عناصر بعيدة عن الرصد الأمني لتسفيرهم الى افغانستان أو الاستعانة بهم في عمليات الجهاد داخل مصر، لكنني أبلغته أنني لا استطيع اختبار مثل هذه العناصر لكوني بعدت عن النشاط التنظيمي لفترة طويلة. وفي نهاية العام 1992 كشفت السلطات عن تنظيم "طلائع الفتح الإسلامي" وتعرضت الجماعة لضربة شديدة بعد أن ألقت الشرطة القبض على مئات من عناصره سواء ممن كانوا داخل البلاد أو الذين تدربوا في افغانستان ثم عادوا الى مصر وورد اسمي ضمن المتهمين، وتعرضت للملاحقات الأمنية وبدأت رحلة الاختباء والفرار". غادر النجار مصر يوم 18 تشرين الأول أكتوبر 1993 بجواز سفر باسم عبدالرحمن محمد حسن، أحضره عضو التنظيم عادل بيومي السوداني أعدم في قضية خان الخليلي واستقل الباخرة من ميناء نويبع الى الأردن، ووصل الى العقبة ومنها الى عمان وأقام في فندق "نهر الأردن" واتصل به في اليوم التالي أحد أعضاء التنظيم وطلب منه أن يغادر الى اليمن. وفي يوم 23 من الشهر نفسه وصل الى صنعاء بالطائرة. وتابع النجار كلامه أمام المحقق: "كنت أعتقد حينما اقترح عليّ عادل بيومي السوداني السفر الى خارج مصر أنه يقصد مساعدتي في الفرار وإيجاد مصدر للرزق خارج البلاد قبل أن أقع في قبضة الشرطة المصرية، لكن بعدما قابلت عضو التنظيم محمود الديب في مطار صنعاء واصطحبني الى منزل في منطقة اسمها "السواد" جنوب العاصمة اليمنية، عرفت أنه مخصص لعناصر الجماعة من المقيمين في اليمن ممن يتعاملون بأسماء حركية، ايقنت أن ما اعتقدته غير صحيح". وعدد النجار اسماء قادة "الجهاد" الذين كانوا يترددون على اليمن، وأضاف: "عرفت أن المقيمين في المنزل شباب من عناصر التنظيم ممن شاركوا في حرب افغانستان وأهلوا عسكرياً، وينتظرون دفعهم الى مصر لتنفيذ الأعمال الجهادية، كما علمت أن قادة التنظيم اتخذوا من اليمن مركزاً لإيواء العناصر ومتابعة النشاط التنظيمي وأن من يقع الاختيار عليهم لتنفيذ العمليات داخل مصر ينتقلون الى موقع في مدينة تعز لتجهيزهم وتدبير الطريقة التي يدخلون بها الى مصر". وبمرور الوقت وجد النجار نفسه منغمساً أكثر فأكثر في نشاط التنظيم، كان شاهداً على عناصر التنظيم الذين أقاموا في اليمن لفترة ثم عادوا الى مصر ونفذوا محاولة اغتيال رئيس الوزراء السابق الدكتور عاطف صدقي في تشرين الثاني نوفمبر 1993، التي كان من نتائجها التأثير على أوضاع التنظيم في اليمن بعدما ألقت السلطات المصرية القبض على منفذي العملية، ونشرت الصحف معلومات عن وجود مراكز للجهاد في اليمن وأرقام هواتف كان المتهمون يتحدثون إليها مع قادتهم في صنعاء. ويتذكر: "غادر غالبية قادة التنظيم اليمن الى السودان، وقبل أن يغادر أحمد سلامة مبروك طلب مني معاونته في مسؤولية اللجنة المدنية للتنظيم، وأفهمني أن عملها ينقسم الى جزءين، الأول يتعلق بمتابعة نشاط عناصر التنظيم داخل مصر، والثاني يختص بمتابعة العناصر خارج مصر. وأن جمع المعلومات يتم من خلال اللقاءات المباشرة أو المراسلة أو الاتصالات الهاتفية، ولكل طريقة أساليبها، ومحاذيرها، لكن نشاطي الفعلي في اللجنة لم يبدأ إلا بعد استدعائي للسفر الى السودان في تشرين الأول 1994". لم تستمر إقامة النجار في السودان سوى خمسة أيام، أقام خلالها في منزل في منطقة الرياض في الخرطوم مخصص لعناصر التنظيم، وفي اليوم التالي لوصوله، عقد الظواهري اجتماعاً معه، حضره بعض قادة التنظيم، وعن ذلك اللقاء قال: "تحدث معي الظواهري عن تصوره لعمل اللجنة المدنية في المستقبل وأكد على ضرورة العمل بأسلوب جديد بعد كشف السلطات المصرية قضية طلائع الفتح". وقال لي: "سنعتبر المعلومات السابقة وكأنها لم تكن، وسنبدأ من جديد. وكلفني بتولي مسؤولية اللجنة والعودة الى اليمن لبدء نشاطي فيها من هناك". سرد النجار تفاصيل الاتصالات التي أجراها مع عناصر التنظيم داخل مصر واللقاءات التي عقدها مع عدد منهم في الخارج، وكانت سبباً في ورود اسمه في قضية "خان الخليلي"، والحكم عليه غيابياً بالإعدام. وأوضح أنه لم يكن يبلغ عناصر التنظيم بالمكان الذي يقيم فيه، لذلك اعتقدوا أنه يتحدث إليهم من لندن. وذلك هو السبب في أن أوراق قضية "خان الخليلي" تضمنت أنه مقيم في بريطانيا. ثم تابع رواياته: "حتى نهاية العام 1995 وبعد مرور أكثر من سنة على إسناد مسؤولية اللجنة المدنية لي لم تسفر اتصالاتي فعلياً عن توفير شبكة المعلومات المطلوبة، التي كان التنظيم يرغب فيها، وذلك لأسباب عدة بعضها يتعلق بضعف الإمكانات المالية، وأخرى تتعلق بسوء الاتصالات من اليمن إضافة الى ضرب مجموعة التنظيم في منطقة "كرداسة" بعد كشف قضية "خان الخليلي". وفي شهر كانون الأول ديسمبر عقد قادة التنظيم اجتماعاً في صنعاء حضره الظواهري الذي تطرق في حديثه الى موضوع تفجير السفارة المصرية في باكستان، وبرر العملية بأنها كانت رداً على قيام السفارة بجمع معلومات عن "الإخوة" المقيمين هناك، وتسببت في ترحيلهم. وأشار الى أن العملية تم الإعداد لها في سرية تامة ولا يعلم تفاصيلها إلا عدد قليل جداً من قادة التنظيم، وذكر أن السيارة التي نقلت المواد المتفجرة الى السفارة كادت تضبط قبل التنفيذ. ودعا أعضاء التنظيم الى عدم استنتاج اسماء الأشخاص الذين نفذوا العملية على أساس أن تداولها يضر بهم وبأسرهم. كما تحدث عن الوضع المالي للجماعة وأكد أنه سيئ، وقال: "إنه كان ينوي تنفيذ عملية السفارة، ثم عملية "خان الخليلي" ثم التوقف لإعادة ترتيب الأوراق. وكلف كل فرد بالبحث عن مصدر للرزق". وتحدث النجار عن محطته الأخيرة، ورحلته إلى ألبانيا، وذكر أن ثروت شحاتة أبلغه في مطلع العام 1996 عن وجود فرصة عمل في بلد اسمه "تيرانا"، وسأله: "تيرانا دي فين؟، فأجابه أنها عاصمة ألبانيا". وتابع النجار: "جهزت نفسي للسفر وأعطاني شحاتة 500 دولار وقيمة تذكرة الطائرة من عدن الى دمشق وحصلت على تأشيرة لدخول تركيا. وسلمت شحاتة كل الأوراق التنظيمية التي كانت موجودة معي، ووصلت دمشق في منتصف كانون الثاني يناير وركبت الباص الى اسطنبول، وحينما حاولت السفر الى تيرانا حدثت مشكلة في المطار لأنهم اشترطوا عليّ أن أكون حاصلاً على تأشيرة لدخول ألبانيا، واحتجزوني لفترة ثم وافقوا على سفري، ولكن السلطات الألبانية أعادتني على الطائرة نفسها الى اسطنبول مرة أخرى، فحدثت مشكلة جديدة لأن تأشيرة تركيا على جواز سفري كانت للدخول مرة واحدة، وحاولت السلطات التركية ترحيلي الى مصر على طائرة شركة مصر للطيران، لكن مندوب الشركة اعترض لعدم قيامي بسداد ثمن بطاقة الطائرة. وجلست في المطار وجهزت نفسي ذهنياً أنني سأعود الى مصر، وفي محاولة أخيرة اتصلت بعضو التنظيم سيد عبداللطيف في تيرانا، وشرحت له الموقف فأرسل لي شخصاً اعتقد أنه لبناني أو سوري، وتمكن من حل المشكلة وسافرت مرة أخرى الى تيرانا واستقبلني عبداللطيف في المطار وأقمت في شقة في منطقة قريبة من المدرسة التركية في العاصمة، وقابلت هناك عدداً من أعضاء التتظيم. وعملت بعد فترة في إحدى المؤسسات الخيرية كمدرس للغة العربية، وتحفيظ القرآن الكريم، وبعد نحو 8 شهور أرسل الظواهري فاكساً لي أبلغني فيه أنه أسند مسؤولية اللجنة المدنية لثروت شحاتة وعينني مساعداً له، ثم تحدث إليّ شحاتة هاتفياً وأبلغني أنه موجود في "أذربيجان" وطلب مني السفر اليه لكنني أبلغته أن جواز سفري لن يمكنني من الوصول الى هناك. وطوال فترة إقامتي في ألبانيا لم أجر أي اتصال بأعضاء التنظيم داخل مصر، في حين ظلت علاقتي بالمقيمين في الخارج الى أن تم القبض عليّ داخل ألبانيا وترحيلي إلى مصر".